تكثر الأعمال الدرامية في شهر رمضان المبارك، لدرجة أنه لا يمكننا أن نشاهدها جميعها في الشهر المذكور، لكن بفضل منصة "شاهد"، يمكننا لاحقاً مشاهدة المسلسلات، التي لم نستطع مشاهدتها في ذلك الوقت.


"بين السما والأرض" رائعة نجيب محفوظ، التي تحولت إلى مسلسل عرض في شهر رمضان عام 2021، قصة تحكي عن خلاف جهة ما مع أستاذ جامعي، فتقرر أن تقتله، وتعطّل مصعد المبنى الذي كان متوجهاً لتلبية دعوة عشاء فيه، وتضع قنبلة في المبنى.
الصدفة تجمع مجموعة من الأشخاص من المصعد، من بينهم من لديهم قصة مرتبطة مع بعضهم البعض، ومنهم من لديهم قصص منفردة، وفي وقت احتجازهم في المصعد، يسترجعون كل قصص حياتهم.

وبعد مرور وقت طويل على وجودهم في المصعد، يصحو ضمير كل واحد منهم، لناحية الخطأ الذي ارتكبه في حياته، فالأستاذ الجامعي حميد سراج الدين، الذي يجسد دوره الممثل هاني سلامة، يصحو ضميره لأنه باع أسئلة الإمتحان لأحد تلامذته، بعد أن كان يبشر الأستاذ بالسلام والإصلاح والإنسانية.
إشارة إلى أن الممثلة درة، تجسد دور علا، زوجة هاني سلامة في العمل، ولكنها لا تكون موجودة مع باقي الممثلين في المصعد.
وبالعودة إلى الأشخاص العالقين في المصعد، شاكر، الذي يجسد دوره الممثل أحمد بدير، فهو صاحب مكتبة، ويحب الثقافة والملحن الراحل بليغ حمدي، إلى درجة أنه أسمى ابنه بليغ، ويرفض بيع المكتبة، حتى يأتي يوم ويغش ابنه بالأوراق، ويجعله يوقع على بيع المكتبة.
أما الممثلة المشهورة فاتن، التي تجسد دورها الممثلة سوسن بدر، فتبوح بأنانيتها وانفرادها بالنجومية، في حين أن الممثلة ريهام سعيد، التي تجسد دورها الممثلة نجلاء بدر، تأخذ أدواراً تمثيلية في أفلام مهمة، وتتزوج المنتج الذي كان مغرماً بفاتن، والذي كان سيخلص فاتن من وحدتها وعزلتها.
هنا تعترف فاتن، بأن ريهام خطفت منها اللحظة السعيدة الوحيدة في حياتها، والتي كانت تريد فيها فاتن أن تؤسس عائلة.
يصدف أن زوج ريهام سعيد السابق، يكون موجوداً في المصعد نفسه، وهو كان يغني ليجني المال، فتلفق له ريهام تهمة مخدرات، فيدخل 5 سنوات إلى السجن، وبعدها يحضر إلى المبنى وبحوزته سكين ليقتلها.
المهندس جلال أبو الوفا، الذي يجسد دوره الممثل محمد ثروت، لفق له مديره تهمة الجنون، بعد أن سرق منه مشروعه الهندسي، فهرب جلال من مستشفى المجانين، وصودف وجوده في المصعد، وتودد لشاكر الذي رأى فيه صورة الأب.
المرأة الحامل سارة، التي تجسد دورها الممثلة نورهان، أنجبت في الصعد، وروت أن زوجها تزوج امرأة أخرى، ووضعت دواء لزوجته حتى تجهض جنينها.
رجل يدعى رفيق الدمنهوري، يجسد دوره الممثل حميد لطفي، خرج من السجن، وأحب أن يسير في الطريق المستقيم، لكنه سار في طريق الشر، وحضر ليضع قنبلة في المبنى.
الممثلان عمرو صالح ويسرا اللوزي يجسدان دوري العشيقين سامي ومرام، ليتضح أن مرام تخطط للإنتقام لصديقتها، التي انتحرت بسبب الأفلام الجنسية، التي صورها لها سامي.
الإخراج رائع جداً بتوقيع محمد جمال العدل، وهو يشوق المشاهد، رغم أن معظم الأحداث تدور في المصعد، والسيناريو لـ إسلام حافظ، خالٍ من الملل، والكاستينغ موفق.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلسل كان قد تم تصويره فيلماً سينمائياً عام 1959.

لن نكتب عن نهاية المسلسل، كي نترك القراء متشوقين لمشاهدته، لكن سنتكلم عن مغزى القصة، فقد أخبرنا نجيب محفوظ عن ضحية الغباء وضحية الشر، وعن الشرير الذي اختار طريقه بحرية تامة، وعن الأشخاص الذين تسكنهم نية القتل، في هذا المصعد كانوا جميعهم متساوين، ووصلوا إلى نفس المصير، حتى أن الحب والزواج كانت لهم حصة. بالعودة إلى الضمير، أخبرنا نجيب محفوظ أن الضمير لا يصحو إلا في اللحظات الاخيرة من عمر الإنسان، حتى لو كانت هناك العديد من الفرص التي تسمح له بمحاسبة نفسه، دفع الشرير والضحية نفس الثمن، وهو حياتهما، هكذا أوضح نجيب محفوظ الصراع بين الخير والشر في حياتنا اليومية.

رسالة أخرى سلط الضوء عليها، وهي عن ناطور المبنى الفقير، الذي يسكن مع زوجته وأولاده الستة في غرفة صغيرة جداً، تشبه الحبس والمصعد المعطل.
وهناك رسالة عن الموظف الذي يتأخر لأسباب ما، للوصول لتصليح عطل المصعد.
في الخلاصة، يتأخر الإنسان في محاسبة نفسه، وليرى فقر وتعاسة الأشخاص المسجونين بفقرهم في غرفة صغيرة، ويتأخر في إنقاذ حياة الآخرين، وكل هذا التأخير يؤدي إلى الهلاك.

"بين السما والأرض"، ليست مجرد قصة، بل هي حكاية إنسان، يقف على الأرض وينظر إلى السماء، ويعيش الحياة متناقضة بين الأرض والسماء.
تبقى صرخة الطفل الذي ولد في المصعد، معبرة في نهاية المسلسل، عن أن الحياة هي الأقوى، رغم الشر والمصاعب والفقر.