تميّزت بصوتها الحنون وبأدائها الطبيعي جدّاً الذي جعلها تتألق في عالم الدراما ، إنها أنيسة كنعان والتي تحوّلت منذ نشأتها إلى سعاد كريم، فأضحت أول ممثلة لبنانية في زمن كان فيه الفن محرّماً على الفتيات ، فأسست فرقتها التمثيلية كما شاركت كبار الممثلين في الأفلام العربية .

عن رحلة عملية إنطلقت منذ أكثر من 75 عاماً ، تحدّثنا الممثلة القديرة سعاد كريم في هذا الحوار الصريح .





أعلم أنك في طفولتك كنت تقفين أمام المرآة لتمثّلي
ولا زلت حتى اليوم أقف أمام المرآة وأمثّل بمفردي ، فبما أنني لا أعمل حالياً أقف أمامها عندما أشتاق إلى التمثيل .

على الأرجح أنّ المرايا تغيّرت ، ولكن هل لا زالت سعاد هي نفسها ؟
"سعاد بعدا سعاد".

وأنيسة أين هي ؟
هي مع سعاد .

من أحببتِ أكثر أنيسة أم سعاد ؟
أكيد سعاد لأنها سنوات طويلة من الشهرة والتمثيل ، أما أنيسة فـ"عيلة وبس".






ولكن "عيلة وبس" تحمّلتِ مسؤوليتها بعد رحيل والدك الذي كان معارضاً دخولك المجال الفني ، كيف عاد وإقتنع ؟
كنت تلميذة بمدرسة "maison centrale" في اللعازارية ، وفي كل عام كانوا يختاروني كي أمثّل "تمثيلية" آخر السنة ، وفي مرّة كنت أمثّل وكانت زوجة رئيس الجمهورية إميل إدّه حينها موجودة ، لأن العمل كان برعاية جمعيتها الخيرية ، فتوجّهت السيدة إدّه إلى الأم الرئيسة وقالت لها عنّي "بدّي هالبنت عندي تمثيلية بدّي عوض الشب تمثل البنت" ، لأن حينها لم يكن هناك ممثلاث ، إذ كان الممثلون الرجال يؤدّون الأدوار النسائية ، فأجابتها الأم الرئيسة "ما بقدر لأن سعاد عندا أهلها" ، ولكن بعد مرور حوالى 4 أيام إستطاعت الأم الرئيسة أن تقنع والدي وقالت له إنها جمعية خيرية ، وأتوا وأخذوني إلى التمثيلية .






من لقبّك بـ"أمينة رزق لبنان"؟
خلال تمثيلي مع الجمعية حين كنت على المسرح صار الناس ينادونني "أمّون أّمّون" صرت أبكي ، وكان من بين الحاضرين الصحافي ألبير أبيلا فسألني عن سبب بكائي فقلت له إنهم يسخرون منّي فقال لا "إنتي خليفة أمينة رزق بلبنان" ، وكان ذلك سنة 1936 فكنت أول بنت تمثّل على خشبة المسرح وبعدها أصبحت تأتيني حفلات خيرية قبل أن أحترف وأمثّل للجميع ، وأسّست فرقة الأوبرا اللبنانية للتمثيل سنة 1939 التي إستمرت حتى سبعينيات القرن الماضي والتي بقي حياً من أفرادها لغاية اليوم الممثل محمد الكبّي .

عدا عن تلقيبك بـ"أمينة رزق لبنان" حللتِ فعلاً مكان رزق في فرقة يوسف وهبي ، كيف جرى الأمر ؟
عندما أتى يوسف وهبي إلى بيروت كان يريد أن يقوم بجولة عملية عربية ولم يحضر الممثلة أمينة رزق معه ، فإختارني أنا كي أحلّ مكانها في فرقته، فأجرينا بروفات وكل ما يلزم ، و"بساعة سمّاعة ما شفناه إلا ضبّ شنطتو" وعاد إلى مصر و"ما عدنا كفّينا الرحلة الفنية" ، ولكني عملت معه في فيلم "مولد الرسول".





شاركتِ بأعمال مصرية ، أين كنت تصوّرين تلك الأعمال ؟
كنت أزور مصر وتحديداً الإسكندرية ولكن ليس للعمل ، أنا مثّلت 54 فيلماً وصوّرتهم جميعهم هنا في لبنان ، و"ما كنت إقبل إلا ما إحكي باللهجة اللبنانية".

ما قصّتك مع الممثل صلاح تيزاني "أبو سليم" ، ماذا قال لكِ عندما كنتِ على خشبة المسرح في طرابلس ؟
كنت أمثّل في فرقة شامل ومرعي التي كانت تتألّف من محمد شامل وعبد الرحمن مرعي وسعاد كريم" عملت معهما أكثر من 50 سنة وكان حينها أبو سليم غير معروف إذ كان لا يزال يمثّل فقط في فرقة الكشّافة ، وأتى ليحضر العمل ولكنه لم يكن يملك بطاقة ، وهو لا زال يذكر هذه القصة ويقولها ، وكان هناك رياضي قد أتى ويريد المغادرة فسأله أبو سليم "ما بك؟" ، أجابه الرياضي "ما بدّي أحضرها إفتكرت رياضة ما بدّي"، فطلب منه أبو سليم أن يعطيه البطاقة فأعطاه إياها ودخل لمشاهدة الفرقة ، وعندما رآني أمثّل على خشبة المسرح قال لي "أيمتين بيصرلي أنا شي يوم مثّل معك يا سعاد كريم" ، وجاءت الظروف والتلفزيون وصرنا نمثّل معاً .





عملتِ أيضاً مع "أبو ملحم" منذ بدايته الفنية ، لماذا لم تأخذي دور "إم ملحم" ؟
عملت مع أبو ملحم في الإذاعة والمسرح والتلفزيون ، ولم أكن أحب أخذ دور ثابت مثل شخصية "أم ملحم ، كنت حبّ ضلّ غيّر" .

كنت الممثلة الأولى أيضاً عبر الإذاعات ، ما هي تلك الإذاعات ؟
كنت أول فتاة مثّلت في الإذاعة حيث كنت بطلة إذاعة الشرق الأدنى وأيضاً كتبت "تمثيليات" وقدّمتها عبر إذاعة لندن BBC وعملت في الإذاعة الفرنسية صوت باريس ، وكنت أكتب "تمثيليات" وأقوم بتمثيلها عبر الإذاعة اللبنانية منها برنامج "بيني وبينك" الذي نال شهرة واسعة .




ماذا عن قصة إحتجازك أيام الإنتداب الفرنسي ؟
في زمن فرقتي كان الإنتداب الفرنسي على وشك الرحيل ، فيقوم الكاتب الكبير مصطفى دمشقية بكتابة قصة تمثيلية عن الانتداب ، وكنت أمثلها برعاية الرؤساء بشارة الخوري ، رياض الصلح ، شكري القوتلي ورئيس وزراء السوري ، وفرقة فليفل كانت ترافقنا عزفاً على المشاهد الصامتة ، وعند الباب عزفت فرقة سورية وفرقة لبنانية من الجيش للرؤساء الذين حضروا جميعهم ، وما إن إنتهت "التمثيلية" حتى رأيت ضابطاً فرنسياً مع جنود سنغاليين أتى ليسأل عني ، فأخذوني إلى المحكمة العكسرية في شارع سامي الصلح ، وتدخّل رياض بك الصلح وأجروا إتصالات وعلموا أنه تم توقيفي بسبب "التمثيلية" وأخلي سبيلي ، وقال لي الصلح "إيّاكِ والتمثيل" فقلت له" كل شيء إلا حفلة الجيش لا أستغني عنها وكل سنة أريد أن أقدّمها على حسابي" ، فرد قائلاً " يا بنتي الفن بيغرّق ما بيعوّم" ، قلت له "خلص وحياتك ما بقى اتعاطى بالسياسة بس حفلة الجيش بدّي كل سنة أقدمها" وإستمريت في تقديمها سنوياً .



إضافة إلى ما ذكرتِ ، الرئيس رياض الصلح كان يدعمك في بيع البطاقات ، كيف كان يتم ذلك ؟
عندما كنت أقيم عملاً مسرحياً لم يكن رئيسا مجلس الورزاء السابقين رياض وسامي الصلح والوزير السابق موريس الجميّل يقبلون بأن أبيع بنفسي البطاقات وكانوا يطلبون منّي أن أرسلها إلى المكتب حيث يوزّعونها هم ، وكانوا يقولون لي"ما بدنا نتعبك" وتكون الحفلة برعايتهم .

يعني أنّ الدولة كانت تدعمك حينها ؟
"لا ما خصّ الدولة هول شخصياً ، بس يدعموني شخصيا" وليس كدولة "الضرايب إدفعا وكل شي إدفعو".

ماذا عن نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون ؟
أنا من مؤسسي النقابة سنة 1939 كان كريدية والعويني وأبو سليم وكنا في مرحلة تأسيسها وبعدها أصبح لدي أعمال فما عدت إهتميت كثيراً ، ولكن فيما بعد "مشي الحال" ، ولا زلت لغاية الآن في النقابة .





هل تساعدك النقابة اليوم؟
حين مرضت ساعدني كثيراً أبو سليم والنقابة والنقيب جان قسيس ، أدخلوني إلى مستشفى رفيق الحريري وتواسطوا مع الوزير "ما دفّعوني ولا قرش" ، علاجي كلّف الملايين حيث بقيت 11 يوماً تحت المراقبة ، وكان وزير الصحة حينها محمد جواد خليفة الذي دعمني كثيراً "ضهرت بشنطتي ما دفعت قرش"أبو سليم بيّ الفنانين ، كتير خدوم".
وهنا تدخّلت أنطوانيت شقيقة سعاد فقالت : كان أبو سليم كل يوم يزور سعاد في المستشفى ليطمئن على صحّتها ويقول لي "ما تعتلي هم بس تضهر ما بتدفعي شي عالصندوق" ، وعندما وصلت إلى صندوق المحاسبة لأدفع "عالفاتورة لا شيء" وهذا أمر لا أنساه ، "أبو سليم ما في منّو ما في متلو" ، تخيّل أنا غريبة رافقت أختي في سيّارة الإسعاف وعندما ذهب ليجلب لي "سندويش" ومن ثم عاد ليوصلني إلى المنزل "مين بيعملا؟ غير شي عن الكل" .




ماذا تتابعين من مسلسلات اليوم ؟
أشاهد كل المسلسلات ، فالمسلسل الذي يعجني أستمر بمتابعته والذي لا يعجبني "بغيّر".

ما رأيك بنصوص الدراما حالياً ؟
"بصراحة كتّاب متل الأوّل ما في" ، تعجبني كثيراً كتابة كلوديا مارشليان ومنى طايع حيث أتابع كل حلقات مسلسلاتهما .

ماذا يلفتك في كتاباتهما ؟
"إنو في شي" ، يعني تجلس أمام شاشة التلفزيون وتظل جالساً كي تعرف ماذا سيحصل "مش متل شي تافه ما بيهمّك الأمر ، يعني بيشوقك" ، كما تعجبني الأعمال التي ينتجها ويخرجها إيلي سمير معلوف ، وتعجبني كثيراً كتابة طوني شمعون .




من من الممثلين يعجبك أداؤه ؟
من الجيل الوسط تلفتني كثيراً رولا حمادة ، ومن الجيل القديم وفاء طربيه وليلى حكيم "دايماً أنا ويّاها" .

كيف أصبحت صحّتها ؟
أصبحت بصحّة أفضل ، هي حالياً خارج لبنان حيث تزور إبنها وتعود بعد أيام .

وعلى صعيد ممثلات الجيل الجديد من يلفتك ؟
باميلا الكك وسيرين عبد النور .

في الماضي كنتم تتكلون على الموهبة فقط ؟
نعم لم يكن هناك حينها دراسة ولا شيء ، كل واحد بموهبته كان يخضع لإمتحان في التلفزيون أو الاذاعة وإذا نجح يبقى وإذا لم ينجح لا يبقى .





هناك اليوم من يدرس ولا يظهر ومن لا يدرس ويظهر
إذا درسوا ولا يتمتعون بموهبة "ما بيطلع منّن شي" واذا كان هناك موهبة ولو لم يدرسوا "بيطلع منّن شي" ، الأصل الموهبة ، "الموهبة يللي بتدعم ويللي بتبيّن".


بعد رحلتك العملية الطويلة ماذا قدّمت لك الدولة ؟
"قدّيه عطيت الشعب وعطيت الدولة ، الدولة ما عطتني شي".


ولكنك كرّمتِ عدة مرّات ؟
لا ،لم أكرّم ولا مرّة على صعيد رسمي ، منذ فترة كرّمني "روّاد الشرق" برعاية وزير الثقافة غابي ليون الذي حضر ولكنه ليس تكريماً رسمياً .






ولكن الشعب كرّمك ؟
"لولا الشعب ما منسوى شي" الشعب هو من يعزّينا ويبقينا غير آسفين على ما قدّمنا "قدّ ما بحبنا ، ما بقدر إمشي عالطريق من الشعب".

يعني الجيل الماضي كلّه لا زال يذكر سعاد كريم ولا ينساها ؟
لا ينسونني ، حتى أنّ الجيل الجديد الذي يتابع إعادة برنامج "الدنيا هيك" بنسخته القديمة يقدّرني ، أبناء الجيل القديم يقولون لي "إنتو ما في منكن خلص إيّامكن غير إيّام".

وبالنسبة لـ"الدنيا هيك" في نسخته الأخيرة ؟
كلا لم أشارك فيه و"منيح يللي ما شاركت"، في العمل القديم كنت والدة "علّوش" وزوجة "الدروندي" .

لماذا ؟
"لأنّو حرام ، بدّك تحط الجديد أمام العتيق حرام".



يعني كان من المفروض أن يأتوا بك لتشاركي في النسخة الجديدة ، هل تابعته ؟
نعم تابعته ولكنني لم أحبّذه ، "لمّا إتطلع نكرز منّو" لأن هناك فرقاً بين القديم والجديد ، وما لم أحبه هو أنه ليس هناك تركيز على الشخصيات ، "ما حبّيت كلام هيك ما في معنى" ، الكاتب الراحل محمد شامل "كل كلمة بالدنيا هيك لها معنى يكتبا ويحكيا" ، أما في النسخة الجديدة فلا معنى ولا شيء يعني بدون أساس .


كلمة أخيرة ؟
"الله يخلليلنا" النقيب جان قسيس وأبو سليم وميشال تابت أعزّهم وأقدّرهم ، وأشكر الشعب اللبناني الذي لولاه ما من فنان عنده أمل و"عايش وفرحان".