وقَّعت الشاعرة ندى أنسي الحاج، مجموعتها الشعرية العاشرة بعنوان "خطوات من ريش"، الصادرة عن دار المتوسط - إيطاليا، مساء الخميس 7 آذار، ضمن فعاليات المهرجان اللبناني للكتاب في الحركة الثقافية أنطلياس-السنة 41، وسط حضور كثيف من أهل الأدب والمسرح والسينما والفنون التشكيلية ومتذوقي الشعر.
موقع "الفن" إلتقى الشاعرة ندى الحاج، وكان لنا معها هذا الحوار.

أطلعينا أكثر على مضمون "خطوات من ريش".

الكتاب هو تكملة لمشواري الشعري، الذي يتابع مسيرتي بدءاً من أول كتاب نشرته عام 1988 "صلاة في الريح"، وصولاً إلى كتابي العاشر. هو خط واحد، من يتبعه يدرك أن هناك مساراً روحانياً، وهذا ما أعبّر عنه بطريقة داخلية، بأبسط الطرق المعقولة حتى يصل إلى الجميع. وما يعنيني، هو أن يتلقى القارئ الشعر كما هو مقصود، فالمضمون والأسلوب واحد، وهما موجودان في ذاتي، وأعبّر عنهما. الشعر هو فسحة الهواء والحياة، التي تسمح لي بأن أكتشف نفسي، وأكتشف الحياة والكون من حولي، وهذا ما يصل من خلال تفاعلي مع الآخر. لا يستطيع الإنسان أن يعيش منعزلاً، عليه أن يعيش التجربة النابضة، التي تتحول داخله مثل المختبر إلى القصيدة.

أنت تؤمنين بأن الحب هو الحياة، ماذا يخسر من لا يعرف الحب؟

لا أعتقد أن أحداً يعيش من دون حب، ولا أقصد فقط الحب بين رجل وإمرأة، فكل إنسان يعيش هذه الحالة، حتى لو لم تتجسد. أغرف الحب من نبع لا ينضب، فأنا أحب بكل حواسي، ولا أحد يأخذ معه شيئاً عند ساعة الموت، سوى الحب الذي في داخله، والذي أعطاه للآخر. أنا أومن بالحب المجاني، وهو لا يأخذ وجهاً واحداً كما يُحتفل به في 14 شباط، فالحب أعظم من ذلك، وحين أمشي في الطبيعة، أشعر أن الشجرة التي أتعاطى معها بحب، تعطيني وأعطيها، وهي تشهد على خطواتي، وعلى أحاسيسي، وكلامي عن الحب ليس نظرياً أو أفلاطونياً.

قدمتِ قصائد كثيرة للبنان، ماذا قدّم لك الوطن بالمقابل؟

لبنان أعطاني الأرض حيث ولدت، أما الوطن والمواطنة، فلا أدري ماذا قدما لي. أنا إبنة الحرب، وعشتها منذ عام 1975، واليوم نعيش الحرب بطريقة مختلفة، ولهذا السبب أستطيع أن أفهم الظلم والألم، اللذين تعاني منهما الشعوب المضطهدة والبلدان المحتلة، وما نشهده اليوم في غـز ة، أشعر به كلبنانية تألمت خلال الحرب، وقادرة على أن أتعاطف معهم أكثر من الشعوب التي لم تعرف الحرب. لبنان قلب العالم فيه طاقة لا تشبه طاقة أي بلد آخر، وهناك شيء مغروس في هذا البلد، أتمنى أن نسترجعه، وأن نحافظ على ما تبقى من هذه الشعلة. لا زلنا نرى الناس يأتون لشراء كتب شعر ليقرأوا، ويؤمنون بوجود فكر في البلد، وما زلت أملك الأمل، وما من ظلم يدوم إلى الأبد. أتمنى أن تعود الأجيال الشابة التي هاجرت، لتغرف من هذه الشعلة، عوضاً من أن يبقى المهاجرون في الخارج. البلد في الوقت الحاضر لا يشبهنا، ولا يشبه لبنان الذي عرفناه، لبنان الفكر والإشعاع الثقافي، وصودف أنني عشت مع والدين يتعاطيان الشعر والأدب والمسرح، وكنت شاهدة على الإشعاع الثقافي قبل الحرب، وطالما نحن أحياء، وكلما أراد أحدهم أن يقدم شيئاً، فليقدمه بإيمان، لأنه في حال يئس الإنسان لا ينجز شيئاً، وعلى الجميع أن يقدم ما يقدر أن يقدمه.

لفتنيما قلته عن الإيمان، كيف تصفين علاقتك بالخالق؟

أنا​​​​​​​ مؤمنة بشكل عميق جداً، ومنذ طفولتي قاربت الإيما​​​​​​​ن بشكل فطري وعفوي، وأؤمن بوجود خالق موجود بقوة في حياتي وفي الكون، رغم الوجع والظلم اللذين يحيطان بهذا الكون، والأسئلة الوجودية التي يطرحها الإنسان هي مشروعة، لكنني في العمق أعرف أنني أسلّم ذاتي للرب بكل أموري، أنا أغرف منه، وهو يعطيني، وحياتي شاهدة على ذلك، وهذا ليس مجرد كلام، وإيماني كبير لا يتزعزع، وأعتقد أن المقربين مني يدركون هذا الأمر، ويغرفون مني.

إذاً الخالق هو النبع الذي تغرفين منه؟

صحيح، والحوار معك حفّزني على قول هذا الأمر، وأرغب بأن أؤكد أن الإيمان عندي ليس تديّناً، وأنا منفتحة على كل الأديان، وتكونت في داخلي خلاصة مهمة، هي أن الله واحد، والأنبياء جاؤوا إلى الأرض في الوقت المناسب، كي يعطوا الرسالة التي جاؤوا من أجلها، وروحانيتي هي التي تطبع إيماني، وقلبي يتسع لكل الإيمان الموجود على الأرض.


هل عشت صراعاً في داخلكِ بين الشعر والتمثيل؟

كان إختيار الشعر تلقائياً، وأول مرة كتبت فيها كنت في السابعة من عمري، كان حينها نصاً ماورائياً عن الموت، فإندهش والدي، وإعتقد أنني فعلت ذلك بتأثير من والدتي. أنا أعتقد أن كل إنسان يخلق يملك وزنات، وكل الذين يحبون الكتابة يحاولون. بالنسبة لي، الكتابة هي حياتي، ولا أستطيع العيش من دون كتابة الشعر، فهو الخيط الذي أعبّر من خلاله عن حياتي، كما كنت أحضر التدريبات على المسرحيات التي شاركت بها والدتي، وكنت أحفظ الحوارات، وكنت متأثرة بهذا المجال، ومثلت مع الكاتب والمخرج ريمون جبارة، لكني إبتعدت لاحقاً عند وقوع الحرب وتكرست للشعر والعمل في الصحافة الثقافية. أحب المسرح، وأحب أن أقرا شعري على المسرح، حيث أشعر أنني في مكاني.

ما رأيكِ بتكريم مسرح مونو للمخرج ريمون جبا​​​​​​​رة، من خلال إعادة عرض أربع مسرحيات له؟​​​​​​​

ريمون جبارة كان صديقاً مقرباً من والدي، وأحبه كثيراً على الصعيد الإنساني، وكنت أتمنى​​​​​​​ أن أكمل معه في التمثيل، فهو إنسان عبقري لا يتكرر، كان يكتب مسرحياته، أو يقتبس، ويدير الممثل، ويملك حس الخشبة كونه كان ممثلاً من جيل أنطوان كرباج ورضى خوري، كنت أشاهدهم أثناء التدريبات. سأحضر المسرحيات في مونو، وأتذكر مسرح ريمون جبارة من جديد، وأهنئ الأجيال الجديدة التي تعمل على نصوصه، وأشجعها على تقديم إضافة، لأنه لا يجب أن نكتفي بتكريم الكبار الذين رحلوا، بل علينا أن نكمل، ونستفيد من تجاربهم.

ذكرتِ سابقاً أنكِ تطمحين إلى أن يكون هناك مكان يحمل إسم والدكِ الشاعر الراحل أنسي الحاج، لماذا لم يتحقق هذا الأمر بعد؟

منذ وفاة والدي، وعدته بأن أقيم له مكاناً لتكريمه، فقمت بجولة على كل المسؤولين الرسميين لشرح وجهة نظري، على أمل أن يقدموا لي مكاناً، فلم ألقَ تجاوباً، بالرغم من تأييد الفكرة، وذلك لعدم توافر الإمكانات، وكل ما طلبته هو 100 م2 لا أكثر، لوضع مكتبه، وأغراضه الشخصية، ولوحاته ومكتبته، ولإقامة نشاطات. لا نملك بيتاً، وبيت أهلي كان بالإيجار، وطُلب منا تسليمه، وأرغمنا على رفع أشياء من مكتبة والدي، ووضعناها في بيت شقيقي، حتى نتمكن من إيجاد الحل المناسب. أما بالنسبة لمؤسسة أنسي الحاج، فأنا أعمل فيها لوحدي، وأعيد نشر كتبه، وقد صدرت عن دار المتوسط العام الماضي في ذكرى غيابه التاسعة، أعمال شعرية كاملة، أصدرتها في كتاب واحد. أتمنى في ذكرى غيابه المقبلة في شهر شباط، أن نصدر عن نفس الدار، مجموعة "خواتم" بالجزأين الأول والثاني، اللذين صدرا سابقاً، و"خواتم 3" التي جمعتها من مقالته التي كُتبت في آخر ست سنوات من حياته، و"كلمات كلمات كلمات" بثلاثة أجزاء، التي صدرت عن دار النهار بين الستينيات والثمانينيات، وهي تشهد على حقبة كاملة من لبنان، وصولاً إلى وقوع الحرب اللبنانية والسنوات العشر بعدها، ومن المهم أن يطلع عليها الجيل الجديد، مع العلم أن أنسي الحاج لم يهتم يوماً بالتكريمات ولا بالأوسمة، كان المهم بالنسبة له أن تُقرأ كتاباته.