"جدار الصوت" (all this victory) يخترق أعماقنا ليعيدنا الى صيف 2006، حين عشنا لحظات لا تختلف كثيراً عن ما عشناه في 4 آب وقبله.

قصف للجسور، وقطع للطرقات، وزحمة سير خانقة وتهجير ودمار وقتلى وجرحى.


حالة من الهلع عاشها لبنان في تموز 2006 حين اندلعت الحرب بين حزب الله وإسرائيل في الجنوب اللبناني وامتدت لتشمل الكثير من المناطق اللّبنانية، نزوح كثيف من الجنوب الى المناطق الشمالية والجبلية، أحداث كثيرة يسردها الفيلم، أطفال وعائلات ملأوا المدارس في تلك الفترة، وكانت تُؤمّن لهم المواد الغذائية، وتُخصص لهم فقرات ترفيه تُخفف عنهم الرعب من قصف الطيران، وجدار الصوت الذي نجحت رنا عيد (مصممة الصوت) بجعله واقعياً في صالة السينما بتقنيات صوتية عالية، إذ بتنا نشعر أن الأرض تهتز، وجدار الصوت يخترق أعماقنا، ويُوقظ ذاكرتنا ليعيدنا الى الماضي، حين كنا نختبئ تحت الأسّرّة، ونبتعد من أمام الواجهات، ونركض الى الملاجئ، ونقفل أعيننا ونصلي. لحظات لا تُنسى، اختصرها المخرج أحمد غصين في أول فيلم طويل له على مدار 90 دقيقة، وجسّدها أبطال العمل الممثلون اللبنانيون الدكتور بطرس روحانا، الراحل عادل شاهين بآخر أدواره، كرم غصين شقيق المخرج أحمد غصين بتجربته الأولى، سحر منقارة، شارلز حبيليني، إيلي شوفاني، فلافيا بشارة وعصام بو خالد.

"مروان طلع عالجنوب"، جملة لم تعد عادية في بيروت وشمال لبنان، إذ أصبحت هذه المنطقة خطرة، ويتجنبها المواطنون بسبب ما عاشته من حروب ونزاعات على الحدود، لكن لمن لا يعرف الجنوب، فهو لم يرَ لبنان بأكمله بعد.
في وقت الهدنة، إنطلق مروان الى الجنوب بحثاً عن والده الذي تعرض منزله للقصف، يترك مروان خطيبته ويعدها بالعودة إليها والهجرة معها الى كندا، بعد الإطمئنان على صحة والده ونقله الى منطقة آمنة.
البحث ليس سهلاً في وقت الهدنة القصير في قرية مدمرة ومهجورة، لم يبقَ فيها أحد سوى من اعتاد على الحروب وشارك فيها، وأمضى شبابه في سجون العدو، فتعلم اللغة العبرية فيها. هم أجدادنا الذين يرفضون التخلي عن الأرض مهما كلفهم الثمن، كوب من الشاي يبرّد قلبهم ويثبتهم أكثر. يمضون ليالٍ على ضوء الشمعة وخنق الأنوار وحبس الأنفاس.
يجد مروان نفسه عالقاً في قريته، بعدما هربت إمرأة مع أولادها بسيارته. يختبئ مروان في منزل العمّ نجيب (بطرس روحانا) وصديقه (الراحل عادل شاهين)، ومن ثمّ ينضم إليهم جارهم وزوجته الهاربان من القصف، ليجدوا أنفسهم محاصرين من جميع الإتجاهات، بعدما حطت مروحية إسرائيلية قرب منزلهم، واتخذ الجنود الإسرائيليون الطابق العلوي مركزاً له. الهروب مستحيل، حتى الأنفاق لم تعد آمنة، الحصار من جميع الإتجاهات.

يسرد المخرج أحمد غصين كل ما يمكن أن يدور بين الجدران الأربعة في وقت الحجر، وما يحصل بين الرجل والمرأة، الخوف، القلق، العتاب، التبوّل، العطش، الجوع وحتى الرغبة الجنسية التي تدل على الخصوبة والعافية في عزّ المصائب.

ثلاثة رجال مسنون وشاب وامرأة، عاشوا الأحاسيس نفسها تحت سقف واحد، اختاروا الموت، أو تمثيل حالة الموت أشرف وضعية للنجاة.
الفيلم صُوّر في منطقة الزبداني في سوريا، ينطلق عرضه في لبنان يوم غد ٢٩ تشرين الأول/أكتوبر في صالة Vox في الـCity Center Beirut، بعدما تأجل عرضه بسبب الثورة في لبنان، وتعرّض بيروت لإنفجار المرفأ وانتشار فيروس كورونا.
"جدار الصوت" يعود الى لبنان بعد فوزه في مهرجان "فينيسيا" بمشاركته الأولى في أسبوع النقاد كأوّل فيلم يحصد ٣ جوائز دفعة واحدة، نذكر منها جائزة أفضل تقنية في تصميم الصوت لرنا عيد التي نجحت في نقل جدار الصوت الى داخل القاعة، وجعلتنا نعيش حالة تحليق الطيران الإسرائيلي وتفجير القذائف والصواريخ والرصاص.
اختار المخرج أحمد غصين نهاية مفتوحة لصراع بين الجنوب وإسرائيل لن ينتهي إلا بأعجوبة سماوية.