هو موسيقار ومطرب وملحن من الطراز الأول، ومن آخر عمالقة لبنان الذي أثروا مكتبته الموسيقية، تميّز بتعصبه للغناء باللهجة اللبنانية، وبأسلوبه اللحني الإبداعي وأدائه الذي يجمع بين الطرب الأصيل والغناء المتجدّد الذي طبع الأغنية اللبنانية المعاصرة، صاحب الجملة الموسيقية المبدعة في الطرب الشرقي، وصوته من أجمل أصوات مطربي هذا العصر، يملكُ ملحم بركات رصيداًَ فنياً كبيراً مؤلفاً من حوالى 13 ألبوماً، وأكثر من 107 ألحان.


نشأته وإكتشاف حليم الرومي لموهبته

ولدملحم بركاتفي بلدة كفرشيما في 15 آب 1945 لأسرة متوسطة الحال، إذ كان والده يعمل بالنجارة، لكنه أيضاً يعزف على العود، وكان ملحم يهوى الفن منذ صغره، لكنه لم يكن يفكر في امتهانه، وكان يدندن على العود أغنيات لـ الموسيقار محمد عبد الوهاب.
برزت موهبته الموسيقيّة منذ كان تلميذًا في مدرسة بلدته كفرشيما. وقيل بأنّه قام بتلحين بعض الكلمات من الجريدة اليومية، وغناها في إحدى المناسبات المدرسية. ويؤكّدملحم بركاتأن أول لحن وضعه كان نشيداً لمدرسة كفرشيما.
إشتهر منذ صباه كمغنّ في بلدته، حتّى طُلب منه مرّة الغناء والعزف بين فصلَي مسرحية "جنفياف"، التي كانت تُعرض في البلدة، فلفت إنتباه الموسيقي حليم الرومي، الذي كان يسكن في كفرشيما، فأثنى على موهبته وشجّعه.


درس الموسيقى خفية عن والده

وفي مطلع شبابه طلبملحم بركاتمن والده أن يسمح له بدراسة الموسيقى، لكن جواب والده كان أن هناك محمد عبد الوهاب في الساحة، لكن على الرغم من ذلك، اتخذ ملحم قراره وترك المدرسة حين كان يبلغ من العمر 16 عاماً، وإلتحق بالمعهد الوطني الموسيقي منتسباً إليه من دون علم أبيه، فكان يخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر في نهاية المطاف فعاد وقبل بالأمر الواقع، وذلك بسبب إصرار ابنه على الأمر وموهبته الواعدة.
درس النظريات الموسيقيّة والصولفيج والغناء الشرقي والعزف على آلة العود لمدّة أربع سنوات في المعهد الوطني للموسيقى، وكان من بين أساتذته، سليم الحلو وزكي ناصيف وتوفيق الباشا، وترك المعهد قبل إكمال دراسته، فنصحه شيخ الملحنين فيلمون وهبي بأن يتوجه إلى مسرح الأخوين رحباني، وهكذا كان.

إنضمامه إلى الأخوين رحباني

شقّملحم بركاتطريقه في مشوار فني طويل تعليمًا ولحنًا وغناء ومسرحيات، فقد درّس العزف على العود، وتعرّف إلى إبن بلدته الفنان عصام رجي، الذي سمع عنه الكثير، فإنضم بواسطته إلى الأخوين رحباني، واشترك في الغناء في عدد من مسرحياتهما الغنائية، وأول مشاركة لملحم في هذا السياق كانت ضمن "بيّاع الخواتم" و"سفر برلك"، و"الشخص"، و"فخر الدين"، "يعيش يعيش"، وصولًا إلى "الربيع السابع" (مع رونزا)، والتي غنى فيها ملحم أغنية "شباك حبيبي" من كلمات وألحان الأخوين الرحباني، ومسرحية "إيام الصيف" للموسيقار الياس الرحباني التي عرضت عام 1972 في مهرجانات بيت الدين الدولية، وشاركه البطولة فيها الفنانان هدى حداد ونصري شمس الدين، وأدى ملحم بركات دور خال هدى، وغنى في المسرحية أغنية "عشرة حدعش تنعش".
وخلال هذه الفترة كانت له أكثر من أغنية من كلمات وألحان عاصي ومنصور رحباني منها "شو بعدو الناطر"، إضافة إلى أغنية "بلغي كل مواعيدي" من ألحان ملحم وكلمات مارون كرم، لكنّه عاد وتركهما لكي يشقّ طريقه الفنيّة ويبني شخصيّته الموسيقيّة الطربية والتلحينيّة المتميّزة لما يمتلكه من موهبة في هذين المجالين.
وكانت أولى تجاربه الغنائية أغنية "الله كريم برجع على بلادي".

نشاطاته الفنية

شاركملحم بركاتفي العديد من المسرحيات، فقد قام ببطولة "الأميرة زمرد" لروميو لحود، ووقف أمام الشحرورة صباح في "الفنون جنون" و"حلوي كتير" و"ست الكل"، كما كانت له بطولة "ومشيت بطريقي"، وقد إختار الراقصة اللبنانية داني بسترس لمشاركته بطولة المسرحية، أغنيات المسرحية كلها من كلمات الشاعر الدكتور ميشال جحا وألحان ملحم بركات، إخراج منير معاصري، وآخر أعماله المسرحية كانت مسرحية "ومن الحب ما قتل" التي عرضت عام 2010 في "مهرجانات بعلبك الدولية" فكرة وتأليف وتلحين وبطولة ملحم بركات وغسان الرحباني، سيناريو وإخراج غسان الرحباني، ومن الأغنيات التي لحنها بركات وغناها في هذه المسرحية "بدك مليون سنة"و"مرحبا" من كلمات نزار فرنسيس.
كذلك أحياملحم بركاتحفلات في أكبر المهرجانات العربية (قرطاج وجرش...) وحفلات عالمية (فرنسا، وأميركا وأوستراليا وكندا). وكانت للسينما حصّة في مسيرته بحيث خاض غمارها مشاركًا في عدد من الأفلام مع أبرز الوجوه الفنّية في لبنان ومصر. ومن أعماله السينمائية بطولة فيلم "حبّي الذي لا يموت" (1984) مع الممثلة هلا عون والفنانة داليدا رحمة، إخراج يوسف شرف الدين، وغنى ملحم في الفيلم أغنيته الشهيرة "يا حبي اللي غاب" من ألحانه ومن كلمات منير عبد النور، وفيلم "المرمورة" (1985) مع الممثلين كريم أبو شقرا وهلا عون، إخراج وئام الصعيدي وتأليف كريم أبو شقرا.

بداية مسيرته في التلحين

​​​​​​​توسعت شهرةملحم بركاتفي التلحين، خصوصاً في السبعينيات حيث قدم ألحانا للشحرورة صباح ضمن مسرحية "حلوة كتير" ومن بينها أغنيات "ليش لهلق سهرانين" و"المجوز الله يزيدو" و"صادفني كحيل العين"، كما لحّن شارة برنامج "ساعة وغنية" الذي سجل في التلفزيون الأردني، في عام 1979، وعرض عبر تلفزيون لبنان وغيره من الشاشات، ويتضمن البرنامج مجموعة من الأغاني اللبنانية، قدمه كل من الإعلامي رياض شرارة والفنانة هدى حداد، وقدم ألحانا لوديع الصافي، منها جينا نسأل خاطركن وخلي العمر يرجعنا، ولماجدة الرومي أغنيات إنت وأنا، بتتغير الدقايق، عيناك وإعتزلت الغرام، التي عادت ماجدة وطرحتها مرة ثانية على طريقة الفيديو كليب في عام 2019 أي بعد مرور ثلاث سنوات على رحيلملحم بركاتتكريماً له وظهرت الرومي في الفيديو وهي تغني أغنية "اعتزلت الغرام" مع الموسيقار ملحم بركات، بصور ومشاهد من بروفات العمل جمعتهما في ستوديو التسجيل، تميزت فيها بعفويتها وامتنانها للملحن.

كاد أن يلحن لـ فيروز

روى ملحم بركات سبب عدم تعاونه مع سفيرتنا إلى النجوم فيروز كملحن، وقال إنه كان بصدد تلحين أغنية لفيروز في فترة مرض عاصي رحباني، وعندما علم عاصي بذلك استدعاه وطلب منه ألا يستغل مرضه، فوعده ملحم بألا يقترب من فيروز ولا يلحن لها.
لحّنملحم بركاتللفنان وليد توفيق أغنيات، منها أبوكي مين يا صبية، مغرم بعيونك، تحت أرزك يا لبنان، ومن فيلم "سمك بلا حسك"، "بعدك ع البال"، ولحن للمطربة سميرة توفيق إشتقتلك يا دارنا، وللفنانين مجدلا، باسكال صقر، ربيع الخولي، لحن لـ كارول صقر، أغنية (قوم يا حبيبي) ودعمها بظهوره في الكليب معها، غسان صليبا، لحّن له أغنية (يا حلوة شعرك داريه)، نجوى كرم كمل على روحي، قلبي مصنع بارود"، "قتلنا الخوف"، وغنى معها من ألحانه ديو "وبيبقى الوطن" من كلمات نزار بركات، ميشلين خليفة، أحمد دوغان، ملحم زين أحلا مرة، وسام الأمير "شو ما كان يكون دينك"، فارس كرم بلا حب وبلا بطيخ، جورج الراسي، هشام الحاج، ريدا بطرس، شذى حسون، عدا عن تلحينه لنفسه أغنيات طربية كثيرة، منها على بابي واقف قمرين ومشيت بطريقي، جيت بوقتك، تعا ننسى، حمامة بيضا، يا حبي اللي غاب.

ملحنين وشعراء تعامل معهم

تعامل الموسيقار الراحل ملحم بركات مع عدد من الملحنين الكبار، أولهم الأخوين رحباني، ثم لاحقاً مع فيلمون وهبي، روميو لحود، الياس الرحباني، ومن الشعراء شفيق المغربي، توفيق بركات، مارون كرم، منير عبد النور، مارون روحانا، طوني أبي كرم، د. ميشال جحا، ونزار فرنسيس الذي جمعته به صداقة قوية، وكان من آخر أعمالهما معاً "عد الأيام" و"ما في ورد بيطلب مي".

غنّى ولحّن أغنيات وطنية

​​​​​​​ولحن أغنية لمناسبة تولي الرئيس السابق العماد إميل لحود رئاسة الجمهورية بعنوان "من فرح الناس"، وأغنيات وطنية منها ديو مع نجوى كرم "رح يبقى الوطن"، "موعدنا أرضك يا بلدنا"، "بلادي ومين ما بيعرف جمالها" و"يا صمتي يا معذبني" هي بعض من الأغاني التي ظهرت فيها جليًا وطنية هذا الموسيقار العظيم وشغفه بجيشه وبوطنه، وأحد أهم إصداراته الوطنية "لبنان يا بلدنا" التي غناها مع الفنانين نجوى كرم وعاصي الحلاني، و"صار بدنا حريق" التي كتب كلماتها نزار فرنسيس والتي أحدثت جدلاً، إذ قام الأمن العام اللبناني بمنع عرضها وهي تتضمن صرخة وجع بسبب الوضع الذي وصل إليه البلد.
وشخصيّة ملحم بركات متميّزة وفيها كل صفات المبدع الحقيقي البعيد عن التكلّف والإدعاء، ولكنّها تجمع التناقضات أحيانًا، فهو موهوب، مثقّف، ظريف، عفوي، طيب القلب، ولكنّه أيضًا عنيد، حاد، صلب ومزاجي بإمتياز. تضمّنت مسيرته الكثير من الكفاح والألم والمعاناة في الحياة والفن.

الجوائز

نال ملحم بركات جوائز وأوسمة عديدة من مؤسسات وجمعيات ومهرجانات، ومنها بسيدني في أستراليا، وجولاته الفنية في أميركا، بالإضافة الى وسام الأرز من رتبة كومندور، الذي منحه إياه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، بعد 40 يوماً من وفاته.