لطالما كان لبنان بلد الثقافة في الشرق الأوسط ولطالما كانت بيروت عاصمتها، وعندما نقول بيروت، يتبادر الى أذهاننا شارع الحمرا، وما هو هذا الشارع من دون مسرح المدينة وما هو مسرح المدينة من دون عرابته ومارده الحارس المخرجة والمبدعة نضال الأشقر؟؟

هذه السيدة أفنت نصف عمرها تحت الأرض تهرع من زاوية الى أخرى على تلك الخشبة القديمة، تعدِّل الستائر وتنفض عنها غبار التاريخ لتبقى مرفوعة وتروي من خلفها أجمل القصص المسرحية على أمل أن يبقى هذا الصرح الثقافي قائما ومفتوحا أمام العامة وليبقى ذلك الشارع ينبض ثقافة وتبقى بيروت العاصمة الأولى للثقافة.

موقع الفنّ، وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح، التقى السيدة نضال خلال عرضها لمسرحيات مؤرشفة طوال يوم الثلاثاء، وعاد بهذا اللقاء المميز:

السيدة نضال الأشقر مرحبا بك عبر موقع الفن.
أهلا بموقعكم الكريم.

بمناسبة يوم المسرح العالمي، أطلقتي يوما مسرحيا في مسرح المدينة لعرض أرشيف مسرحيات مصورة طوال اليوم، أخبرينا عن هذه التجربة والهدف منها؟
بداية أنا سعيدة بإقبال الناس هذا اليوم على الرغم من أنه ليس في نهاية الأسبوع، كما وحضر عدد كبير من الطلاب مع أساتذتهم.

هل هو ليوم واحد فقط؟
نعم، لكن ستتم إعادة هذا اليوم مع إضافات في البرنامج في شهر رمضان المبارك.

منذ متى وأنت تحضرين لهذا اليوم؟
صراحة لم أحضر له مطلقا، خطرت الفكرة لي بعدما تم تأجيل تكريم "جلال خوري" من قبل عائلته لأسباب خاصة، فكانت الفكرة أن نعرض ما لدينا في الأرشيف، لكن للأسف لا يوجد إلا المسرحيات الخاصّة بي، علما أنني كنت أطمح لأن أعرض مسرحيات لأشخاص آخرين أيضًا وأنا سعيدة بأننا عرضناها.

أخبريني عن هذه الأعمال بشكل عام؟
تم عرضها كل على حدة طبعًا، لمدة بين ثلاثة وأربعة أشهر في مدينة بيروت، وحصدت نجاحات كبيرة. ولم أجد أجمل من أن أعيد عرض أرشيفي للعامة ليكتشف الناس كيف عملنا طوال هذه السنوات.

كيف كان رد فعل الناس؟
ردة الفعل كانت مفاجئة، بعضهم من قبّلني، وآخرون بدأوا بالبكاء، ومنهم لم يصدق أن هكذا أعمال كانت موجودة في السابق، أشعر بالسعادة عندما أرى مشاعر الناس بعد العرض. ردة الفعل هذه أقنعتني أنه يجب عليّ أن أعيد بعضًا من مسرحياتي على خشبة المسرح مثل "تصطفل ميريل ستريب" وهذا خبر خاص لموقعكم، وكذلك "تلات نسوان طوال".

بالعودة الى "مسرح المدينة"، كم تستنزفين من قوة للمحافظة على هذا الإرث اللبناني العريق؟
مسرح المدينة كان حلما من أحلامي التي إستطعت أن أحققها، هذا المسرح يعتبر فقيرا، بغض النظر عن قيمته التاريخية، وحلمي الآخر هو إستمرارية هذا المسرح، دفعت غاليًا ثمن بقائه، استنزفت وقتي وصحتي وفني الذي لم أمارسه، وكمخرجة لم تستطع أن تعمل في الإخراج. ببساطة لا أستطيع أن أقوم بالإخراج والتمثيل وأجمع المال للمسرح لإبقائه على قيد الحياة وإنتقاء برامجه في آن واحد.

أين وزارة الثقافة من ذلك؟
ليس لدينا وزارة الثقافة! ليس لديها دور في المسرح ولا هي على يقين بأهمية المسرح، "ميشال إده" كان أول وزير للثقافة، صاحب هذا المقعد الوزاري عليه أن يدعم المسرح، أن يتواجد بين الفنانين ويدعمهم. اليوم المسرح الفقير الذي لا يتوخى الربح المادي يدفع 17% مصاريف، نحن مسرح ثقافي وأسعار تذاكرنا بمتناول الجميع على عكس المسارح التجارية الكبيرة، هدفنا إيصال الثقافة والفن والإبداع لأكبر شريحة ممكنة من الناس وليس للنخبة فقط، نحن مسرح لللبنانيين والعرب ليكتشفوا إبداعنا الثقافي والمسرحي، ويقدموا أجمل ما عندهم في هذا المكان.

اذا عدنا بالذاكرة قليلا الى الوراء، من هو الشخص الذي اعتلى خشبة هذا المسرح وكان له التأثير الأكبر عليك؟
هناك أعمال كثيرة جدا رائعة، ولكن أستطيع أن أذكر "طقوس إشارات"، فهي لا تصدّق، كل هؤلاء الأشخاص الذين يظهرون في الصور في هذا المعرض من حولنا، قد قدموا أعمالًا على هذا المسرح، وهناك المزيد والمزيد.

ما هي المسرحيات التي تم عرضها؟
عرضنا "تلات نسوان طوال"، "تصطفل ميريل ستريب"، "قدام باب السفارة الليل كان طويل"، "جبران الأمس غدا"، "منمنمات" و"طقوس إشارات".

هل تفكرين بعرض مسرحيات جديدة؟
طبعًا، إذا وُجد الإنتاج.

هل يوجد شيء في الأدراج؟
طبعا هناك الكثير، لكنني أرغب في أن أبدأ بمسرحيتين، واحدة لـ"سعد الله ونّوس" بعنوان "الأيام المخمورة" مسرحية رائعة، بالإضافة الى مسرحية كتبها "شيكسبير".

ما الذي يؤخرك؟
لا يوجد انتاج، لا أستطيع ان "أشحد" أكثر من ذلك للمسرح لتغطية نفقات الإيجار، الكهرباء، الماء، الموظفين والضمان وغيره من المستحقات، ولا أستطيع أن أُبدّي نفسي على بقاء هذا المسرح قائما.

لكن هذه الأعمال قد تُنقذ المسرح أليس كذلك؟
طبعا، لكنك بحاجة الى مال للإنتاج من حيث الملابس والديكور والممثلين، فأنا أُكرم الممثل وادفع له مستحقاته خلال التمارين والعروض.

ما هي رسالتك عبر موقعنا لوزير الثقافة الحالي؟
لا أريد أن أوجه اليه أي شيء "لأنو ما بهمو" ولن يقرأ أو يستمع الى ما سوف أقول، يصرفون المال على أمور أخرى ولا ينظرون الى أوضاع المسارح، إلا إنني أوجه رسالة الى كل من يهمه الأمر أن يقوم بدور المنتج، فهنا عمل كبير أجمل من "طقوس إشارات" حاضر.

هل فكرت بعمل مسرحي سياسي؟
"طقوس إشارات"، هو عمل سياسي وكأنه كُتب اليوم، هكذا هم الكتاب الكبار، "شكسبير"،" سعد الله ونّوس"، "موليير"، وغيرهم من الكتاب الذين لا تزال مسرحياتهم تُعرض على أهم المسارح العالمية، لأنها تحاكي الوقائع ويجيب على الأسئلة الفلسفية والإنسانية والتاريخية وكذلك الإجتماعية، هذا هو الكاتب الكبير.

هناك ثورة مسرحية صغيرة نراها بين الحين والآخر في مختلف المسارح الصغيرة في لبنان، ما رأيك بها؟
لا أستطيع أن أشاهد كل الأعمال دائمًا، لكن بمجرد وجود هذه المسارح وتقديمها لعروض مسرحية، فهذا شيء مهم جدًا.

من لفتك من الممثلين والممثلات الذين قرروا التوجه الى المسرح في أعمالهم؟
العديد منهم يعرضون في مسرح المدينة، عام 2016 احتفلنا بالعيد العشرين للمسرح وتم عرض 23 عملا مسرحيا، من" روجيه عسّاف"، "لينا أبيض"، "عصام بو خالد"، "زقاق"، "لينا خوري"، كان هناك تفاوت في الأجيال والأعمار بين عشرين وسبعين عامًا، وأنا أحييهم جميعا أقول لهم، أنتم أعظم أشخاص في هذا البلد، وأكثر ناس تنفعون الشباب لأن السياسيين لم ينفعوا هذا البلد وهذه الإنتخابات تحوي أشخاصا فارغين من مضمونهم، لا فكر ولا عقائد ولا تطلعات! والدليل أن لبنان الى الوراء من دون كهرباء أو ماء إلخ...

اليوم، كيف يستطيع محبو المسرح من الجيل الجديد أن يقوموا بتجارب أداء لأعمال جديدة ولخوض هذا الطريق الثقافي الجميل؟
عندما بدأت بالتحضير لمسرحية "قدام باب السفارة الليل طويل"، قمنا بالإعلان عن تجارب الأداء عبر صفحة المسرح على أحد مواقع التواصل الإجتماعي وبقيت من الصباح حتى المساء في المسرح، حضر مئة ممثل، كنت بحاجة الى عشرة فقط، إلا أنني انتقيت خمسة عشر شخصًا، لكن المشكلة ان ليس لدينا الإمكانية لتدريب هؤلاء الشباب. هدفي هو أن يصبح هذا المسرح مدرسة تدريبية لهؤلاء الشباب وغيرهم، ونقوم معًا بمسرحيات مفتوحة للجمهور، هناك مواهب جميلة جدا ومبدعة وأنا فخورة بهم، هذا المسرح مفتوح للشباب.

أين ترين مسرح المدينة بعد عشر سنوات؟
قد لا أكون موجودة بعد عشر سنوات، لكن أنا متأكدة من أن هذا المسرح باقٍ، عقدي مع المسرح مستمر لغاية 2024، وأريد أن أجدده، لكن علينا إيفاء ديون إيجار المسرح قبل أن نجدد العقد.

ما مقدار الديون المتراكمة على المسرح؟
ما يقارب الثلاث مئة أو أربعمئة ألف دولار، وهذا مبلغ كبير، وعلينا دفعه قبل تجديد العقد، وعندها إن كنت موجودة أم لا، سيبقى المسرح.

ألا توجد جمعيات تدعم المسارح عن طريق التبرعات؟
لا أحد يهتم، المسرح يهم المثقفين، الشباب، الفنانين، المستنيرين وكل من يعرف أهمية المسرح، وبمجهودنا بقي هذا المسرح لأكثر من عشرين عاما، كيف.. لا أدري.

ما هي مشاريع المسرح المقبلة؟
لدينا مسرحيات مصورة ستعرض في شهر رمضان لـ"ناجي صراتي"، وهناك مسرحية "الملك يموت" وغيرها.

شكرا لك على هذا اللقاء المميز، ونتمنى لك دوام الصحة ودوام الإستمرارية في المحافظة على هذا الصرح الثقافي.
شكرا لك وللفن وللسيدة هلا المر على هذا اللقاء.