فريدة مظهر، أو كما ناداها الأجانب little egypt، وللذين إعتبروا أنها تحمل برقصها وحركاتها وتمايلها مصر بأكملها، لم يعرف حتى الآن ما إذا كانت حقيقة أم أسطورة!! الفاتنة التي كانت محط جاذبية كبيرة في مهرجان شيكاغو العالمي عام 1893، والتي فتنت الجمهور الأميركي، لا يوجد أي دليل مادي وملموس في وقتنا الحالي يؤكد تواجدها فعلاً، كل ما نملكه هو وصف كتاب ومؤرخين عاشت الراقصة السورية الأصل في مخيلتهم. فمن هي فريدة مظهر؟ كيف تحولت لـ little egypt؟ وهل تواجدت فعلاً؟

حياتها

فريدة مظهر أو فهريدا مزار سبايروبولس، راقصة مصرية من أصل سوري، ولدت عام 1871 في سوريا وتوفيت في 5 أبريل/ نيسان 1937 في شيكاغو في الولايات المتحدة، وكانت تطلق على نفسها إسم فاطمة عندما كانت ترقص في شارع "محمد علي" في القاهرة وأعجب بها الكاتب الاميركي مارك توين.
سافرت إل الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في مهرجان شيكاغو العالمي عام 1893 مع فرقتها وعدد كبير من المصريين، حين قررت أن تستقر فيها، وأن لا تعود إلى مصر، خصوصاً بعد الحالة التي أحدثتها في أميركا، وفرقة little egypt التي أسستها برفقة عائشة وهبة، وإسمها الحقيقي كاثرين ديفن ولدت في سنة 1871 في مدينة مونتريال في كندا وتوفيت في 3 يناير/ كانون الثاني 1903 في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة وكانت تؤدي عروض التعري في 1896، وفاطمة جميلي توفيت في 14 مارس/ آذار 1921 كان لها عروض في شيكاغو.

سفرها إلى شيكاغو

ليتل إيجيبت، شكلت محط إنجذاب كبير في مهرجان شيكاغو العالمي عام 1893 وفتنت الجمهور الأميركي بركاتها الراقصة، التي إعتبرها بعد المتزمتين إيحاءات جنسية وخلاعية، مثيرة للإستفزاز، وسرعان ما بدأ ينتشر سيطها ويتوسع، وإنتشرت معها العديد من الفنون المصرية، وخاصة الصور الترفيهية والتجارية التي تصور العالم الشرقي، ومنها المشهد المذهل للأهرامات القديمة وصور النساء ورقصة الثعبان واللمحات الصوفية ودخان النرجيلة، وكتبت مجلة National Geographic عن قصة فريدة مظهر ورقصها.
الباحثة دونا كرلتن درست شخصية ليتل إيجيبت، وبعد البحث، إكتشفت انه من المعقول أن تكون قصتها كاملة مجرد لبس، وأسطورة لا حقيقة لها، وقالت في كتابها: "فوجئت حين علمت أن ليتل إيجيبت وارتباط اسمها بذلك المعرض الشهير، ما هما إلا أسطورة شعبية غالباً ما رددها الأمريكيون، شأنها في ذلك شأن سائر القصص عنها. على سبيل المثال، لم يصب مارك توين بنوبة قلبية عندما رآها، مع العلم أن أحد الأفلام الوثائقية التي وثقت لفرقة "آلهة الحب" قالت إن توين كاد أن يصاب بأزمة قلبية عند مشاهدته الراقصة تتمايل أمامه. ولم يصورها توماس إديسون. ما من دليل معاصر واحد، أو مقال في صحيفة، صور، أو إعلان، أو كتاب تذكارات يعود إلى العام 1893، يثبت أن "ليتل إيجيبت" رقصت في المعرض العالمي في شيكاغو. فمن غير المعقول أنها كانت نجمة المعرض، كما أوحي إلينا، ولا تنشر لها الصور ويروج لعرضها. اللافت أن القصص كافة التي تربطها بذلك المعرض تعود إلى ما بعد هذا الحدث العالمي بسنوات. بناء عليه، فإن "ليتل إيجيبت" هي صورة أيقونة، بحسب جان بودريارد، تختصر خيالاً محدداً عن النساء، والرقص والشرق الأوسط والمهرجانات العالمية".

مهرجان شيكاغو العالمي

بالعودة إلى أرشيف بعض المجلات، نجد مقال يحمل عنوان "إكتشاف أوروبا لرقص الشرقي"، ويتحدث هذا المقال عن رواية بعنوان نانا عام 1880 تحدث فيها الكاتب عن "رقص البطن"، وهو التعبير الذي ترجم بعد ذلك للغة الإنجليزية، وقد قصد فيه الرقص الشرقي، وهو الإسم الذي أطلق على رقص النساء العربيات، وقرروا إستخدام كلمة "ليتل إيجيبت" لكل سيدة ترقص "رقص البطن" وقدمت هذه النساء عروضها في موقع مخصص لشارع صورة الحياة في القاهرة، وكان قد سبق تقديم هذه العرض قبل أربعة أعوام من ذلك التاريخ، في معرض عالمي في باريس ولاقى نجاحاً كبيراً.

فرقة ليتل إيجيبت​​​​​​​

أول تسجيل مرئي لسيدة وهي ترقص الرقص الشرقي سجله أديسون عام 1896 لسيدة تدعى فاطمة جميل، وكان أول عرض لها في معرض شيكاغو العالمي، وبحسب المعلومات فإن فاطمة جميل هي حلبية من سوريا، ولدت عام 1871، وإنتقلت إلى مصر عام 1890، ووجدت نفسها منغمسة في العالم الواسع للرقص الشرقي.
أثناء وجودها في القاهرة، تعرفت فاطمة على فريدة مظهر، وعملتا على تطوير نفسهما في الرقص سوياً، فريدة تعرفت إلى رجل يوناني فأحبها وأحبته وتزوجا وحملت اسمه، فصارت "فريدة مزار سبايروبوليس"، وهو من أقنعها بالذهاب إلى العالم الجديد لتقديم شغفها في مسرح.
قرر الراقصتان حينها السفر إلى شيكاغو، حيث تعرفتا إلى فتاة كندية إسمها كاثرين ديفين والتي إنهوست بالرقص الشرقي، فتعلمته وغيرت إسمها إلى عائشة وهبة، وكونت الراقصات الثلاثة فرقة إسمها "little egypt" ستوحاً من الإسم الذي أطلق على فريدة، وتنقلت عروض الفرقة في أميركا.
وبحسب الكاتبة شذى يحيى فإن وصف little egypt بأميركا، كان يعني "امرأة حسناء قسماتها عربية، عيناها سوداوان واسعتان وبشرتها بلون الحنطة، ولها شعر غجري داكن، تتلوى نصف عارية مستعرضة جسدها الملفوف رغم ميله للاكتناز، وتهز ردفيها الفخيمين بحركات أفعوانية خليعة تثير الشهوات وتدغدغ الغرائز أثناء تمايلها الماجن على إيقاع الآلات الشرقية التي تعزف لحنا صاخباً".
وبالرواية نفسها، تقول الكاتبة أنه تم تنظيم مسابقة لإرسال راقصة مميزة إلى معرض شيكاغو، وقد تقدم فريدة مظهر إلى المسابقة وقبلت، ومن دون تقديم أي مراجع ومصادر، تقول كاتبة مجلة الهلال، إن فريدة تقدمت للمسابقة وقبلت، ووافقت فعلاً على السفر لشيكاغو، وهكذا تكون لدى فريق من الراقصات: "فاطمة الحوري، فاطمة الحصرية، هانم، أمينة إبراهيم، سعيدة محمد، صديقة، نبوية، فهيمة، زكية، ماريتا، حسنية"، وبطلة عرضه فريدة مظهر التي أفردت لها رقصة خاصة بعنوان "فاتيما الجزائرية قادمة إليكم من المغرب".
وبعد نجاح الفرقة، إنفصلت فريدة عن الفرقة في نيويورك بعدما تلقت عرضاً للرقص في كازينو كبير هناك، لكن هذا لم يستمر طويلاً حيث ثار بعض المحافظين، وأبلغوا الشرطة التي هاجمت الملهى فاضطرت فريدة لمغادرة نيويورك عائدة إلى شيكاغو، خصوصاً بعد رفضها عرضاً من متحف نيويورك لتؤدي "رقصة النحلة"، فتعاقد المتحف مع راقصة كندية، ورقصت مدعية أنها هي نفسها "ليتل إيجبت".
وبعد حفلة توديع عذوبية أقامها اثنان من أثرياء نيويورك، هما الأخوان بارنوم سيلي عام 1896، إحتل إسم ليتل إيجيبت الصفحة الرابعة في صحيفة أميركية، وكانا قد إستعانا بخدمات كاثرين ديفين، منتحلة لقب "ليتل ايجبت"، وأدت رقصاً خليعاً، ونالت شهرة ووسعة كما قامت ببطولة مسرحية بعنوان "مصر الصغيرة.. حفلة عشاء آل سيللي"، كما واصلت الرقص الخليع في أماكن عديدة،فتشجعت نساء أخريات على انتحال اسم "مصر الصغيرة"، أما فريدة فكانت قد استقرت في شيكاغو وتزوجت من صاحب مطعم يوناني يدعى اندرياس سبيروبولس ـ واضطرت أن تقيم دعوى قضائية ضد كاثرين، وتنشر تكذيبات في الصحف.


​​​​​​​عام 1908، وجت كاثرين متوفاة ومختنقة بالغاز، وتركت وراءها إرث مادي كبير جمعته من الرقص الخليع، أما فريدة مظهر فلم يذكر إسمها مرة أخرى، إلا في العام 1936، في أوراق دعوى قضائية رفعتها ضد شركة "مترو غولدن ماير"، منتجة فيلم "زيجفيلد العظيم"، والذي ظهرت فيه شخصية "ليتل إيجيبت" بشكل لم تره فريدة يليق بها. وكتب في أوراق الدعوى أن الشركة لم تحصل على تصريح منها بصفتها "ليتل إيجيبت الأصلية" من معرض 1893، وأنها لم ترتد يوماً الملابس التي ارتدتها الممثلة التي قامت بالدور ولا قامت بالحركات التي قامت بها، لكن الدعوى لم تكتمل نظراً لوفاة فريدة العام 1937. وبوفاتها فُتح الباب على مصراعيه لترسيخ الصورة النمطية عن الرقص الشرقي في الذهن الجمعي الأميركي، وتصدر إسمها عنواين الصحف، كما يقال أنه تم تشيعها لمثواها الأخير ​​​​​​​بجنازة صامتة لم يصدر فيها أي صوت.

فيلم عن قصتها

عام 1951، تم إنتاج أول فيلم عن قصة حياة فريدة مظهر، وحمل إسم "little egypt"، وتدور أحداثه في قالب من الدراما حول راقصة شرقية، تتسبب فى فضيحة كبيرة من جراء رقصها المثير للغرائز والمحرض على الفسوق، وذلك في أحد المعارض الدولية.
الفيلم كان من إخراج فريدريك دي كوردوفا، ﺗﺄﻟﻴﻒ أوسكار برودني، وبطولة روندا فليمنج، هارولد ميللر، تشارلز دريك، بريدجيت كار، ستيفن جيراي وميدج وير.

​​​​​​​