"لنتذكر"نعيد من خلالها نشر لقاءات ومقالات بقلم الزميلة الراحلة رنا بو رسلان شوي .

قبل عقد من الزمان كانت قضية الاحتباس الحراري وتأثير إرتفاع درجة الحرارة محل جدل واسع في الأوساط العلمية ومسألة تلفها غمامة الأفكار المتوارثة ويتناولها المختصون من منطلق الحدس والتخمين أكثر من عرضه على منهج البحث العلمي الرصين.
واليوم وبعد كل الجهود في بناء النماذج السابقة لا يمكن لباحث رصين أن ينفي ظاهرة إرتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بمعدلات تنذر بخطر ماحق، ما لم يتدارك الانسان الأمر ويولي البيئة الطبيعية عناية تعمل على تجنيبها الأخطار.
وللبنان نصيبه من هذه الظاهرة، ففي كل عام ينتظر كثيرون حلول فصل الشتاء الذي يبشّر بدوره بانهمار الثلوج على أعالي الجبال للإعلان عن بدء سياحة التزلج التي يبتهل لها الصغير والكبير في آن معاً لتمضية العطلة في منطقة فاريا - عيون السيمان كي يمتع نظره برؤية ثوب الثلج الابيض الذي يعكس بالتالي سكينة بيضاء في النفس الانسانية ولكن عدم انهمار الثلوج بشكله المعتاد دق ناقوس الخطر، وفي حال عدم تكرّم الطبيعة علينا بنعمة الثلج الابيض، سيكرّس موسم التزلج هذه السنة بمثابة الكارثة بامتياز.
ولا تقتصر المشكلة على ذلك فحسب فللثلوج فوائد عديدة خصوصاً على شجر الأرز الذي
أدرج مؤخراً من قبل الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة في قائمة الاصناف المهددة بالانقراض، وكل هذا بسبب تضاعف انعكاسات التغير المناخي الذي زاد بدوره التهديدات لمصير شجرة الأرز التي تشكل رمزا للبنان وتتوسط علمه.
وماذا بعد، أين الأمطار... هل ستتراجع اليوم أمام تأثيرات التغيرات المناخية المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة؟ هل سيفتقد لبنان تنوعه البيولوجي الذي يتغني به ؟ هل سيشتاق المزارع اللبناني الى المياه ليروي مزروعاته؟ أسيبقى المواطن اللبناني يتغنى بمناخه المعتدل؟
أسئلة كثيرة يجب أن نبحث لها عن إيجابات وحلول.
"النشرة" وضعت على عاتقها الاجابة عن هذه الأسئلة. فكان لها عدة لقاءات مع خبراء بيئة مختصين في هذا المجال.


وائل حميدان

في البداية تحدثت النشرة عن واقع التغير المناخي وتأثيره على لبنان. فالتقت المدير التنفيذي لرابطة الناشطين المستقلين (indyact) وائل حميدان الذي قال: "من المتوقع أن يزيد التغير المناخي من حرارة لبنان ، وحسب الدراسات هناك إحتمال كبير أن يتحول مناخ لبنان من المعتدل الى الصحراوي ولكن هذا على المدى البعيد".
أما على المدى القريب فهناك تغيرات كبرى في توزيع الثلوج والأمطار وتوقيتها. فكما نرى سنشهد أيام تتساقط فيها الأمطار بشكل كبير (كالأمطار الاستوائية) تليها فترات جفاف طويلة". أضاف: "هذا يؤثر بدوره على التربة فيؤدي الى إنجرافها بفعل تساقط الأمطار الشديد، أو جفافها بسبب إرتفاع الحرارة".

بيروت تغرق من ينقذها؟؟

يشير حميدان الى أن إرتفاع منسوب المياه بشكل كبير بسبب ذوبان الجليد في غرينلاند والقطب الجنوبي سيؤثر بدوره على لبنان. ويقول في هذا الصدد: "العالم حالياً يسير في أسوء سيناريو للتغير المناخي. المياه ستتوسع بفعل الحرارة المرتفعة وستزداد بسبب ذوبان الجليد وهذا بدوره سيؤدي الى غرق العديد من الجزر (مالديف ، بهاماس،....) والدول".
يضيف: "أما على صعيد لبنان فبيروت من العواصم التي سيتعرض جزء كبير منها الى الغرق ولكن تدريجياً وببطء شديد".
يتابع: "في السابق غرقت بيروت بسبب الهزات الأرضية والزلازل، ولكن اليوم أضيف سبب آخر يجعل إحتمال غرق بيروت ممكننا ألا وهو التغير المناخي. ولكن هذا سبب يمكن التحكم به وإيقافه لأن الانسان هو المؤثر الأساسي فيه".
وختم حميدان حديثه: "لا بد أن تتظافر الجهود من أجل تخفيض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، الناجمة عن حرق النفط والفحم، والمسببة لمشكلة تغير المناخ".

سوسن بو فخر الدين

أما مديرة جمعية الثروة الحرجية والتنمية (AFDC) سوسن بو فخر الدين فأشادت في البداية بالمشاريع التي طرحها رئيس الحكومة سعد الحريري في قمة كوبنهاغن والتي تتمثل بـ:
1- مشروع حصاد المياه ( تجمع مياه الشتاء والحؤول دون هدرها)
2- مشروع دعم القطاع الزراعي
3- تغيير اسطول نقل الأجرة (طاقة بديلة)
4- مشروع توليد الطاقة بالهواء

وقالت بوفخر الدين هذه المشاريع إذا طبقت وموّلت بالشكل اللازم ستنخفض الانبعاثات الى 12 أو 15 % من الآن الى عام 2020، هذا على الصعيد المحلي. أما على الصعيد العالمي فنحن بإنتظار القمة الجديدة في المكسيك.

موجة حرائق تجتاح لبنان


كما حذرت بوفخر الدين من التغير المناخي بالقول: " الحرارة تزداد بنسبة درجتين في العالم وهذه نسبة عالية ولها آثار سلبية. لذا سنشهد في لبنان أشهر جفاف إضافية وشح في المياه. هذا بالاضافة الى أن عدد الحرائق سيزداد وسنجد صعوبة في إعادة تأهيل الغابات".
أضافت: " هذا بدوره سيؤثر على التنوع البيولوجي لأن هناك نباتات معتادة على طقس معين، لذا سنشهد إنقراضاً في بعض أنواع النباتات والأشجار. مثلاً هناك إحتمال كبير لإنقراض شجرة اللزاب".
تابعت:" كما سنشهد تغير في توزيع الغطاء الحرجي وفي نوعية هذا الغطاء حيث ستظهر أنواع جديدة من النباتات تتأقلم مع التغير المناخي الحاصل".
وختمت: كل هذا سيؤثر إقتصادياً على لبنان إذ تعتاش مئات العائلات من الزراعة وأخشاب الغابات. فضلاً عن تأثر لبنان سياحياً وبيئياً.

شجر الأرز في طريق الزوال

رغم صمود اشجار الارز الشامخة في لبنان قرونا عديدة فإن انعكاسات التغير المناخي تضاعف التهديدات لمصير الشجرة التي تشكل رمزا للبنان وتتوسط علمه. فعلى ممر التاريخ اقتطعت مختلف الحضارات اشجارا من ارز لبنان بسبب صلابة خشبه. وحاليا ادرج الاتحاد الدولي للمحافظة على البيئة ارز لبنان في قائمة الاصناف المهددة بالانقراض .

نزار هاني

يقول المنسق العلمي "لمحمية ارز الشوف الطبيعية" نزار هاني: "كفانا حديثا عن ضرورة المحافظة على اشجار الارز، آن اوان العمل. علينا ان نحافظ على هذه الاشجار الآن".
ويضيف منسق المحمية التي تقع في اعالي جبال الشوف (جنوب شرق بيروت) "تشير كل الدلائل الى ان استمرار التغير المناخي قد يفاقم الخطر على شجر الارز".

ويصنف هاني هذه المشكلة ضمن ثلاثة عناوين رئيسية هي:
1- تراجع التكاثر الطبيعي للغابات وخصوصاً الأرز
تحتاج بذور الأرز للعيش من شهرين الى ثلاثة شهور (ك1، ك2، شباط) تحت طبقة من الثلج. فاذا لم يكن هناك مزيج من الامطار والثلوج والجليد لعدة ايام متتالية، فإن بذور الارز لن تتناثر على الارض، لأن هذه البذور تحتاج الى مناخ بارد حتى تنبت. ولكن في ظل إرتفاع درجة الحرارة وارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري سيتراجع تكاثرالغابات وخصوصاً شجر الأرز.

2- نشاط الحشرات سيتكاثر
يعتبر الجفاف من ابرز اسباب انتشار حشرة الارز المنشارية لأن ارتفاع الحرارة يساعد على تكاثرها. وقد اجتاحت هذه الحشرة محمية ارز تنورين منذ عدة سنوات، وفي هذا الاطار يشير هاني إلى أنّ "هذه الحشرة تعيش مع شجر الارز في البيئة نفسها. لكن الطقس الحار يدفعها الى التكاثر ثلاث مرات سنويًا بدل مرة واحدة ".

3- هجرة الأنواع الى الأعلى
يؤكد هاني أنه على المدى البعيد سنشاهد ما يسمى بهجرة الأنواع الى الأعلى حيث ستهجر أشجار الأرز من 1800 متر الى 2000 متر كي تلحق درجة الرطوبة التي تناسبها. فالثلج ضروري جدا لاشجار الارز الدائمة الخضرة التي تعيش على ارتفاع يتراوح بين 1200 و1800 متر عن سطح البحر. لكن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة تدفع الغطاﺀ النباتي باتجاه الاماكن الاكثر ارتفاعا بحثا عن الرطوبة.

من جهة أخرى ، أبدى هاني بعض التفاؤل البعيد المدى حيث قال: "شجر الأرز لديه تنوع جيني غني جداً فبعد عوارض التغير المناخي من الممكن أن تتأقلم هذه الأشجار مع هذه التغيرات ولكن هذا على المدى البعيد".
ويختم هاني "شجر الارز جزء لا يتجزأ من ثقافتنا وتراثنا، لذا يجب أن نحافظ عليه باعادة التشجير وبناء خزانات المياه وتوعية الناس".
يضيف :"بما ان غابات الارز اصبحت محميات، فإن رسالتنا الوحيدة حاليا هي في تكثيف جهود المحافظة عليها".

يبقى القول أن التغير المناخي كارثة حلّت بالعالم لذا يجدر بنا القيام بثورة بيئية عالمية ولبنانية عاجلة نتحد بها ونعيد للطبيعة توازنها ونحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي .