"عبد الحليم حافظ يغني المهرجانات"، "عمرو دياب يغني كاظم الساهر"، "تريو يجمع نانسي عجرم وإليسا وشيرين عبد الوهاب"، عناوين تمكنت بالفترة الأخيرة من جذب إهتمام الجمهور وأثارت فضوله، فيديوهات نالت نسب مشاهدة عالية وتصدرت الترند، فرضت نفسها على المتابعين دون الوعي للفائدة التي تقدمها أو النفع منها.


وبخطوة وقحة، إنتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي، مقطع فيديو للفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ، وقد قدم بصوته المعدل عبر تقنيات الذكاء الإصطناعي، أغنية مهرجانات، ذات كلمات رديئة وأسلوب متدني.
هذا الفيديو أثار غضب الجمهور وإستفزهم، كما إستفز عائلة الفنان الراحل، ودفع بإبن شقيق عبد الحليم حافظ، محمد شبانة للتعبير عن إستيائه بمقطع فيديو، هدد من خلاله باللجوء إلى القضاء في حال تكرار الأمر، وقال: "أنا سمعتها وده مش صوت عبد الحليم، وهو علشان مستغل اسمه وصورته، وأنا هاخذ الإجراءات الفانونية بعد العيد إن شاء الله. لو سمعته من غير اسمه وصورته كأنه مش عبد الحليم، وبس عشان حاطط الصورة والاسم بيخيل الناس إنه عبد الحليم علشان يحقق شهرة، وطبعًا دي إساءة، وهناخد الإجراءات القانونية اللازمة الرادعة".
عمل عبد الحليم حافظ طوال حياته على إسمه وتاريخه الفني القيّم، تعب حتى تمكن أن يظل حتى تاريخنا هذا، بهذا النجاح، وهذه الأهمية، إنتقى كلمات أغنياته بتأني، وبذل مجهوداً كبيراً، ونرى أن حتى الجيل الجديد يعرف أغنياته ويسمعه، كيف لهؤلاء الأطفال، أن يحاولوا إقران إسمه وتاريخه بكلمات متدنية، لا تنفع بأي شيء سوى دفع الناس للسخرية من هذا الدمج السخيف، فكيف يمكن لهذا الأمر أن يقدم لنا إفادة.
وحتى في حالات إختراع مزيج غنائي بين فنانات، على أنغام أغنية جميلة، كما هو الحال عندما ظهر فيديو يجمع الفنانات الثلاث إليسا ونانسي عجرم وشيرين عبد الوهاب، بتريو غنائي لأغنية "مشاعر"، التي كانت بالأساس لشيرين عبد الوهاب، فنحن هنا لا نسمع أصوات الفنانات الحقيقية، بكامل جوهرها وتألقها، بل معدلة بتقنيات يمكن أن تكون جاحفة بحق أصوت الفنانات الحقيقية، كما أنه لم يتبين حتى الآن أي فائدة لهذه المقاطع سوى الكسب السريع للمشاهدات.
تزامناً مع هذا الأمر، فاجأ الفنان والملحن المصري عمرو مصطفى الجمهور، وكشف عن عمل فني يحضر له، من كلماته وألحانه، وقد إستخدم تقنيات الذكاء الإصطناعي لوضع صوت كوكب الشرق أم كلثوم على الأغنية، بخطوة إعتبرها البعض غير محقة وإستغلالية.
أم كلثوم ليست مجرد فنانة، هذه المرأة عظيمة في تاريخ الفن المصري، ولا أعتقد أن النجاح الهائل الذي حققته، والشهرة الكبيرة التي حصدتها، ووجودها المستمر في ذاكرة الجمهور، وصلت إليها من دون بذل مجهود كبير في إنتقاء كلمات وألحان أغنياتها.
عمرو مصطفى لم يحاول حتى أخذ رأي عائلة أم كلثوم، قبل أن يستغل صوت كوكب الشرق في أغنية، من المؤكد أنها حتى لو لم تعجب الجمهور، إلا أنها ستثير فضولهم لسماعها، وبالتالي ستعود الأغنية على عمرو مصطفى بربح مادي كبير، لن يستفيد منه أحد غيره، مع أن جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين تحتم أن يكون المردود المادي مقسماً بين الملحن، الشاعر، والفنان، والذي في هذه الحالة لم يتم حتى سؤاله قبل الإستفادة من صوته، ونقصد هنا طبعاً ورثة أم كلثوم.
علاوة على ذلك، فإن أم كلثوم تستحق أن تظل في بال الجمهور بالصورة التي طبعتها، وبالفن الذي إختارته، فزج صوتها في أغنية جديدة ليس أمراً محقاً، نذكر أن عمرو مصطفى تراجع لاحقاً عن هذه الخطوة، معتبراً أن هذا الأمر ليس من حقه.
إختفلت الأمثلة، ولكن الهدف من المقال واحد، لم نتمكن حتى الآن من تحديد الهدف المفيد والإضافة الفنية التي يمكن أن تضيفها هذه التقنيات للفن والفنانين سوى دفع الجمهور للإستهزاء والسخرية من الفنانين من دون إحترام لتاريخهم وفنهم الطويل، بإنتظار التعرف على الطريق الجديد الذي ستأخذنا إليه تقنيات الذكاء الإصطناعي، وتأثيرها على حياتنا بكل أجزاءها.