بدأ المسرح اللبناني يتعافى ويستعيد الثقة التي لطالما حظي بها من الجمهور اللبناني .

.. وبعد سنوات على انتهاء الحرب ورغم التطور التكنولوجي الذي يتفشى بالمجتمع، أسماء كبيرة تعود لتضيء المسارح اللبنانية بنصوص لا ينتهي عرضها إلا بالوقوف تقديراً للفن والابداع. كميل سلامة الذي لم يفقد يوماً ايمانه بهذه الخشبة واستمر في العطاء حتى في الاوقات الحرجة يعود اليوم بعمل مسرحي جديد بعنوان "...كلكن سوا" من تأليفه واخراجه وبطولة بديع أبو شقرا ورودريغ سليمان وباتريسيا نمّور.

سلامة لم يتقيد بزمان او بمكان في النص الذي كتبه .. ولماذا التقيّد و"الحرب" مشتعلة في كل مكان؟ فالأهم ما يحدث عندما يعلق صديقان في بيت أحدهما. الاول وحيد في بيته فعائلته هربت إلى المهجر، والآخر بعيد بضعة شوارع عن زوجته وأولاده. صديقا المدرسة والجامعة في الماضي، وزميلا العمل اليوم، يستحضران ذكرياتهما بين القذيفة والأخرى. وتعود الذكريات التي جمعت يوماً بين الصديقين والزوجة وتبدأ الحكاية ... والقدر الذي تحكم بالماضي يعود ليتحكم بالحاضر والمستقبل ...

العمل لديه عناصره التي تجعله مختلفاً .. من ناحية القصة فهي مؤثرة و"مشدودة" جيداً، من ناحية الإخراج كميل استطاع أن يأسرنا طيلة العرض ويأخذنا معه إلى قلب الأحداث. أما لناحية أداء الممثلين، فبديع أبو شقرا ممثل محترف ترجم احترافه المسرحي وكان بالفعل صورة للممثل المتمكن الذي يعرف جيداً ماذا عليه أن يقدم وكيف يقنع الجمهور بما يقدمه. رودريغ سليمان مفاجأة العمل، فهو استطاع أن يتنقل بكل سلاسة من حالة إلى أخرى وكان بكل واحدة منها مقنعاً إلى أقصى الحدود. باتريسيا الممثلة التي تنتقي أدوارها بدقة، حضورها مميز ولها شخصيتها الفريدة وأظهرت مستوى عالياً من الحرفية.

موقع "الفن" شاهد العمل وكان لنا لقاء مع الكاتب والمخرج كميل سلامة الذي تحدث عن توقيت عرض العمل وقال:" عندما أعلنت أنني كتبت هذا العمل منذ العام 2001 توقعت أن أسأل كثيراً عن هذا الموضوع لكن بكل صدق ليس لدي أي جواب على هذا السؤال. عملياً، لم أفكر بأن أنفذ العمل سابقاً ووجدت اليوم أنه يجب أن أقدمه. يمكن أن أخترع لك أسباباً عديدة ولكن بكل صدق لا يوجد سبب معين. في الفترة الماضية كنت منشغلاً بعرض أعمال أخرى وتصوير أفلام سينمائية، واليوم قررت أن أنفذ العمل وتواصلت مع الأشخاص الذين كنت أريد أن يشاركوا معي وعندما وافقوا بدأت بتنفيذ المسرحية".
وهل اختار زمن السلم ليتحدث عن الحرب، يجيب سلامة:" اطلاقاً .. مع أنني أفضل الا اتحدث عن الأمور وهي تحدث. كما أن المسرحية لا تتحدث عن الحرب بقدر ما تتناول موضوعاً يحدث أثناء الحرب".

وعن اخراج العمل والتفاوت بين جزأي العمل، يقول:" الجزء الأول يظهر العلاقة الموجودة بين الصديقين ثم تبدأ الأسرار بالظهور نتيجة الضغط الموجود في الخارج. كما يساعد الجزء الأول على فهم شخصية كل منهما لدرجة تخولنا أن نفهم ردة فعله لاحقاً. هذا تحليل شخصي أنا كتبت المسرحية وأخرجتها أما الباقي فهو على الجمهور الذي يمكنه أن يحلل ويفهم الأمور كما يريد وأنا مستعد لأسمع كل الآراء".

وعن التغييرات التي طرأت بعد 4 عروض، يجيب المخرج :"بما يتعلق بما نقدمه نحن لم يختلف شيء .. العرض الأول سيكون كما العرض الأخير.. أما بالنسبة للجمهور فنحن وجدنا ردات فعل متشابهة في محطات وأخرى متفاوتة بحسب عمر المشاهد وأمور أخرى..."

ويصف سلامة التعاون مع بديع أبو شقرا ورودريغ سليمان وباتريسيا نمور بالرائع، ويضيف:" هؤلاء الأشخاص، كما كل الذين صادفتهم في أعمالي خلال مسيرتي، يفهمون علي وأفهم عليهم من الجلسة الثالثة.. وبالنهاية عندما يضع كل المشاركين في العمل نصب أعينهم العمل نفسه ونجاحه بغض النظر عن أنانية كل شخص نصل إلى ما شاهدتموه".
وتابع:" بديع ورودريغ وباتريسيا كانوا خياري الأول لهذه الأدوار. أنا عادة أضع 3 خيارات لكل شخصية وهم كانوا الخيار الأول للشخصيات. اول أشخاص تواصلت معهم قدمنا العمل معاً. طبعاً كان هناك خيارات أخرى في حال تعذر الارتباط مع أحدهم لكن الحمد لله اقتنعوا بالنص ووقتهم كان يسمح لهم بالمشاركة، بالاضافة إلى أن علاقتهم ببعضهم سمحت بأن يرحب كل منهم بوجود الآخر وهذا ما دفعني إلى السير بالعمل بوتيرة أسرع".

وعن الاستمرار بالعرض، يقول:" أنا لا أتوقع مدة معينة لعرض المسرحية.. طبعاً أنا حجزت المسرح لفترة زمنية معينة تتراوح بين 4 و 6 أسابيع. اذا وجدنا أنه لا يوجد اقبال على المسرحية قد نوقف العرض واذا كان الإقبال كبيراً سنبحث مع المسرح لنمدد العرض. الأمر لا يزال باكراً على هذا الموضوع فنحن لا نزال في العرض الرابع والصورة تتضح أكثر في الأسبوع الثالث لناحية البقاء أو التمديد أو التوقف".

بدورها الممثلة باتريسيا نمور تحدثت لموقع "الفن" عن العمل وقالت:" لقد شاركت بهذا العمل لأنه من توقيع كميل سلامة والنص رائع، أضف إلى ذلك وجود رودريغ وبديع. أنا لم أشارك سابقاً في أي عمل مسرحي لو لم أشعر بأنني سأكون مرتاحة".
وعن غيابها عن الجزء الأول من المسرحية، تقول باتريسيا:" انا وافقت على نص العمل ولا يحق لي التدخل في مساحة الأدوار. طبعاً كنا نمزح خلال التمارين وكنت أقول للأستاذ كميل "لماذا لا أقدم رقصة في بداية العرض؟".. لا يمكنك ان تتخيل كم يكون التحدي كبيراً عندما تكون جالساً في الكواليس وتنتظر دخولك إلى المسرح وهذه اللحظة هي "Pic" المسرحية. وبالتالي عليك أن تكون جاهزاً لتدخل بقوة".

وتابعت:" لاحظت أنني عندما أدخل إلى المسرح أشعر بأنفاس الجمهور وكيف يستقبلونني. هم يسمعون عني طيلة الجزء الأول وعندما أدخل في الجزء الثاني يكون الوقع مختلفاً عليهم وفيه قوة. وبغض النظر عما اذا كان الدور "صغيراً أم كبيراً" انا بالنسبة لي تعلمت كثيراً من هذه المسرحية".

وأضافت:" من الصعب جداً أن تدخل إلى العمل بعد فترة على انطلاقته .. بديع ورودريغ الأمر أسهل عليهما لأن لديهما الوقت للتهيئة قبل الوصول إلى اللحظة الأساسية في العمل.. اما أنا فأدخل في هذه اللحظة "Pic" ومن المفروض أن أكون جاهزة من كل النواحي".

وعن التغيير السريع بالحالة النفسية على المسرح، والتي تنقلب خلال ثوان من جو الفرح والسعادة إلى أجواء التوتر والحزن، علقت نمّور قائلة :" الأمر بحاجة إلى جهد كبير واستغرقت بعض الوقت لكي أعتاد هذا الأمر خلال التمارين. في بعض المشاهد هناك الحماس والحب والبراءة ثم فجأة تتحول إلى امراة قاسية تقفل على مشاعرها وخائفة .. هناك إيقاع مختلف تماماً بين المشهدين وعليك أن تتقن طريقة الانتقال من حالة إلى أخرى بسلاسة. وعلى الرغم من أنني استغرقت وقتاً لاكتسب هذه المهارة الا أنني لاحظت أن الجمهور في العروض التي قدمناها يثني كثيراً على هذا الأمر بالتحديد".

وعن اصداء العمل تقول:" الآراء مختلفة .. هناك أشخاص كثر يقفون ويصفقون لنا في نهاية العرض.. في بعض المرات نسمع قبل نهاية العرض أنفاس الجمهور والدموع .. وسمعت مرارا ان الجمهور في نهاية العرض لشدة تأثره بالنهاية عجز عن التعبير أو التصفيق.. وصدى العمل يتضح أكثر عندما يخرج الجمهور من الصالة ويمر بعض الوقت على انتهاء العرض فيستوعب الناس الحالة التي كانوا فيها خلال العرض".

اما عن العمل مع المخرج كميل سلامة فتجيب باتريسيا:" كميل استاذي .. وعندما أسأل عن التعامل معه أشعر بأنني أريد أن أقول انه ليس التعاون الاول بيننا لكنني أتذكر أنه بالفعل هذا أول تعاون بيننا. هو استاذي في الجامعة وأنا أحبه كثيراً وأحترمه ... هو شخص رقيق وحساس ومحترم وكله رقيّ في التعاطي. وطبعاً التعاون مع بديع ورودريغ أيضاً كانت متعة وفيه احتراف كبير وخبرة كبيرة".