على الرغم من احتجابه واعتكافه عن الكتابة التلفزيونية الدرامية، ظل مكانه محفورا في ذاكرة المشاهد، وظلّت الاعمال التي نفّذها، مرجعا يستقطب نسبة عالية من المشاهدة، وذاكرة حية شاهدة على الزمن الفني الجميل.


انطوان غندور، الكاتب الذي اثرى المكتبة الدرامية بالاعمال المميزة، والاسلوب الانتقادي الساخر والمضحك المبكي، يفتح قلبه لموقع الفن، عبر هذا اللقاء.

نتساءل اليوم ما اذا كنت مستبعدا عن الكتابة او انها أُبعدت عنك بقرار منك؟
الكتابة هي كياني ولن أُستبعد عنها، هي نبض روحي انما بصراحة انا من رفضت الكتابة في لبنان بسبب الظروف العامة التي تخيم على الدراما، واحتياجات السوق الدرامي القائمة فقط على الاستنساخ والسرقة للافكار الغريبة عنا.

هذا القرار حرمنا من ابداعاتك ونتاجاتك؟
حاليا اتعاون مع شركة خاصة في " دبي"، انجزت لها عملين دراميين، الاول بعنوان "لحن الى ارض السنابل"، لم يحدد بعد موعد عرضه. والثاني انتهيت من كتابته ولكنني لم استقر على عنوان ثابت له بعد.

كيف تقيّم واقع الدراما اللبنانية اليوم؟

للاسف الشديد، تفتقد الدراما اليوم الى الصدق والحقيقة اليوم، فبعض الاعمال الدرامية لا تشبهنا بشيء بمواضيعها .

كنت راض عن الاعمال الدرامية التي قُدّمت هذا العام في رمضان؟
(يبتسم وكأنه يسخر)، قرأت في مجلة " الكواكب"مقالة انتقادية عن الاعمال الدرامية التي عُرضت في لبنان، تشير الى انه من بين سبعة اعمال معروضة، هناك خمسة منها مستنسخة حرفيا عن اعمال اجنبية غالبيتها مكسيكية! وعلمت بأن المؤسسة اللبنانية للارسال هي بصدد انتاج عمل درامي من 60 حلقة، وهو مستنسخ حفرا وتنزيلا عن عمل اجنبي! وتُسمّون مثل هذه الاعمال دراما لبنانية.

الكتابة موضة تتأثر يالتغييرات والتطور الحياتي؟
الكتابة روح وبصمة يُعبّران عن كاتبهما .

ما هي نواقص الدراما اليوم في لبنان؟
الصدق اولا، والهوية التي تنم عن العادات والتقاليد ومسؤولية الكاتب حيال نصه وإلمامه بما يكمل كتاباته . للاسف بعض شركات الانتاج تستعين بجهلة لا يفقهون شيئا بالعمل الدرامي فيشطبون النص ويشوّهونه.

انطوان غندور مكتف بالكتابة الاذاعية في هذه المرحلة التي يمر بها؟
لن اجاملك واعترف بان هذا المكان عوّضني عن الكتابة التلفزيونية، انا مكتف حاليا لانني اسست خطا ثابتا في الكتابة الاذاعية ونلت خصوصية وتمايزا عليه . عندي برنامج يُبثّ منذ حوالي 12 عاما، ومازال يلاقي الوهج والنجاح حتى اليوم.

اذاعة صوت لبنان اخذتك حصريا لها؟
منذ اول يوم تعاونت معها اعطتتني مساحة عريضة من الحرية، وهذا ما يحتاجه الكاتب ليتمكن من الابحار في اغوار افكاره.

يعني انطوان غندور مرتاح بالاذاعة ؟
طبعا، كتب الاديب ميخائيل معوض مقالة في جريدة النهار قال فيها: انطوان غندور خلق صيغة مستقلة في الكتابة الاذاعية تمثيلا، هذه شهادة تكفيني لاكون مرتاحا حيثما انا .

هل تتعب الذاكرة مع الايام وتخون الكاتب؟
الذاكرة بحاجة للغذاء، وغذاؤها الاطلاع والقراءة . تشبه هذه الحرفة اختصاص الطبيب الحريص دوما على متابعة الاكتشافات الطبية الحديثة النضوج يُقوّيها ويزيد من مناعتها.

برأيك، هل يعاني النص الدرامي اليوم من الشوائب؟
الحنكة بالكتابة اليوم تفتقد الى السيناريو المحبك. فغالبية النصوص هي مكتوبة اذاعيا وتفتقد الحركة والتفصيل .

لماذا انت بعيد عن اللعبة السينمائية؟
كانت السينما على ايامنا فقيرة الحال بعكس المسلسل , ومع ذلك كتبت 6 افلام، منها فيلم " غارو" من بطولة منير معاصري، الذي حقق نسبة عالية من المشاهدة في دور السينما ونال جائزة في ايطاليا.

على الرغم من احتجابك عن الكتابة، ما زال صدى اعمالك موجودا؟
كل الاعمال التي قدمتها كانت واقعية تلامس مشاعر المشاهد . تَصوّر اني البارحة كنت في محل لبيع النظارت، وكانت هناك سيدة تتجادل مع ابنتها حول نظارة فقالت لها :"شو بكي عاملي متل دويك". الحمد لله اعمالي من الناس العاديين مثل اخوت شاناي، بربر اغا، الصقيع وغيرها.

شكري انيس فاخوري، بمسلسله "العاصفة تهب مرتين"، قدم شخصيات باتت واقعية عند المشاهد؟
انا معك، لكنه سلط على الزاوية المنحرفة لدى هذه الشخصيات مثل التحشيش والسرقة والسلوكيات النافرة، ولم يسلط الضوء على النواحي الايجابية . انا كتبت مسلسل " شباب 37"، وسلّطت الضوء على الآفات الاجتماعية لكنني اظهرت بالمقابل الصفات االحسنة لان مجتمعنا لا يقوم على الانحراف فقط، بل مازلنا نتمسك بعاداتنا و تقاليدنا.

بعد آخر مسرحياتك "البطريرك الحويك "، هجرت المسرح؟
لا، لن اهجره، انما هذه المسرحية اتعبتني كثيرا وهي اضطرّتني لقراءة 30 كتاب حول المضمون، ليكون العمل ناجح، ووُفّقنا بذلك.

ماذا تقول اليوم من خلال عزلتك؟
ان سوء الاحوال الاقتصادية والسياسية اثّر على الفن وتحديدا الدراما، وما تُنتجه الشاشات من اعمال منافية للآداب العامة وتسودُها الاباحية والعهر، اساءت لنا في الخارج .

من هو الكاتب من الرعيل الجديد الذي ترتاح له؟
كل كاتب له بصمته وروحه واسلوبه. حاول الكثيرون تقليدي ففقدوا هويتهم الخاصة. في النهاية الكتابة ملكية فكرية تُعبّر عن كاتبها.

ماذا تقول اعمالك في الذاكرة المؤرشفة ؟
حاولت ككاتب ان اخلق ادبا خاصا بالتلفزيون يُشبِهنا ومِنّا، غير موجود بحبكته في عالمنا الشرقي. ونجحت بادخال النص الدرامي التاريخي الى الحياة الاجتماعية، وهذا ما يقومون به اليوم في الدراما السورية الناشطة بفضل الصدق عندهم.

هل ملّيت الكتابة؟
الكتابة هي ملاذي في الحياة، وحتى حين أكون بانتظار احد في الكافيه لا أستغني عن ورقة "أخرطش" عليها افكاري . اصبحت الورقة معشوقتي والقلم عكازي .