إنها قصيدة المحبة.

.تحفة جبران خليل جبران للبشرية المجردة من إنسانيتها ، المشلوحة عند غياهب الحروب وأرصفة الدمار. تلك الانسانية التي تحتاج إلى يقظة الضمير إنتعشت بصوت القيصر القادر ان يحول المعادلة إلى نفحة من السلام والمحبة التي تبعث الأمل في النفوس اليائسة.
أطلق القيصر كاظم الساهر أغنية من روائع الاعمال الجبرانية وهي قصيدة "المحبة" التي سبق وغنتها السيدة فيروز إنما هذه المرة باللغة الانكليزية. الخيار الصائب هذا بحد ذاته تحد للساهر الذي أبدع في تلحين القصيدة وغنائها باللغة الانكليزية. كسب الرهان بجدارة لا بل بإمتياز لأنه أدرك كيف يجعل من تلك الكلمات سحب نغمات تتطاير في النفوس والعقول لتلبيها بقوتي الكلمة والنغمة.
ليس من السهل على الاطلاق تلحين قصيدة على هذا القدر من الدسامة، إنما الساهر مالك شجن اللحن أدرك كيف يطوع الكلام جيداً فتحوّل معه النص إلى ملحمة عابقة بالتراجيديا التي تتصاعد وتيرتها مع الكلمات التي تصوّر فعل المحبة.

في البداية لا بد من الثناء على التوزيع الموسيقي الدرامي وخصوصاً المقدمة الموسيقية الاوركسترالية التي توحي بالكثير من الفخامة والرقي لتواكب التطور التكتيكي للأغنية فنراها زاهية بالفرح حين يستوجب الكلام ذلك وحزينة خافتة هامسة في المقلب الآخر.
أما أداء الساهر للأغنية فكان ساحراً وهو أكثر من يجيد اعتلاء الطبقات، يسير بحذر بين النوتات ليصيبها في عقر دارها. يبدأ بثقة ناثراً كلمات المحبة باللغة الإنكليزية لتعلو وتيرة نبضات أحباله الصوتية الجياشة التي تصب في خدمة الاغنية لحنا واداء وتوزيعاً... الأغنية متكاملة أشبه بمسرحية فيها الكثير من المشاهد ولكل مشهد مقومات وعناصر ابهار ولعل الابرز منها صوت الساهر الذي جسد المشاهد جميعها بمهنية واحتراف.

هذه الخطوة التي نباركها نالت نصيبها من الانتقادات التي لم تجد عند البعض ترحيبا بحجة واهية أن الساهر لا يجيد اللكنة الانكليزية السليمة ما انعكس سلبا على ادائه...ولهؤلاء نقول :"ان كبار النجوم في العالم غنوا بلهجات مختلفة على طريقتهم الخاصة ولعل ابرزهم النجم العالمي خوليو ايغلسياس الذي سبق وقدم أغنيات بالفرنسية إنما بلكنة اسبانية بما معناه أنه لم يتقن الفرنسية كما يتقنها الفرنسي، وعلى الرغم من ذلك فقد حققت أغنياته بالفرنسية انتشاراً ونجاحاً منقطع النظير حول العالم".
كاظم الساهر في هذه القصيدة بات هو القصيدة... لقد أضفى الحياة إلى المحبة في خطوة نصفها بالعالمية...فهو يحمل بصوته جبران العالمي إلى العالم من جديد بطريقة لبقة ومحترمة بعيدا من التزلف والاتجار من فوق وتحت الطاولة بهدف الوصول إلى العالمية.

كاظم الساهر ليس مجرد كلمات في سطور، هو حكاية عشقناها بفصولها ورسومها كافة... فهو لطالما حافظ على مستوى الرقي في الاعمال التي قدمها وخصوصا تلك التي نهل فيها من نزاريات العصر الجميل والتي حولها إلى منحوتات موسيقية حفظناها ورددناها عن ظهر قلب لتبقى حية نابضة في مكتباتنا الموسيقية.
يبقى أن نشير إلى أهمية بث الاغنية عبر الاذاعات العربية كافة من دون اي تكلفة مادية نصرة للفن الراقي ولان في غناء الساهر للمحبة رسالة سلام.
كاظم الساهر مهما قيل فيك من مدائح تبقى تلك العلامة الفارقة في الاغنية العربية والتي تتوجه إلى العالمية عبر قنوات الاتصال الراقية التي تحترم ذوق الجمهور. لعل في خجلك ابداعاً وخفر أهل الرافدين ، وفي نخوتك نحو السلام نتوجك رمزاً في زمن قاتم شاحب الوجه... لتبقى أنت بسمة الامل على ثغر كل عاشق للموسيقى والكلمة.