دوما بلدة لبنانية عريقة من قرى قضاء البترون، في محافظة الشمال، تقع في أعالي قضاء البترون، وترتفع حوالى ١٠٠٠م عن سطح البحر، وهي محاطة من جوانبها الثلاثة بالقمم والأودية، وتتميز بالقرميد الأحمر الذي يزين سطوح منازلها. في دوما سوق عتيق، ومسرح، وسينما، ومكتبة عامة، ودوائر حكومية، ومقاهي وفنادق، وهي تستقطب الزائرين من مختلف المناطق اللبنانية، والسياح الأجانب.


تاريخها

تبعد دوما عن مدينة جبيل حوالى ٧٥ كلم، وتنتشر فيها أشجار التفاح والكرز والزيتون، وتتميز بإنتاج زيت الزيتون. نشأت دوما في بداية إستعمار الرومان للمنطقة، حيث أنشأ أحد رجالاتها قصراً فخماً. أنشأت فيها أول صيدلية عام ١٨٦٧، وبلديتها هي ثالث بلدية لبنانية. إشتهرت بصناعة الأسلحة، والحدادة، وإستخرج الحديد من جبلي دوما وترتج.

تسميتها

إختلفت التفسيرات حول معنى كلمة دوما، البعض قال إن أصلها فينيقي من إله الصحة دومينوس، كما قيل إن أصل التسمية إغريقي، وتعني القصر أو القلعة. وقيل إنها نسبة إلى جوليا دومنا، وهي ابنة كاهن إله الشمس في حمص، تزوجها القيصر الروماني، وبنى لها قصراً فخماً في البلدة.

البيوت التراثية

تتميز منازل دوما بفنها المعماري، الذي هو مزيج من اليونانية والتوسكانية، واللبنانية المتأثرة بالطابع الذي أدخله الأمير فخر الدين. ويمتاز البناء التراثي بالقناطر، والمندلون، والنوافذ الكبيرة والعالية، والزخرفات حيث الشرفات والمساحات الشاسعة داخل الغرف، وقد يتألف المنزل من طابق أو طابقين. وتتميز أيضاً بالحجر الطبيعي، والقرميد الأحمر. ولبناء بيوتهم الجميلة، إستعان أهالي دوما بمتخصصين في بناء البيت ذي البهو الوسطي، من قريتي الشوير والخنشارة، الواقعتين في قضاء المتن الشمالي.
تشكل بيوت دوما التراثية 68% من النسيج العمراني، منها البيت التقليدي، وهو بناء مستطيل ذو سطح من الخشب والتراب الذي يحدل في فصل الشتاء، والبيت ذو البهو الوسطي، وتتوسط واجهته الرئيسية ثلاث قناطر من الحجر المقصوب، يتزين سطحه غالباً بالقرميد الأحمر، وهو الأكثر إنتشاراً في بلدة دوما.

السوق العتيق

سوق دوما كان ركيزة الإزدهار الإقتصادي، وتعود نشأته إلى أواخر القرن الثامن عشر، حيث كان يضم منازل الحرفيين ومحلاتهم. نشأت في السوق القديم محلات للحياكة، ولصناعة الحرير، وغزل القطن، والألبسة، وصناعة العرق، والصابون وراحة الحلقوم، والبوظة التي اشتهرت بها دوما ولا تزال. ومن الحرف المعروفة آنذاك، صناعة الأسلحة والحفر عليها، وأخرى بقيت حتى اليوم، وهي النجارة، والحفر على الخشب، وصناعة الموبيليا.


مسرح وسينما

لم يلعب السوق في دوما دوراً إقتصادياً فحسب، بل كان له أيضاً دور إداري وثقافي وترفيهي، إذ ضمّ إضافة إلى سوق الحدادين، سوقاً للنجارين، ومسرحاً تأسس عام 1895 واستمر حتى عام ١٩٧٥، ونهبت محتوياته إثر الحرب اللبنانية. كما يضمّ السوق داراً للسينما، ومكتبة عامة منذ الثلاثينيات، وصيدلية منذ العام 1860. كما انتشرت في السوق أماكن للتسلية، منها المقاهي، والفنادق الصغيرة التي تعج بالرواد، واختلطت في السوق الطبقات والحضارات، وبذلك أصبحت دوما حلقة وصل تجارية بين المدن الساحلية والداخل السوري.


المنفى الأبعد

عام 1900 تم وصل دوما وبلاد البترون العليا ببلدة أميون، عبر طريق للعربات، يمتد على طول 30 كلم، وذلك بتمويل من المجلس البلدي، وقد افتتح هذا الطريق قنصل روسيا العام في بيروت. وفي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، نفت فرنسا إلى دوما، شخصيات سورية ولبنانية كبيرة، منها عمر حسن بيهم، فارس الخوري، سليم علي سلام، ميشال زكور، أديب الصفدي، فوزي الغزي، سعد الله الجابري وحسني البازي. فهي كانت المنفى الأمثل، وذلك لبعدها عن المركز السياسي والإداري للبلد، وبسبب الوجود الكثيف لأجهزة الدولة فيها.

ترميم السوق

وقّع صندوق قطر للتنمية وجمعية "بترونيات"، إتفاقية لترميم السوق القديم في دوما، بقيمة مليون دولار أميركي، بحضور سفير دولة قطر في لبنان حينها محمد حسن جابر الجابر، والسيدة شانتال عون باسيل رئيسة الجمعية. وتشمل أعمال الترميم، إعادة تأهيل واجهات السوق، وتحسين البنية التحتية، بالإضافة إلى تطوير المرافق الخاصة والعامة. ويلعب السوق دوراً مهماً، كونه يمثل ثقلاً إقتصادياً للبلدة، ومعلماً تراثياً وسياحياً مهماً. وتساهم هذه المشاريع، في إنعاش الإقتصاد والسياحة، وخلق فرص عمل جديدة.

معالمها

تنتشر في البلدة العديد من الآثار والمعالم، منها ناووس روماني، ومعبد إله الصحة اسكلابيوس الروماني، الذي أصبح كنيسة مار ضومط، والعديد من الأبنية الوثنية القديمة، التي تحولت إلى كنائس، منها كنيسة مار نهرا، وكنيسة مار شليطا وكنيسة مار فوقا.