مبدعة عربية خلّد اسمها في التاريخ، فكانت اوّل مصوّرة فلسطينيّة، هي كريمة عبود التي ولدت في الناصرة عام 1893 لعائلة لبنانية الأصل تعود جذورها الى بلدة الخيام الجنوبية، اذ انها نزحت الى فلسطين في أواسط القرن التاسع عشر.

والدها هو القس سعيد عبود، ونشط بعض أفرادها في التبشير في لإنجيل فالجد مؤسس العائلة انتقل الى بيت لحم عام 1890 وعمل مدرساً في المدرسة الإنجليزية وتنقل بين عدة وظائف.

بدايتها في مهنتها

بدأت المصورة كريمة عبود بممارسة مهنة التصوير منذ العام 1913، حيث والدها كان المشجّع الأول و المحفّز لها اذ انه أهداها آلة تصوير فتعلقت بها و اتخذتها رفيقة لها فباتت تلتقط الصور للمدن والأماكن الطبيعية والمعالم التاريخية، ولأبناء عائلتها والأصدقاء في فلسطين، ثم افتتحت استديو تصوير خاص بها للنساء في بيت لحم و الذي من شأنه اتاحة العائلات المحافظة تصوير نسائهنّ بلا حرج و بعد فترة زمنيّة قامت بافتتاح مشغل لتلوين الصور واعطائها لمعاناً وبريقاً، و نظرا لجمال صورها و ابداعها اللافت، انتشرت صورها في منازل عائلات عدّة في دمشق و بيروت، وتم العثور على مجموعة ثانية لها تعود إلى سنة 1913، وهي تتألف من صور التقطت داخل الاستديو لنساء بأزيائهن الجميلة.

ارث عظيم لمبدعة عظيمة

لكريمة عبود دور كبير في مهنة التصوير، التي كانت غير مألوفة عند العائلات العربية اذ انهم ايضا لم يتقبّلوا سريعا الظهور في هذا الاختراع، باستثناء بعض العائلات العريقة و الغنيّة ذات قيمة اجتماعية، و التي كانت تقوم بجلسات تصوير جماعية، وهو ما تؤكده الصور القديمة لبعض عائلات القدس خلال فترة الانتداب.

في صيف 2006، تم الافصاح عن البومات عديدة تعود لكريمة عبود لدى جامع مقتنيات قديمة، في مدينة القدس.

فارقت المصوّرة كريمة عبود الحياة، تاركة ارثا عظيما من الفن و مئات الصور التي تجسد الابداع و التاريخ الفلسطيني، حيث دفنت في بيت لحم و بقيت مجموعة نادرة من اعمالها في خزنة الباحث أحمد مروات الى ان نشرها عام 2013 في كتاب تعاون فيه مع القس الدكتور متري الراهب والدكتور عصام نصار، بعنوان "كريمة عبود: رائدة التصوير النسوي في فلسطين"، عن دار ديار للنشر في بيت لحم، ويضم الكتاب عدة دراسات منها دراسة الدكتور عصام نصار حول بدايات التصوير المحلي في فلسطين من وحي كريمة عبود بالإنجليزية، و ترجمته الى اللغة العربية السيدة اليزا اجازريان.

ثمة دراسة ثانية كانت للباحث أحمد مروات حول قصة اكتشاف أول مصورة فوتوغرافية وجذور المصورة كريمة عبود، و تم جمع 4 ألبومات من الصور المذيلة بخاتمها وكانت تضم صور خمس مدن فلسطينية منها بيت لحم ومعالمها، و طبريا في شواطئها وأسواقها وكنائسها وجوامعها، وغيرها.

أما الدراسة الثالثة، فهي للقس الدكتور متري الراهب بعنوان: "كريمة عبود: المرأة خلف العدسة"، أما الجزء الثاني من الكتاب فتضمن 86 صورة شخصية و22 صورة لأطفال و8 صور لقسيسين ورهبان و51 صورة نسائية وعائلية و5 صور تراثية بالزي الشعبي كما ايضا الأدوات التراثية كدلال القهوة والهاون والحُلي والمجوهرات الفضية والشطوة(غطاء الرأس)، التلحمية والناصرية وثلاث صور لمناظر طبيعية من بنايات، اضافة الى صور أسواق في الناصرة وخمس صور عائلية جماعية.

انسانة عشقت آلة التصوير فبادلتها الشهرة الكبيرة وجعلتها اول مصوّرة تتخطى حدود بلدها لتنتشر في كافة العالم العربي، وتشكّلتاريخاً عريقاً، مضفية نكهة مميزة و جميلة على عالم التصوير ميّزها في حياتها وحتى بعد رحيلها من خلال ارشيفها الكبير و المتألّق .