ليلة الموسيقار ملحم بركات في سوريا لا تشبه الليالي الأخرى التي تحييها قاعة الأسد للثقافة والفنون- دار الأوبرا التي غنّى فيها فنانون كبار منهم فيروز وماجدة الرومي.

سيّدها ونجمها كان "أبو مجد" وهو من أهم الملحنين والذي لم يتوان يوماً عن التصريح بحبه الشديد لسورية ليعمل على إهدائها أغنية من روائعه وهي “حبوا سورية” وربطته علاقات صداقة وزمالة عمل مع عدد من الفنانين والموسيقيين السوريين كما شهدت سورية محطات مهمة لمسيرة الراحل الفنية واستضافت أكبر حفلاته الغنائية. وقد تضافرت جهود رسمية وثقافية وفنية، برعاية رئاسية، لإعطاء هذه الليلة لمعاناً خاصاً، مع حضور شخصي لستة وزراء، واكبوا التنظيم الدقيق لما قدمته الأوركسترا السورية(45 عازفاً) بقيادة المايسترو أندري معلولي مع فنانين هم معين شريف وحازم شريف وعماد رمال وبينهم نجل الراحل، الفنان وعد بركات.

وتكريما للمسيرة الفنية والمواقف الوطنية والقومية الأصيلة للموسيقار الراحل تجاه وطنه الثاني سورية نظمت مبادرة الفينيق السوري حفل وفاء على مسرح الأوبرا بدار الاسد للثقافة والفنون يوم الأربعاء 1 شباط بحضور عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والروحية والإعلامية من سورية ولبنان.


تقدمت الفنانة " شكران مرتجى" إلى مقدمة المسرح، ورحبت بالحاضرين وقالت كلاماً مؤثراً عن العلاقة التي تجمع سوريا ولبنان في وقت الأزمات كما في الأوقات العادية فكانت لبقة جداً وكان تقديمها مختصراً وجميلاً معبراً. ثم كانت دقيقة صمت على أرواح شهداء الجيش السوري، ثم عرض فيلم شمل صورة لملحم مع علم لبنان، ثم ظهر ملحم مرحباً بالحضور غناء" مرحبا بيكم مرحبا .. يا هلا بيكم يا هلا".

السيد عارف الطويل عرّف الحضور على الأفراد الذين ترجموا بنود المبادرة إلى فعل ينبض بالحياة، بإشراف ستة وزراء، ومتابعة دوائر الخارجية، والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، ثم أعلن عن مبادرة قامت بها طفلة سورية تدعى دانيال رزق عندما شقّت جموع المشيعين ووصلت إلى نعش الراحل ونثرت فوقه تراباً حملته من سوريا. التالي كان وزير الثقافة محمد الأحمد الذي إعتبر ملحم أفضل من خاطب القلب والأذن معاً، بعدها عرض شريط سينمائي وقعه نبيل لبس، علّق عليه بالصوت الفنان جهاد الأطرش وظهر فيه كل من نزار فرنسيس وماري سليمان وابنة الراحلة غنوة ووليد توفيق وإيلي العليا، فأغنية " عد الأيام اللي راحت" "لبنان وسوريا رمز الوحدة العربية.. حبينا الأسد يا عرب وعشقنا الحرية، ثم غنى أربعة فنانين: عماد رمال( يا حبي اللي غاب) وعد بركات( كيف بتبعد عني) حازم شريف( إعتزلت الغرام) معين شريف(بلادي العجبينا مكتوب.. نبقى فيها متحدين/ سوريا الله حاميها/ تعا ننسى، مع مواويل من أغنيات لوديع الصافي.


معين شريف الذي بدأ غناءه بأغنية للسيدة فيروز "بكتب إسمك يا حبيبي عالحور العتيق" وقد أدى الأغنيات شريف وهو يرتدي معطفه نظراً للأوضاع التي تمرّ بها دمشق من نقص في المازوت والتدفئة والكهرباء. وقد ألقى كلمة خلال الحفل جاء فيها "أقول باسمي واسم ملحم بركات وكل لبنان شكراً سوريا، وكابن سوريا من ناحية الأم أقول لعائلة ملحم وللبنان لا شكر على واجب فهذه هي سوريا".

وألقى صديق الراحل الشاعر مارون المحولي قصيدة رثاء أهداها لروح الراحل الكبير.

وبعد تقديم وزارة الثقافة آلة عود تحية للموسيقار تسلمتها أرملة المرحوم السيدة رندة، من وزير الثقافة، قامت مؤسسة الفينيق بتسليمها شهادة ودرعاً عبارة عن قيثارة، أما مسك الختام فكان مع الشاعر نزار فرنسيس، الذي ألهب القاعة والحاضرين، وإستحق التصفيق الحاد مع ختام كل صورة شعرية التي استهلّها ببيتين من الشعر قال فيها .. "الله أكبر يا دمشق .. كم يليق بك العشق .. وكم أنت في الشرق جميلة .. وكم جميل بك الشرق". وقال كلمات الأغنية التي تركها الفنان الراحل عن لبنان وسوريا قبل أن نواكبها على شاشة القاعة:

من لون جرحك لوّن الأيام وإرسوم درب المرجلة بدمك.
وإكتوب إسمك عا تراب الشام هون وقعت وترابها لمك
لمّك بلهفة إم حتى تنام غمّض عيونك نام ما يهمك
بتضل فينا شعلة الأحلام يا رايح وتارك نصرنا همّك
هيدي سوريا إم ما بتنضام وإنت وقعت جيت بحضن إمك.

وكانت آخر فقرات الحفل أغنية للشام وأطفال الشام لم تبصر النور قبل وفاة الراحل حيث سمعها الحضور عبر التسجيل بصوت الراحل ملحم بركات وهي من أجمل الأغنيات التي لحنها بركات.


رحلة الأربعين مدعواً من بيروت أخذت 5 ساعات لحين الوصول إلى فندق الشيراتون في دمشق، ومنه إلى دار الأسد للثقافة والفنون، فكان الترحيب بالوفد اللبناني ترحيباً ملوكياً وقد أبدوا احتراماً فائقاً للوفد. فسوريا التي عانت وتعاني من أزمة نتمنى أن تكون عابرة وأن تنتهي قريباً لا تزال تنعم بالسلام والأمان خصوصاً في شوارع الشام ودمشق. وقد ضمّ الوفد اللبناني الفنان نقولا الأسطا ممثلاً نقابة الفنانين المحترفين والفنانة سهى قيقانو وعدداً كبيراً من الإعلاميين نذكر منهم د. جمال فياض وزكريا فحام وجان فريسكور ومالك حلاوي وغيرهم.


فمشكورة وزارة الثقافة السورية ومشكورة مبادرة "الفينيق السوري" لتنظيم حفل التكريم هذا للفنان الراحل ملحم بركات" في حين على وزارة الثقافة اللبنانية أن تكرّم ملحم بركات لعطاءاته الفنية الكثيرة التي أغنت تراثنا الفني والموسيقي، فغياب وزارة الثقافة ومعها الدولة اللبنانية عن تكريم كبارنا الأحياء والراحلين يبقى غصّة في القلوب وحزناً على ما وصلنا إليه من عدم تقدير لإبداعات اللبنانيين.


والجدير بالذكر أنه على الرغم من كل العراقيل التي تعرض لها حفل التكريم وتأجيله حتى الأول من شباط إلا أن التكريم قد تمّ بأجواء من الوفاء والسعادة والتقدير والسلام والأمان تحت رعاية رئاسية سورية. كما تجدر الإشارة إلى أن كل من حاول عرقلة وتأجيل الإحتفال التكريمي لم يحضر الحفل ولم يكن موجوداً.