"لنتذكر"نعيد من خلالها نشر لقاءات ومقالات بقلم الزميلة الراحلة رنا بو رسلان شوي .

الشعر عمل فنّي صعب لا يولد من هواية أو حب التباهي بلقب شاعر. إنه ككل فن راق وإبداع فاخر. والابداع هنا إبن الصعوبة وإبن الأسس والقواعد الصارمة، أما المضمون فهو إختمار لهذه القواعد والأصول. والشاعر الحق هو الشاعر المفتون بالكلمة. هو فارس اللغة الذي يعرف كيف يروّض قصائده فتخرج كتحفة فنية مشغولة بمخاض ولادة يتطلبه كل نص إبداعي.
ومنيف موسى كما تقول عنه مؤرخة مسيرته الادبية والثقافية الدكتورة ريما نجم بجاني في كتابها الصادر حديثاً بعنوان "منيف موسى في بعض سيرة ثقافية": هو مؤسس مدرسة شعرية جديدة في الشعر العربي المعاصر وفي الحداثة الشعرية العربية. يمتلك حتى الكمال أصول الفن العروضي الكلاسيكي . وشرطه الضروري لكل تجديد وإبتكار وإبتداع."
وعن الشعر يقول منيف موسى: "اعيش في قلب الشعر ، في حضرة الكلمة المبدعة . نفسي مطبوعة بالكلمة والنغم ... يشدني الكلام الجميل الخلاّق . لا تغرّني الأسماء كبيرة كانت أم صغيرة . الشعر الشعر وحده يلفتني".


تحدثت نجم في كتابها عن عالم العبقرية الخلاقة في منيف موسى وعن مواهبه المتعددة فهو النحات والشاعر والناقد والعلاّمة واللغوي. وتنقل أبرز ما وصف به موسى على لسان كبار النقاد والشعراء والمفكرين أبرزهم:

الأديب العلامة عبد الله قبرصي الذي وصفه بالعلامة في الأدب. أما الأديب جود بو صوّان فقال: "كنت أظن منيف موسى شاعراً من شعراء الأرض المحتلة فصوته في قصيدته "طفل في قصيدة" يكاد يتجاوز أصوات شعراء فلسطين أنفسهم". والدكتورة نور سلمان إعتبرته من كبار شعراء لبنان والعرب. أما المحامي الدكتور النائب نقولا فتوش فوصفه بفارس الشعر والساحر الناقد.

الكتاب غني بمحتواه ذلك لأن الشاعر المحتفى به غني بفكره وأدبه وشعره. لذا من الصعب إختصاره في صفحات قليلة. لكن ريما نجم حاولت قدر المستطاع الاحاطة بأبرز جوانب حياة هذا الشاعر الأكاديمية والثقافية والشعرية. الكتاب يقع في 503 صفحات من الحجم الكبير. جمعت فيه المحررة بعضاً من محفوظات هذا الشاعر. وقامت بدراسة معمّقة عن مجمل شعره وشخصه من دون الخوض في نتاجه النقدي والنثري لأن ذلك يتطلب دراسة خاصة.

هذا وألقت الضوء على أبرز الندوات واللقاءات وحفلات التكريم التي أقيمت لمنيف موسى في شتى أنحاء الوطن ومنح فيها دروعاً عديدة تقديراً له ولأدبه وشعره. يليها ما قيل في هذه الاحتفالات شهادات بالرجل وشهود .

كما افردت نجم بعض الصفحات لنقل بعض المقابلات الصحافية التي أجريت مع الشاعر منيف موسى .



وأنهت الكتاب ببضع المقالات التي كتبتها عنه خصوصاً أنها ممن تابعوا مسيرة منيف موسى في ندواته وحفلات تكريمه فكانت من أبرز المتكلمين عنه وعن شعره. من هذه المقالات مقالة بعنوان : " أرهقني هذا الشاعر" وعنه تقول: من عادتي حين يستوقفني كتاب أو كاتب، ويتمكن من استدراجي الى عالمه الغرائبي الخاص، أن أسْتَلّ أقرب قلم، لأنقل تفاصيل رحلتي على أقرب ورقة، لأُشركها وقارئيها من ثمُّ، بما اقترف القلب من جمال!

تضيف: غير أنّي مع الدكتور منيف موسى، أو مع (كتاب أميرة) أو ما سبق هذا الإنشاد، أجدني أخرج عن عادتي وعليها، بل أخرج عن طوري... ذلك أنني أمام حالة شعرية مختلفة، جديدة، مباغتة، متداخلة في الزمان والمكان... لا مكان فيها للتدخل الخارجي أو للمداخلات... العطاء الشعري عند منيف موسى جمر مشتعل في حركة الشعر الحديث، وعطاؤه الشعري عبر دواوينه المتلاحقة المتتابعة الصدور، له مذاقه الخاص وسِمَتُه المتفرّدة، له لغة شعرية من الجمال والبهاء لا تختلط بغيرها، تتميّز بمعجمها الشديد الخصوصيّة، ونبضها الحار المنسكب، وإيقاعها الآسر والقوي والمؤَثّر، فللشاعر طقس كامل متكامل لا يمكن تجزيئه أو تبويبه أو تفريعه، اذ تنغلق دائرته الشعرية على شعاعات من شمس الأفق البعيد، نقاربه ولا نصل اليه أبداً، ونغمس فيه الروح والأشواق...

تختم، وللشاعر المنيف أقول:

تغنيـه بــوحا ولا تدّعـي بجـوهر شعر الى الأوسـع

وصلتَ وخيّمتَ ذات شفـقٍ وكان سِـواك يجدّ السعـي

قرأتك والأفق نَبضُ شـعــاع كأن البـلاغة تَلْهَجُ معـي!



في حديث للنشرة مع الدكتورة ريما نجم بجاني قالت:

انا كنت من المشاركين في ندواته ومحاضراته كمتكلمة وكمديرة لمناسباته وهو غزير في نتاجه وتعجبني شخصيته الأدبية ككل كشاعر وأديب وباحث ومرجع لغوي فهو متخصص بشكل عميق في الأمور اللغوية والأدب جمعت كل كتاباته وقدم لي معلومات عنه فرتبتها واعددت لها المدخل المناسب وجمعتها في كتاب.


هل يمكن أن نعتبر أنها بداية الطريق في عالم التأريخ للشعراء والأدباء؟

لا لقد إخترت الشخصية بالصدفة. وأنا أجمع حاليا معلومات عن شخصية أخرى شاركت في كل ندواتها أيضاً وهي الشاعرة باسمة بطولي التي أعتبرها متنبي لبنان ولكن المتنبي على إمرأة وهي إمرأة مثقفة ومتميزة.
وإذا عدت الى مسيرتي أنا متفرغة للأدب منذ حوالى العشر سنوات إنتهيت من الدراسات العليا والدكتوراه وإرتبطت بصداقة بكل الوسط الأدبي والثقافي والفكري والشعري.


ما هي الصعوبات التي إعترضتك في التحضير للكتاب؟
أولاً جمعت الكتابات لإعداد المدخل عن صياغته ولغته والبيان والكثافة في النص. أودعت في الكتاب عن أبرز المتكلمين عنه جزءأً من كتاباتي.
ثانياً إن إختزال شاعر لديه مسيرة أدبية وفكرية كبيرة في صفحات قليلة ليس بالأمر السهل.
ثالثاً لقد قمت بدراسة معمّقة عن الشاعر وجمعت عصارة أفكار كبار. فالأمر أشبه بأنني مجرّة أدبية وهو الكوكب.

ما سبب إختيار هذا العنوان الكلاسيكي؟
الشاعر أحب إختيار العنوان بنفسه. أعددت الكتاب ولكنني كنت منشغلة في التحضير لرسالة الدكتوراه ولكتاب جبران فقررت التأجيل. ولكن الشاعر إستأذنني للاطلاع على الكتاب والاهتمام بطباعته على عاتقه وإختيار العنوان. بينما كتاب جبران الذي سيصدر بعد شهر تقريباً وهي رسالتي الدكتوراه فلقد إخترت له عنوان :" جبران خليل جبران أجراس الثورة وأعراس الحرية ". ودعينا الى الاحتفاء بهذا الكتاب في المركز الثقافي في سن الفيل وضم أكثر من 400 شخص من أصدقاء منيف موسى.



كيف كان الاقبال على شراء الكتاب؟
هذا الكتاب كعادته قدمه موسى تقدمة لأصدقائه وقدّمته بدوري تحية الى ذلك الشاعر الغزير في إنتاجه. قدمت له كل تعبي ومجهودي اليه. أما أنا فأتبع خطاً في طباعة الكتاب في إخراجه وتنسيقه والغلاف والعنوان.

بمن تأثرت من الشعراء ؟
منذ إنخراطي في عالم الأدب قرأت لكثيرين منهم جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، خليل تقي الدين، محمد الماغوط، منيف موسى ، جورج شكور، شوقي خيرالله ، جوزيف حرب ، غادة السمان ، فدوى طوقان ، أدونيس وغيرهم فمكتبتي غنية. لكن في البدايات يتأثر الشاعر ومن بعدها تصبح للشاعر بصمته الخاصة وخصوصيته في الكتابة . لكن محمد الماغوط تأثرت به كثيرا واحسست أنني لا إراديا ألتقي معه فيما يختص بالسخرية من الألم.


الى الى مدرسة أدبية تنتمي ريما نجم؟
كل ما هو جميل أحبه. ولكني تتلمذت على المدرسة الكلاسيكية ولكنني أكتب التفعيلة والشعر الحديث. ولكن كل ما هو جميل يفرض نفسه ، فالشعر كان وزارة إعلام العرب وتاريخهم وحضارتهم وبدأ مع الشعر الكلاسيكي ولكن هذا لا يمنع أن نقدر الشعر الحديث. ففي الشعر الحديث الكثير من القصائد الجميلة والتي تحوي لمعات أدبية تجذب القارىء.

هل يمكن أن تعودي الى عالم الاعلام وتقديم برنامج إعلامي أدبي؟
قدمت في أواخر التسعينيات برنامجاً ثقافياً أدبياً وأجريت مقابلات بعيدة عن المألوف مع الكبار في عالم الأدب منهم الشاعر نزار قباني ومهى بيرقدار الخال وكركلا ومحمد الماغوط ووجيه نحلة وهذا كان على نفقتي الخاصة. كما قدمت برنامجاً آخر إسمه في دائرة الضوء لقناة دبي. وحالياً هناك كلام جدي مع أكثر من محطة حول تقديم برنامج إعلامي في هذه السنة ولكن لا أحد يعرف كيف ستجري الأمور الى خواتيمها.