يفتتح مهرجان قرطبا عاصمة جرود جبيل، ليلته الأولى لعام 2018 ، سلطان الطرب جورج وسوف.

أمسية أمتزج فيها الطرب والعزف والعودة بالذاكرة لأكثر من 50 سنة. لحظات أثّرت وأطربت وخطفت قلوب الساهرين.

معاناة طريق الوصول الى قرطبا حسبت لها لجنة المهرجان الف حساب وكرمت اهل الصحافة بمواقع خاصة للجلوس والاستراحة والخدمة اللائقة ليس لانهم صحافيين فحسب، بل تكريما على تلبية الدعوة رغم بعد المسافة من بيروت. الا ان تعب المسافة يزول عند ملاقاة السلطان من جديد.

طال انتظار الوسوف لكن محطات ممتعة سبقت اللقاء. فرج حنا، افتتح الامسية بالعزف على القيثارة مع فرقته وغنى اغنيات لبنانية جبلية من الزمن الجميل.

وبعدها اعتلى المسرح العازف الكفيف بركات جبور على الكمان، موهبته جعلته يكسر حاجز الخوف ويتقن العزف على 12 آلة موسيقية من دون النظر إليها. قدّم أجمل أغنيات جورج وسوف بمفرده باحتراف جعل الحضور يردّد معه كلمات الأغنيات عن غيب.

أُقفلت الستارة السوداء استعدادا لصعود السلطان الى المسرح، الكل يريد التقاط اللحظة الأولى لإطلالته على المسرح، ليعلو التصفيق والهتاف لدى ظهوره. بكلمات عفوية قال الوسوف:" ما أروع قرطبا وشعبها الطيب والحلو أحبكم وأنتم غاليين على قلبي".

رئيس المهرجان قاطع الوسوف ليقدم له هدية صغيرة وهو فيلم وثائقي صغير أعدته لجنة المهرجان مفاجأة له على المسرح، تختصر فيه مشوار سلطان الطرب منذ صغره كطفل معجزة وصولا الى الشهرة التي حققها مرورا بالحالة المرضية التي عاشها ومرحلة تلقيه العلاج. محطات مؤثرة استرجعها مهرجان قرطبا ليفتتح ليلته الأولى مع سلطان الطرب جورج وسوف.

جاء الفيلم صفعة اعادتنا الى الوراء في عبور للزمن الذي مرّ بسرعة وسرق معه معالم الشباب والصحة، الوسوف اليوم يختلف كثيرا عن ما مضى. يستذكر طفولته كطفل معجزة حيث كانت الخامة أكبر من حدود الصوت وانطلاقة شهرته من المدرسة مع "موال حاصبيا" الى ما حقّقه اليوم، ما شكل تاريخاً فنيًّا لن يتكرّر وعلامة فارقة لا تشبه الا نفسها، تحمل في طياتها فرادة في الطرب، "الطرب الأصيل". وكل ما استُذكرت أغنية في الفيلم ارتفع صوت الجمهور غناءً وطربا.

لا يمكنك إلا التأثر بمسيرة حياة عملاق، تُعرض مباشرة على الشاشة الكبيرة، وبطلها ما زال حاضرا أمامك يشاهد تاريخه على المسرح، صامدا يصارع الصعوبات حتى يبقى سلطانا لا يقهره الزمان.

يشير الفيلم الى ان حبه للحياة وطرافته أدخلاه الى قلوب المحبين. الوسوف لم ينسَ البيت الذي رباه، لا شيء يؤثر بالسلطان إلا نقطة ضعفه المتمثلة بوالديه الذيْن تأثر برؤيتهما من جديد على الشاشة، ووالدته التي أبكته على المسرح.

السهر يحلو مع سلطان الطرب هو الساحر في صوته وأغنياته الطربية. لأمثاله وحده يليق لقب المطرب وإن تزعزعت الألقاب بمواهب عابرة يأتي السلطان ليؤكد أن الفن ما زال بألف خير. يكفي استرجاع "طبيب جراح" و"بتعاتبني على كلمة" و"كلام الناس" و"قدك المياس" و "صابر وراضي"

وغيرها، حتى يشبع الرأس من الطرب. حاول أحد المعجبين الهجوم على المسرح فمنعه الحراس... حظه سيىء لم يره الوسوف، إلا أن شابا أشار للوسوف للصعود الى المسرح ليطلب يدّ حبيبته ويحظى ببركة السلطان، الذي تصرف بطرافة غير محدودة اذ قال للفتاة:"هل تقبلين بهيدا الخالص"؟ فردّت بعفوية "يس..يس"! فضحك الوسوف وقال:"دعوا الاطفال يأتون إليّ".

استمرّ الانخطاف حتى ساعات الصباح الأولى. عند الواحدة والربع اختُتمت السهرة بأغنيات "اسمعوني" ،"حدّ ينسى قلبو"، "حبيت ارمي الشبك" و"ترغلي".

حتماً قرطبا أصبحت على خارطة المهرجانات السياحية بعدما عملت لجنة المهرجان كما ذكر رئيسها سيمون كرم إصراراً منه على تجاوز المصاعب وحب الحياة.

وأشار الى "المسؤولية الكبيرة في إعداد هذا المهرجان من أجل قرطبا"، لافتا الإنتباه الى أن "المهرجان يسعى الى عمل مؤسساتي منظم يليق بالبلدة ويستمر على مدار السنة"، وأكّد أن "المهرجان هو الدافع الأساسي للإقتصاد الوطني وجذب السواح ودعم أساسي للسياحة الريفية والتنافس الإيجابي مع المهرجانات وإيصال قرطبا الى مستوى المهرجانات الدولية".

وفي مبادرة جميلة من لجنة المهرجانات استعاضت عن إطلاق الألعاب النارية ضمن برنامج الاحتفاليات، بالتبرّع بقيمتها الى مستشفى قرطبا والصليب الأحمر اللّبناني ومركز سرطان الأطفال، عسى أن تسير المهرجانات كافة على خطاها.

وأشار رئيس جمعية "كيدز فيرست" التي تهتم بالأطفال المصابين بمرض السرطان منذ أكثر من 13 سنة، الى أن مهرجان قرطبا للمرّة الثانية على التوالي يساهم في التبرّع للجمعية ويساعد أكثر من 300 طفل تعافو من مرض السرطان.

تجدر الإشارة الى أن المهرجان يحاول قدر الإمكان الوصول الى مستوى المهرجانات الدولية، ولا يقف أمامه اي عائق ما دام العمل على التنظيم بات اكبر، وخصوصاً في ما يتعلق بالمواصلات منها وإليها المؤمّن بطريقة حضارية والمتوافر بشكل يتناسب مع كثافة الوافدين.