تشكل الأعمال الدرامية التي تعود بنا إلى حقبات تاريخية مادة مثيرة للجدل، حول مدى مصداقيتها في معالجة وطرح الاحداث واحيائها من جديد مع مكملات واكسسوارات المقتضى الدرامي ونقصد إضافة القليل من التشويق لضرورات درامية وتجارية في الوقت ذاته.



"الزند – ذئب العاصي" عمل ملحمي ان صح التعبير يعود بنا إلى حقبة الحكم العثماني في سوريا ولبنان حيث يجسد فيه دور البطولة النجم السوري تيم حسن.
هذا العمل المتكامل تمكن وخلال الشهر الفضيل ان يتربع على قائمة الاعمال الأكثر مشاهدة في الوطن العربي للكثير من العوامل منها ما يتعلق بالمعالجة والإخراج والنص الذي كتبه بصدق كبير عمر أبو سعدة، ومنها ما يتعلق بالبطل تيم حسن بدور "عاصي" الذي خلع من خلاله جلباب هيبة الجبل الذي رافقته لسنوات.

انتاج ضخم للغاية قل نظيره في الإنتاج الدرامي العربي خلال الآونة الاخيرة، اضاء على حقبة الحكم العثماني وتغطرسه وتواطئ بعض الباشاوات معه وممارستهم أسوأ أنواع الظلم والقهر والذل بحق الفلاحين وسرقة أراضيهم بغطاء عثماني واعدامهم والتنكيل بجثثهم.
مقابل هذا المشهد القاتم تنبثق شخصية "عاصي" البطل الذي يحمل لواء المقاومة والدفاع عن الأرض لا يهاب الا ربه ولا يحني رأسه وان احنت الخيانة والطعنات ظهره. عاصي الذي خدم في الجيش العثماني يعود إلى موطنه ليحرره من نير العبودية من ظلم الباشا الفاسد والعسكر العثماني، يفاوض يناور يسرق مصرفا عثمانيا كل ذلك كي يرفع الحصار عن مناطق مهمشة وحقوق مهدورة لم تنل حقها في اعمال درامية مشابهة.
قد يجد البعض مبالغة في جمع مواصفات البطل الخارق الذي لا يهزم ولا يعرف الاستسلام في شخصية "عاصي"، لربما كان ذلك صحيحا في مقاربة مع الواقع اليوم نظرا إلى كثرة الاستعراضات البطولية الواهمة، انما في تلك الحقبات التاريخية البطولات لم تكن واهمة، كانت حقيقية إلى ابعد الحدود لدحر الاحتلال والتنعم بالاستقلال والحرية.
تيم حسن البارع الذي اتقن الدور إلى ابعد الحدود، درس الشخصية حتى العظم قدمها بطريقة محترفة ولا نعتقد ان احدا كان ليتمكن من تقمص الدور إلى هذا الحد من الاحتراف والابداع وخصوصا في اللكنة المحكية آنذاك والتي تعتبر جدا صعبة ليتمكن الممثل من اجادتها. وهنا لا بد من الإشادة بتأثير اللوك الذي يتركه تيم حسن في متابعيه في كل الاعمال التي يقدمها. فقد تحول شاربه إلى ترند في سوريا، حيث شهدت صالونات الحلاقة الرجالية اقبالا على تخطيط شارب مماثل لشارب "عاصي". وهذا ان دل على شيء، فعلى مدى تأثيره في المشاهد وقدرته على استقطاب هذه الجماهيرية الكبيرة على امتداد الوطن العربي.

الممثلة دانا مارديني، هي الأخرى قدمت دورا مميزا حيث جسدت دور المرأة السورية المثقفة الحرة العاملة والكادحة في تلك الحقبة، التي تقرر الانخراط في صفوف المقاومين بعد اعدام والدها داخل السجن العثماني. تمثل دانا بكثير من الطبيعية والهدوء الصاخب بعيدا من التكلف وإبراز العضلات. نظرات وحركات ايمائية اجادتها في خدمة الدور.

ومن الوجوه البارزة في العمل دور الممثل السوري أنس طيارة الذي يجسد دور الباشا "نورس" الطامع الجزار الظالم الذي لا يوفر سبيلا لقهر الفلاحين وممارسة بطشه واستبداده وديكتاتوريته. طيارة يجسد الدور بقسوة واحتراف كبير بشهادة كل من يتابع العمل، فقد عمل جاهدا على ترجمة كل خبراته السابقة وتوظيفها في خدمة الدور من خلال لغة جسده ونظراته وانفعالاته حتى بإمكاننا القول انه سيشكل له منعطفا جديدا في مسيرته المهنية.

هذا العمل الضخم الذي أعاد للدراما السورية مكانتها على خارطة الاعمال الرمضانية ابدع فيه المخرج سامر البرقاوي في تصوير وتجسيد فكر الملحمة التاريخية، حيث اعتمد وفي كثير من المشاهد على الألوان الداكنة في تصوير الطبيعة والقرى والشخصيات وهنا لا بد من الإضاءة على مدير التصوير البولندي زبيجنيف ريبشنسكي، الذي يعتبر وبحق قيمة مضافة في اثراء الاعمال الدرامية العربية التي يشارك فيها.
اذا العمل متكامل لا بل يشكل علامة فارقة في الدراما السورية والعربية، يعيد العز والمجد لهذا النوع من الدراما التي تحتاج جهودا جبارة في انتاجها وتقديمها على هذا النحو من الضخامة التي تنافس اعمالا درامية عالمية.