منذ أن كان الإنسان كان الشّعر، تعبيرٌ صادق عن انفعالات النفس وهواجسها وتساؤلاتها.

ويبقى، الأدب الأكثر تجذّراً في الذاكرة الإنسانيّة. والشّاعر هو خالق هذا الأدب ومبدعه، والأدب هو ابن البيئة والمجتمع والإنسان. من هنا استطاع الإنسان أن يخلق شعره، أدباً شعبياً صادقاً فطرياً وبالتأكيد جميلاً جمال الشعوب التي تنهل من الفكر البدائي أفضل الكلام وأصدقه.

ويعود بنا الشاعران حبيب يونس ومارون أبو شقرا إلى دراسة تاريخ الزّجل والشعر العاميّ ضمن كتاب عنوانه "الشاعر والزّجّال... والشّعر بينهما". فينقلاننا إلى عالم الشّعر المحكيّ وفضاء الشّعر الزّجليّ في دراسة تحليليّة نقديّة تاريخيّة. ولو كثرت الدراسات حول هذا الشّعر نبقى قاصرين عن سبر أغواره لما له من تاريخ مجيد وحافل.


ففي مقدّمة الكتاب يشير الصحافي والشاعر حبيب يونس إلى أنّ ملفّه وبحثه يتضمّنان فصلين: الأوّل لمحة تاريخيّة عن أصول الزّجل والثاني الاسباب التي جعلت من الزّجل، ومن ثمّ الشّعر المحكي في لبنان يتميّز عن أي شعر عاميّ أو محكيّ في محيطنا.(ص 6) أمّا دراسة الشاعر مارون ابو شقرا النقديّة التحليليّة فتتناول بعلميّة وموضوعيّة الفارق بين ما هو شعر وما هو زجل.


وفي الكتاب تأكيد أنّ الشعر ولد من رحم الزّجل. وأنّ الزّجل في لبنان نشأ على يد السريان الذين قالوا الزّجل منذ القرون الأولى. ورجع به الأديب مارون عبود إلى المطران الماروني جبرائيل بن القلاعي المتوفى عام 1516. وفي هذا الإطار يعرض الشاعر حبيب يونس أهمّ المحطّات التي مرّ به الزّجل منذ نشأته إلى يومنا هذا.

وفي القسم الثاني يميّز الشاعر مارون أبو شقرا بين الشّعر اللبناني المحكي والزّجل. فيشدّد في دراسته التحليلية على أنّ الزّجل سابق للشّعر اللبناني المحكي الذي ظهر أواسط القرن العشرين خصوصاً مع سعيد عقل وميشال طراد والرحابنة. كما يعرض بعض النماذج الشعرية التي تبيّن ذلك مع تحليل لها.


وفي حديث لموقع الفنّ حول الكتاب يقول الشاعر والصحافي حبيب يونس: علمياً من يقول الزّجل هو الزّجّال أو القوّال لكننا في الكتاب اوضحنا انّ هناك الشاعر الذي يقول الزّجل والشاعر الذي يقول الشّعر المحكي. والعنوان يعطي لكلّ شعر حقّه ففي الزّجل شعر جيّد وسيّئ وفي الشعر المحكي شعر جيّد وآخر سيّئ. ويشير إلى أنّ القسم الأوّل من الكتاب هو دراسة عن تاريخ الزّجل ومقارنة الأوزان بين العاميّ والفصيح وهناك فصل عن اسباب تميّز الزّجل في لبنان عن غيره من الشّعر العربيّ.

ثمّ يتناول تاريخ الزّجل مؤكّداً أنّ أوّل من كتب الشّعر هم العبرانيون، أما السريان فلم يكتبوا الشعر المقفّى إلى أن جاء شاعر اسمه برديصان الذي ولد عام 154 ليسوّق لأفكاره الدينية فمنعته الكنيسة من كتابة الشعر لكنّه كان ملحّنا مهماً وشاعراً أهمّ فاستطاع أن يكتب شعره ضمن قوالب شعرية وغنائية سرت على ألسنة الشعب. وعندما اتّهم بالهرطقة وأحرقت كتبه حاولوا ايقاف امتداده بالذاكرة إلى أن جاء مار افرام السرياني وقال سأقارع الفنّ بالفنّ فلم يقم بأي شيء ضدّه إلا أنّه حاول أن يكتب الشعر ويلحّنه لكنّه لم ينجح في ذلك فأخذ قوالب برديصان ووضع كلمات عليها بما يتوافق وعقيدة الكنيسة وهكذا استطاع أن يفرض نفسه. وأشار إلى أنّ هناك مجلة واحدة تصدر في لبنان تعنى بالزّجل وهذا يعود إلى أنه بعد العام 1975 الحالة الفنيّة في لبنان تدهورت ودخلت في عصر إنحطاط. إلاّ أنّ بعض المحطات التلفزيونية حاولت إعادة إحياء الزّجل الذي لا يموت لأنّ في كلّ قرية من قرى لبنان شاعراً وما زال هناك بعض الجوقات ولا ننسى أنّ الأسماء الكبيرة في الزّجل غابت وتراجعت عن الساحة.

لكنّ الزّجل كطقس لا يموت فهو مرتبط بذاكرتنا وتاريخنا وعلى حد قول سعيد عقل فان الزّجل هو المسايفة بالكلمة. فكل تاريخنا يمكن ايجاده في الزّجل من العادات والتقاليد خصوصاً ذاك الذي نشأ في القرى لأن الزجل لا ينتمي إلى الساحل.
ووجّه رسالة إلى القارئ بأن يقرأ الكتاب من ناحية علميّة فهو والشاعر مارون أبو شقرا لم يفضّلا شعراً على آخر. بل طرحنا نظرة موضوعية حول الشعر والفرق بينه وبين الزّجل.