أربعون ليلة مرت على غياب الشحرورة صباح حلوة لبنان، ولا يزال خبر موتها مرفوضاً، أربعون صباح بلا صباح وما تزال شمسها مشرقة ، أربعون يوماً على غياب ضحكة لبنان وشمسها ما تزال ساطعة .


في الأمس القريب إنتشر خبر وفاتها ولأول مرة نعشق الاشاعات وتمنينا لو ان هذا الخبر من الشائعات الكثيرة التي سبقت موتها الفعلي، وهذا الامس اصبح أربعين أمساً وصباح نائمة في تراب الوطن، دافئة هانئة مستلقية مرتاحة من أعباء الحياة وألم المرض وتعب الشيخوخة.
صباح حلوة لبنان التي لا تشيخ ما يزال أوفها الصداح يصدح في اذاننا، وما زلنا نردد اغنياتها في كل حالاتنا النفسية والمرضية والعاطفية والانسانية.

صباح حبيبة القلوب من البداية الى النهاية، ولكن معها لا للنهايات، فأغنياتها الجميلة تنعش القلب وترد الروح "يا حبيب القلب"، "يانا يانا"، "جيب المجوز"،"عاشقة وغلبانة"، "ساعات ساعات"، "عالندى الندى الندى"، "زي القمر"، "زقفة زقفة يا شباب"، "شو اسمك"، "قالولي شايف حالك"، "يا حبيبي يا حياتي"، "كلام كلام" ، "حب مرتك بس" وغيرها من الاغنيات التي رافقت العشاق والمغرومين.
تلك الفتاة الصغيرة جانيت فغالي التي انطلقت من لبنان الى مصر وكل العالم استطاعت ان تلفت الانظار بموهبتها وبصوتها المتفرد، هي صاحبة "القلب له واحد" الا قلبها فيعشقه الملايين.


من أربعين أمساً أقيم لها مأتم أسطوري كيف لا وهي أسطورة لبنان، وفي الأمس ما بعد الأربعين أقيم لها جناز حضره جمع غفير من العائلة والاقارب والاهل ومحبي الصبوحة وابناء ضيعتها بدادون، قبرها في بدادون ما يزال مزداناً بالزهور الحمراء والبيضاء والملونة وما يزال محبوها يتقاطرون الى قبرها للصلاة على راحة نفسها ولوضع الورود امام بابه ولتحيتها.

لم يحب أحدٌ الحياة كما احبتها صباح، ولم تحب الحياة أحداً كما احبت صباح فكان حبهما متبادلاً لدرجة كبيرة، لدرجة انها وعلى الرغم من الشيخوخة رفضت الحياة زيادة الالم على الشحرورة التي توفيت هانئة في سريرها وعلى فراشها، صباح تلقت خيبات كبيرة وكثيرة من كثيرين مروا في حياتها وبإعترافاتها هي وفي اكثر من مقابلة، ولعل تصريح "أنا مدام بنك" الذي رددته مراراً وتكراراً، كافٍ لتلخيص هذه المعاناة.
صباح رحلت الى المكان الاكثر أمناً وأماناً، الى الاستراحة الابدية والمكان الاجمل، رحلت الى جوار ربها حيث الفرح والسكون الدائمين، تاركة وراءها إرثاً فنياً كبيراً ومحبة تفوق التصور. وها هي روحها تطوف في أرجاء بدادون وصوتها الجميل وأوفها الرنانة يصدحون من وديان وادي شحرور وكل لبنان،عادت لتوفي ذلك الندر التي قطعته بصوتها "راجعة عمّر أوضة صغيرة راجعة بوّس كل الجيرة راجعة اعمل فرحة كبيرة وقطف وردك يا جنينتنا"، ها هي صباح راقدة في تلك الاوضة،الى جانب والدها ووالدتها وأشقائها وعائلتها تقص لهم أخبار نجاحاتها الكبيرة،وتقطف معهم ورود حديقتها وتقيم معهم مهرجان المحبة التي لا تنضب.صباح عادت الى مطرح ما شافت النور نام وغنت لحبيبها وطير رفوف الحمام،راجعة تزلغط وتخلي هالدني تزلغط معها وترفع قواس النصر بارض السلام.