منطقة "الأشرفية" هي من أهم المناطق في العاصمة بيروت ففيها تتجمع المدارس والمستشفيات والمراكز التجارية وناطحات السحاب .

. هذه هي صورة بيروت اليوم. اما في الماضي فكانت بيروت مساحة خضراء يلعب في رحابها التراث والحضارة. كانت الأشرفية رائدة في مجال الهندسة المعمارية التي تنوعت بحسب الحقبة الزمنية. واذا جلنا اليوم في الأشرفية، نرى فيما تبقى منها، لوحة فسيفساء من الحضارات والتاريخ والتراث الذي تحكيه لنا بعض الأبنية أو الصور المتبقية أو حتى بعض أحاديث سكانها. مؤسسة "منى بسترس" قررت انعاش ذاكرة أهالي الأشرفية وكل لبنان من خلال معرض صور يقام في حديقة "مار نقولا" يمكّن رواده من اكتشاف "الأشرفية" ما قبل "حرب الإلغاء الاسمنتية" التي تعرضت لها وما تزال .

تفاصيل الحفل

البداية كانت مع النشيد الوطني اللبناني ثم تتالت الكلمات الرسمية التي ألقيت في الحديقة أمام الحضور الذي ضم نخبة من أهل الفن والاعلام والسياسة واهالي منطقة الأشرفية.
الكلمة الأولى كانت للوزير نقولا الصحناوي الذي رحّب بالحضور الرسمي والشعبي ،وقال:" القصة بدأت منذ 6 أشهر عندما قررت أن أبدأ كل يوم أحد بعد الغداء أن أجمع الأولاد لأخبرهم عن تاريخ العائلة وهذا ما حدث. وبعد فترة وجدت نفسي اتوسع في الحديث ليطال منطقة الأشرفية بتاريخها. فشعرت أن اولادنا لا يعرفون شيئاً عن تاريخ هذه المنطقة التي تمثل هويتهم وأصلهم وتاريخهم. من هنا وجدت انه من حقنا كأهالي وأبناء هذه المنطقة أن نحيي الذاكرة وهذا التراث الذي يجمعنا ويشكل جزءا من هويتنا. فكانت فكرة هذا المعرض الذي يحتوي على صور للأشرفية قبل عام 1960..."

من جهته القى ممثل وزير الثقافة الاستاذ ريمون عريجي كلمة قال فيها :" ... ذكريات الأشرفية عزيزة ومحببة على قلبنا. ولنا في هذا التل الرائع من عاصمتنا كل على هواه ذكريات وأسماء وأماكن ومواقع تراثية وبيوت. اذ يطيب لوزارة الثقافة ان ترعى هذا النشاط الثقافي فهو موعد لنا لغير عنوان وقضية وطنية. أشرفية الأمس حاضرة في الصورة والذاكرة وفي معالمها وبيوتها والساحات والمواقع صورة للبنان العراقة الذي نحب. اننا نواجه اليوم نهضة عمرانية بنائية تتوسع وتنشط على حساب بيوتنا الجميلة ومن غير طراز هندسي. كل الخوف ان تقضي هجمة الاسمنت وطغيان الأبراج على ما تبقى من حارات القرميد وأعشاش عصافير الدوري ونوافير البرك في الجنينات الصغيرة.
صورة الحنين لهناءة العيش في لحظة من تاريخ الأشرفية صارت من الماضي... اننا أمام تحد حضاري صعب بحاجة إلى تنظيم مدني حديث يراعي التراث وينظم المستقبل. نتطلّع إلى عمران ضروري وواجب لأنها سنة تطور الحياة والعصرنة ولكننا أيضاً مؤتمنون وطنيا على واجب المحافظة على البنيان الأثري وفيه تاريخنا.

اننا مع حق الملكية الفردية التي يكفلها الدستور اللبناني والقوانين ولكننا أيضاً نخشى على الذاكرة ولا نريد ألا تبقى هذه الحارات والبيوتات فقط في ألبومات الصور وشرائط السينما إن في ذلك خوفا من ضياع الهوية والانتماء. هذا المعرض تنشيط لذاكرتنا الجميلة والحنين ودعوة لتنظيم هجمة العصرنة وتمدد المدن العشوائي الذي يأكل المساحات الخضراء في سباق ثقافة الأبراج..."

أما محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب، فقال:" لم يعد لدي شيء لأقوله بين كلمة الوزير الصحناوي المليئة بالعاطفة والتجربة الشخصية ومخزون عائلتين على الأقل من العائلات العريقة في الأشرفية وبين كلمة وزير الثقافة ريمون عريجي المليئة بالمعاني وأهمية نشاط مماثل ودوره في ترسيخ ذاكرتنا وقلها إلى الأجيال القادمة حفاظاً على ما تبقى من تراث. يهمني أن أشدد على أهمية هذا النوع من النشاطات والمبادرات الفردية والمتفرقة التي تأتي من المجتمع المدني ومن الناس ومن اهل المدينة. هم أهم من السلطة الرسمية ومبادرتهم أهم طبعاً. دورنا أن نتلقف وننسق ونشجع. وعندما تجتمع كل هذه المبادرات المتفرقة في اطار تنظيم رسمي يكتمل المشهد وتتحقق الغاية من هذه النشاطات..." الامور اليوم بخير ، وليست بألف خير لأننا خسرنا الكثير من التراث، ولكنها بخير لأنه أصبح هناك حالة وعي لهذا الموضوع ..."

لقاءات خاصة وحصرية

وزير الاتصالات السابق نقولا الصحناوي

هذا المعرض يحيي الذاكرة ويزيد القناعة ويشد الخيال لأن الأخير يسمح للإنسان أن يكون لديه عطش وشوق إلى هذه المعالم التراثية المتبقية في منطقة الأشرفية.
لقد جمعنا الصور من العائلات التي نعرفها ومن الأشخاص الذين يجمعون ويحفظون هذه الصور وحصلنا عليها. هذه الصور تظهر الأشرفية ما قبل عام 1960 وبكل مراحلها.
حديقة "مار نقولا" بحد ذاتها يجب أن تكون ملتقى لأهالي الأشرفية. وقد وعدنا المحافظ أن يخصص ميزانية لتأهيل وصيانة هذه الحديقة للمحافظة عليها. وكان هناك برنامج لتغيير الحديقة بكاملها ضمن تصميم معاصر مختلف تماماً عن بيئة المكان والمنطقة واستطعنا ان نوقف هذا المشروع بمساعدة المحافظ والمجلس البلدي. هذا المشروع كان سيشوّه الحديقة واستطعنا أن نوقفه.

وزير الثقافة السابق غابي ليّون

تعلّق الانسان بأرضه ومدينته هي صلة عاطفية ولكنها مقدسة. اذا فقدنا هذه الصلة وهذه الذاكرة نصبح منزوعي الجذور كالشجرة التي بلا جذور والتي تيبس وتموت.
من الجيد ان نتذكر الماضي وان يبقى لدينا هذا الرابط معه. أهالي الأشرفية، وأنا اعتبر نفسي واحداً منهم لأني ربيت ونشات وتعلمت فيها، اعرف جيداً تعلّقهم بهذه المنطقة وهذا الماضي. وللأسف أبناء الأشرفية نجدهم اليوم مشتتين خارجها وقلائل هم الذين بقوا فيها .. صحيح أنه على المدينة أن تتطور ولكن من دون ان تخسر أبناءها أو تستبدلهم بسكان آخرين وللأسف هذا ما حصل بعد 1970.
الأشرفية ليست منطقة منزوعة الجذور كما قلت، ولها هويته الواضحة وأحد أبرز وجوه هذه الهوية يتمثل بالتراث المعماري ، الذي ومع الأسف سياسات الحكومات المتعاقبة لم تضع مخططاً للحفاظ على التراث المعماري الذي نفقده تدريجياً. هذا الأمر عانيت منه في وزارة الثقافة ، استطعنا أن نقف بوجه العديد من المشاريع وأفشلنا الكثير من المحاولات ولكن القانون لم يكن كثيراً إلى جانبنا وقد صدرت بعض الأحكام القضائية ضدنا في محاولتنا المحافظة على التراث لمصلحة الهدم.
ضرورة المحافظة على ما تبقى من أماكن تراثية في الأشرفية ، وحديقة "مار نقولا" واحدة من هذه الأماكن التي يجب حمايتها بسبب موقعها وقِدَمها بالاضافة إلى فوائدها الصحية والبيئة فنحن بحاجة إلى كثير من الاماكن التي تعتبر متنفساً لأن المنطقة تتحول إلى غابة من "الباطون".

المخرجة والممثلة نضال الأشقر

"الفن" التقى الفنانة نضال الأشقر وسألها عن دور الفن في المحافظة على التراث، فأجابت :" الفن سياج الوطن والفنانون هم حاضر ومستقبل هذا الوطن وماضيه.

اذا نحن لم نستطع المحافظة على التراث وعلى الثقافة والتاريخ وعلى الجغرافيا فعن ماذا سنتحدث. هذا هو عملنا وهذا هو دور الثقافة أن ترسّخ كل معالم الوطن من ادب وشعر ..

وأن نلفت النظر من خلال اعمالنا المسرحية ومقابلاتنا الاعلامية إلى اهمية وضرورة المحافظة على "لبنان القديم" وان يكون لبنان الجديد يشبه تراثنا ومعالمنا وهندستنا المعمارية. وبالتالي، اكيد الفن له دائما دور بكل هذه المواضيع المهمة جداً".

لمشاهدة البوم الصور .. إضغطهنا.