لطالما شكّلت الفنانة الكويتيّة "شمس" زُبدةً لحبر الصحافة العربيّة، لا نقداً في أغنية أصدرتها حديثاً، ولا تعليقاً على مهرجانٍ أحييتهُ، ولا تفنيداً لصوابيّة أو غلطة إختيار الكلمة و اللحن، فالفنانة شمس، تسير عكس التيار، وهي على قدر إسمها،تسطعُ بالحقيقة، مهما كانت صعبة.

صراحتها لا تنتمي إلى حزب الفن العربي الشمولي، جرأتها ليست من نوع المظهر والحركات وقشور الماكياج، أنوثتها ليست بعربيّة، بل غربية في القوة والحريّة.

في الماضي القريب، تذكرتها الصحافة في مانشيتاتها ، مقالاتها وزواياها المدوّرة، عندما إشتعلت الحرب داخل مجلس التعاون الخليجي الفنّي، وبدأ الإشتباك بين "الإمبراطورة" أحلام وبينها، ولم تخلُ الحرب بينهما، من القصف الجوّي الكلامي، زرع عبوات التجريح الناسفة، وحتى القتال بالسلاح الإعلامي الأبيض.

وخلال مؤتمر إطلاق الموسم الجديد من آراب آيدول، وعندما توجّه أحد الصحافيين بالسؤال لأحلام عن رأيها بالفنانة شمس، أجابت بنزعتها البتروليّة، بأنها لم تسمع بإسم شمس من قبل، و نعتتها بالرقاصة، مع العلم بأن صور الأرشيف تضحد شكها بيقين الحقيقة، والماضي جمعهما على موائد طعامٍ وصداقةٍ من رحم زمالة "الكار".

لكن الأهم من موضوع خلافها مع أحلام ومَن على حقّ ومَن على باطل، تبيّن لمن لا يعرف شمس، أنها من النوع الثوروي المنتفض على رتابة المجتمع والعقول المبرمجة على بيانات القرون الوسطى، شاهدنا في شمس، تلك العربيّة التي سابقت ربيع الثورات بأشواط، والتي تكاد أن تكون الوحيدة في المجال الفنّي، فدافعت عن حقّ المرأة في قيادة السيارات، وفنّدت بمهنيّة عاليّة التفتيت الممنهج الذي يطال صورة المرأة في بلداننا.

وبعد ذلك ثار الغيارى على الرمال العربيّة عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، وغنّوا للأجداد والأمجاد و ورثوا الأطلال المدمّرة منذ زمنٍ و زمن ، فشمس لم تضع يدها على الجرح فحسب، وإنما نفضت البنّ السام عن هذا الجرح، الذي لا نُجيد غير تغطيته، ودفن رؤوسنا "القحطاء" في رمالٍ ناشفة.

وفي الأيام الماضية، إنتشر لشمس فيديو تصرّح فيه عن رغبتها في إقتناء جنسيّة ثانية غير العربيّة لتضمن حريّة تنقّل و عيش في أيّ مكانٍ في العالم، وأضافت أن هذه هي رغبة الكثيرين.

وطبعاً إستفاق ضمير الرأي العام من غيبوبة الجهل والفقر، لتُرصّ صفوف المنتقدين، وكأن الفنانة شمس طعنت بالهويّة العربيّة ونالت من الإنتماء ، ما قالته هو ما يضمره 99,99 بالمئة من العرب، هم من تعوّدوا على هذا الرقم وإستنشقوهُ في أوكسيجين ديكتاتورياتهم. ما قالته هو الحقيقة، فكل واحدٍ منا طامح فيزا، حالم إقامة وساعٍ لجنسيّةٍ تحميهِ. لذا، فإن الهجوم على الفنانة شمس يصدر من منبعين، المنبع الأول هو نادي معجبي الأعداء ، وهم الأتباع العميان، الخرس، الطرشان الذين لا يقرأون لا بين السطور، لا العنوان ولا حتى المضمون، بل يهجمون على شمس لمجرد أنها خصم مع من له يصفقون. والمصدر الثاني هم جياع الشهرة والتعبير عن الرأي الذين ينطقون بجهل ويصمتون برشوة.

شمس، قالت الحقيقة، ولا شيء غيرها ، لأنها صادقة، صريحة، لا "تتمكيج" بألوان النفاق، ولا ترتدي ألماساً يُخفي قباحةً ولا تغني "Play Back" لتُستّر على نشاز الصوت والمضمون.

شمس إمرأة عربيّة تتمتّع بكمّ حريةٍ وكرامةٍ، فنانة رائدة في تطبيق العنوان العريض "الفن رسالة" فهي دائماً تحمل صوت النساء الراغبات في الإنتفاضة على الظلم، وصوت المواطن العربي الذي يعانق صفحة باسبوره الممهور بفيزة.

شمس تغنّي ويليقُ بها الفن، تتكلّم بالعربيّة بلكنة الحريّة، هي أقوى من غرور وأكبر من جوائز تُباع في مزاداتهم العلنيّة-المخفيّة. شمسٌ لا تحرقها أضواء الشهرة، فلا ضوء يعلو على نور الشمس.