من قلب الواقع وصميم المعاناة استطاع مسلسل "طريق" ان يخلق حالة فريدة من نوعها بين المسلسلات الرمضانية، هو المسلسل الدرامي الاجتماعي الكوميدي في آن واحد، يبكيك في مشهد ويضحكك في آخر، يسلط الضوء على معاناة الفقير الذي لا يمكنه ان يشتري دواءً حين يمرض وعلى مغامرات الخرّيجين من الجامعات حتى يجدوا عملاً لتتأكد حينها ان المال هو السلاح الوحيد للاستمرار.


"طريق"، اخذ طريقاً مغايراً عن بقية المسلسلات، هو لا ينافس مسلسلاً معيناً لان شخصياته لا تشبه شخصيات المسلسلات الاخرى، فالخيانة وقصص القتل والحروب مللنا منها واشتقنا الى طرح مواضيع اجتماعية من صلب الواقع اشتقنا ان نلمس تفكير المرأة في هذه الايام، نعم اصبحت المرأة في ايامنا هذه تبحث عن السند في تحقيق احلامها تبحث عن النجاح في مسيرتها ولو على حساب الحب والعلاقات الغرامية. نعم هناك "أميرة" صغيرة في كل شابة عربية في ايامنا هذه ولما الخجل من الموضوع؟ فلطالما سعت المراة الى اثبات قدراتها لكنها تجد نفسها في بعض الاحيان مقيدة فتلجأ الى الرجل لتحقيق حلمها عبره او عبر ماله اياً تكن الطريقة المتبعة.

من جهة اخرى، جابر ليس غريباً عنا هو الشخصية التي يضحكنا جهلها وملابسها لكنه حقيقي ولماذا نستغرب من تصرفاته؟ أما رقصتم يوماً على الاغنيات الشعبية كـ"جنو ونطو"؟ او لم تقابلوا رجالاً ونساءً ارهقتمهم الحرب وقضت على ثقافتهم وعلمهم؟ او استغربتم من خلطة الغنى و الامية في آن؟ غريب ذلك مع اننا نعيش في زمن اصبح فيه الأمي أغنى من المتعلم ويتبوأ اعلى المراكز!
رغدة الوصولية التي كانت مستعدة للزواج من جابر من اجل المال وحل مشاكلها المادية عبره، نقابلها كل يوم في حياتنا، و رياض الذي يستغل جهل جابر لكي يسرقه من دون ان يعلم؟ كم من رياض تعرفون!؟
الشخصيات كلّها من واقعنا ولا يمكن ان نستثني منها اي أحد، حتى الاحداث قد نواجهها في حياتنا كموضوع الوصية السري مثلا، فكم من مرة خبّأنا على اقرب الناس اموراً سرية خوفاً من افساد العلاقة مع الاخر؟
في اطار آخر، يتهم البعض المسلسل انه بطيء الا اننا يجب ان نتذكر ان الرواية هي "الشريدة" للكاتب الكبير نجيب محفوظ، حوّلها كاتبان من رواية قصيرة الى حوالي 30 ساعة درامية، ومن الطبيعي ان لا تكون الاحداث سريعة ومتتالية الا ان ذلك لم يقضِ على عنصر التشويق بدءا من قصة "الكف" الى "الوصية" الى مستقبل علاقة أميرة وجابر وغيرها وغيرها من الاحداث....الامور معقدة والى المزيد من التعقيد ربما،والنهاية غير معروفة!

لا يسعنا في الختام الا ان نهنىء اسرة مسلسل "طريق"، الذي نقل الصورة الصحيحة للمجتمع العربي، لم يُجمّل الواقع ولم يفسده بل أظهرنا على حقيقتنا ولذلك احببناه وتعلّقنا به.