بعد غياب دام لسنوات، عاد المخرج المبدع برونو جعارة صاحب التجربة الفرنكوفونية الغنية، وأخرج عملين على مسرح مونو، مسرحية "Le Traineau du Pere Noel" في شهر تشرين الثاني الماضي، ومسرحية "رايحين جايين"، المقتبس نصها من مسرحية Boeing Boeing للكاتب الفرنسي مارك كاموليتي.
أتقن جعارة لعبة الفودفيل، والمسرحيات التي قدمها سابقاً تشهد على موهبته.

قصة المسرحية

تحكي المسرحية قصة مهندس معماري يعيش مع خطيباته الثلاث، وجميعهن مضيفات طيران، ومن جنسيات مختلفة، فرنسية وألمانية وأميركية، ولا يعلمنَ بوجود بعضهنّ البعض. وداد، الخادمة هي التي تساعد برنار في إدارة شؤون البيت، وإستقبال الحبيبات بأوقات مختلفة. وبعد وصول روبير إلى بيت صديقه برنار، بتوقيت غير متوقع، تبدأ المفاجآت.

إيقاع المسرحية

تلعب جوزيان بولس دور الخادمة وداد، ورودريغ سليمان دور برنار، والمضيفات هنّ سارة عطا الله، كاتي يونس وناي أبو فياض. أما الصديق روبير، فيلعب دوره سني عبد الباقي. إيقاع المسرحية سريع، ونجحت الحبكة الكوميدية بحبس الأنفاس، وبإدخال عنصر المفاجأة المتكرر، مع حركات جسد أسرت الحواس. تميز الديكور بخمسة أبواب خلقت ديناميكية، وعنصر مفاجآة عند دخول أو خروج إحدى الشخصيات. حوالى الساعة ونصف الساعة من الضحك المتواصل أبعدت الجمهور عن الأجواء القاتمة، وأدخلت الفرح إلى قلبه.

أداء الممثلين

أداء الممثلين والممثلات كان رائعاً. جوزيان بولس أتقنت دور الخادمة بعفوية وحرفية. رودريغ سليمان أدى دور برنار بقدرات تمثيلية متفوقة، والمضيفات الثلاث كنّ متميزات، وأداؤهن لافت، أما سني عبد الباقي فكان لولب الحركة على المسرح، لما يتمتع به من خفة ورشاقة، بالإضافة إلى موهبة التمثيل.
موقع "الفن" إلتقى فريق عمل مسرحية "رايحين جايين".

برونو جعارة

ما الذي شجّع المخرج برونو جعارة على إستئناف نشاطه المسرحي بعد غياب عن الساحة الفنية؟

ليس تشجيعاً، بقدر ما هي ظروف تسمح للقيام بعمل ما. معرفتي بجوزيان بولس تعود إلى زمن بعيد، ومنذ تسلمت هي إدارة مسرح مونو، كنا نتواصل من أجل عمل من كتابها Cartons Rouges، وعندما تأكدنا أن إنجازه سيتأخر، عرضت عليّ مسرحية "Le Traineau du Pere Noel"، التي عرضت في كانون الأول الماضي، وخلال لقاءاتنا أطلعتها، على نيتي ورغبتي بتقديم المسرحية الشهيرة Boeing Boeing للكاتب الفرنسي مارك كاموليتي، فرحبت بالفكرة، وأدت الظروف إلى التحضير للعمل على المسرحية، وطلبت منها بإلحاح أن تشارك بالتمثيل.

ما هي العناصر التي تسمح بالإقتباس من مسرحية قديمة؟

لا يوجد قديم وجديد، والعمل يقارب موضوع الخيانة الموجودة منذ مئات آلاف السنوات، ولن تزول. وأنا حدّثت النص كي يلائم العصر الحالي، على سبيل المثال الهاتف الخلوي، وبعض العبارات الرائجة حالياً، منها "Bro" كي لا يشعر الجمهور أن النص بعيد عن الواقع، وللإقتباس تعاونت مع شبان وشابات للبحث عن العبارات الملائمة، وحرصت على أن يكون الإقتباس من بيئة البلد، كي يشعر المشاهدون أن النص ينتمي إلى بيئتهم، وليس مُنزلاً بشكل مصطنع.

إلى أي مدى يخلق المسرح مساحة للفرح في ظل الظروف الصعبة؟

كل عمل يساهم بالفرح ويغني الفكر، سواء كان قراءة كتاب، أو قصيدة، أو مشاهدة فيلم سينما، أو حضور مسرحية، أو معرض رسم، أو زيارة متحف. الفن لا يموت أثناء الكوارث، ولا خلال الحروب أو الظروف الصعبة، الفن هو متنفس للإنسان، ويزوده بالطاقة، وكم بالحري مسرحية كوميدية، والناس بحاجة لها، لاسيما أننا نعرف أن مجرد إطلاعنا على الأخبار عبر أي وسيلة إعلامية، يُظهر أن وضع البلد لا يشجع، ولا يدعو إلى التفاؤل، لذا أقله أن نفتح فسحة أمل خلال ساعة وعشرين دقيقة، لكي يفرح الناس، وينسوا همومهم. المسرحية ليست مُدعية، بل هي بسيطة، وتحكي عن مشاعر إنسانية شاملة، ممكن أن تخص أي مجتمع، أو شعب، أو بيئة، وأي زمان ومكان، لذا هي تُحرك مشاعر كل شخص بطريقة أو بأخرى. إعتمدنا النهاية السعيدة، ولم يكن الهدف منها تشجيع الشباب على العلاقات المتعددة، لكن المواقف المحرجة التي تعرض لها البطل، والتي أدت إلى تورطه، تدفعنا للتعاطف معه لكي يتخطاها، بعد أن صار مهزلة أمام صديقه والخادمة، وأمام نفسه أيضاً.

جوزيان بولس

تمثيلكِ وحضوركِ رائعان، كيف تقيّمين مشاركتكِ في هذه المسرحية؟

عندما قرأت النص، صارحت المخرج برونو جعارة، وقلت له، بكل تواضع، إن دور الخادمة لا يليق بممثلة لديها خبرتي، واقترحت أن أضيف على الدور نكهة مميزة، وبعد التشاور مع المخرج، أضفنا فكرة غرام وداد بـ روبير صديق برنار، ومغازلته، كذلك تم تعديل شخصية وداد، لتصبح تصرفاتها وطباعها هستيرية، وتريد السيطرة على الوضع في المنزل. مشاركتي في هذه المسرحية رائعة وممتعة، من الصعب نسيانها.

شاركتِ بالتمثيل، مع العلم أنك مديرة مسرح مونو، كيف تمكنتِ من التوفيق بين المهمتين؟

الإجابة على هذا السؤال بسيطة، وهي أنني لست متزوجة، وأستطيع أن أعمل في أي وقت. التدريبات أنجزت خلال ٢١ يوماً، والأمر الإيجابي هو أنني كنت أتابع عملي، وأشارك بالتدريبات في نفس المكان، أي مسرح مونو. لكن الضغط كان كبيراً، وأشعر حالياً بالتعب، وأنا أؤمن بأن الحياة يجب أن نحياها بكل لحظة.

الأعمال المسرحية لم تتوقف في مسرح مونو، بالرغم من الأوضاع الصعبة، وكأنكِ تتحدين الواقع وتقولين لن أستسلم.

أعتبر الثقافة المتراس الأخير في مواجهة الظلمة والظلم، لن نستسلم، لأن العمل المسرحي من الفنون المهمة، التي تمنح الناس قوة، وتدعوهم إلى إعادة النظر، والنقاش مع من شاركوهم العرض، فيشعرون بالفرح وبالحزن، وبأحاسيس مهمة.

كيف تفاعل الحضور مع المسرحية؟

كنا نسترق النظر من وراء الكواليس، ونرى وجوهاً كئيبة وحزينة لحظة دخولهم إلى المسرح، بسبب الأوضاع التي نعاني منها، ولحظة خروجهم، نلاحظ البسمة على وجوههم، وعيونهم تعبر عن الفرح. هذه الأحاسيس التي يعطيها الممثل للجمهور مهمة جداً، وإذا كنا قادرين على تبديل مزاج الناس وحالتهم النفسية، نكون قد قدمنا الكثير.

ذكر برونو جعارة عملاً قيد التحضير من كتابكِ Cartons Rouges، هل تطلعينا على مضمونه؟

إتصل بي برونو عام ٢٠٠٦، بعد قراء ة كتابي Cartons Rouges، وتناقشنا حول إمكانية تحضير مسرحية، لكن الحرب إندلعت حينها في شهر تموز. منذ ستة أو سبعة أشهر إجتمعنا لإعادة النظر في إقتباس من الكتاب، الذي هو عبارة عن مقالات نشرت في مجلة Femme Magazine الصادرة باللغة الفرنسية، ووجدت أنه يمكن أن أستوحي منه مسرحية، ربما نقدمها للجمهور بعد سنة، إذا سمح الوقت.

رودريغ سليمان


هل توقعت هذا النجاح الكبير للمسرحية في ظل الظروف الحالية؟

لم أتوقع أبداً هذا النجاح، فقد كان تفاعل الجمهور كبيراً مع العمل، وعندما بدأنا بالتمارين، كان الوضع سيئاً جداً، ومع بداية العروض، إزداد الوضع سوءاً، وتبين مع الحضور الكثيف إلى المسرح، أن الناس بحاجة إلى الضحك، وإلى متنفس لكي ينسوا الوضع، ويمضوا وقتاً ممتعاً. شعر الجمهور بالفرح، وعبروا لنا عن ذلك، وتمنوا علينا أن نقدم أعمالاً كوميدية أخرى.

ما مدى أهمية مشاركتك بعمل يفرح الناس؟

عندما يتحول العمل الفني إلى مجرد فرصة للعمل، يفقد تلقائياً عنصر الشغف الأساسي لمهنتي، وما أقوم به هو من أجل مسيرتي الفنية، وليس فقط من أجل الجمهور، بل لأكون سعيداً والناس سعداء، وهو أمر جميل أن نتشارك الفرح مع بعضنا البعض.

بين العمل في السينما والتلفزيون والمسرح، ماذا تفضل بالأكثر؟

لا فرق بالنسبة لي، فأنا أمثل في السينما والتلفزيون والمسرح بنفس الإحساس، والأهم أن أتقن الدور، وأعطي الشخصية حقها. الفارق الوحيد هو تفاعل الناس المباشر على المسرح، وردود فعلهم، وميزة المسرح أن الممثل يأخذ طاقة من الحضور، ليعطي بشكل أفضل، وهذه الميزة ليست متوفرة في السينما والتلفزيون، ولكني أعتبر السينما والتلفزيون والمسرح مكملة لبعضها البعض.

سني عبد الباقي


أنت دينامو المسرحية، ما السرّ؟

بدأت بالتمثيل منذ 15 عاماً، ومعظم أعمالي كانت في المسرح. وأعمالي السابقة كانت أعمالاً ناجحة، والنجاح الأكبر هو بمسرحية "رايحين جايين".

هل نجاح المسرحية ممكن أن يدفعك إلى إتخاذ قرار التفرد بالتمثيل المسرحي؟

نجاح المسرحية لا يدعوني إلى اختيار المسرح حصرياً، ولو أن خلفيتي بدأت في المسرح، لكنني أحب التمثيل أمام الكاميرا، وقد شاركت في أعمال سينمائية، ويبقى للعمل في التلفزيون والسينما حسنات غير موجودة في المسرح، والعكس صحيح.

الكاتب والممثل جورج خباز أبدى إعجابه بالمسرحية وبالممثلين، وهنأكم فرداً فرداً، ما تعليقك؟

حضر الفنان جورج خباز وغيره من المشاهير، منهم لينا أبيض ودارين شمس الدين وكميل سلامة وأسد فولادكار ورانيا مروة وزلفا شلحوت، وشكرهم وتشجيعهم لنا يفرحانا، وبذلك نتأكد أن ما نقوم به جيد، لاسيما أن العمل في المسرحية لم يكن سهلاً أبداً، لأن الكوميديا تتطلب مثل التراجيديا، بناء الشخصية، والعمل على القصة، وعلى نمط العمل، وكلها أمور تتطلب جهداً.