قصائده أقوى من أن يطويها الزمان ويغمرها النسيان، لأنها مغمسة بأحاسيسه العميقة والصادقة، فالكلمة عنده لها سحرها الخاص، وهو من جعل لها مكانة مرموقة في حياته، وكتبها بحب وبنبضة قلب، فوصلت وبكل شفافية، إلى الملايين من اللبنانيين، ومحبي الكلمة الراقية في الدول العربية والعالم.
كتب الكثير في الوطن والإنسان والحب، ومع كل قصيدة كتبها، رسم لنا صورة جميلة، حتى ولو كانت قصيدته حزينة أحياناً، فالإبداع هو أيضاً من أجمل الصور.
كم هم محظوظون الفنانون الذين كانت لهم الفرصة بأن يغنوا قصائده، فوقع الأغنيات التي كتب كلماتها، لا زال كبيراً جداً، رغم أن الكثير من هذه الأغنيات مر على إطلاقها سنوات وسنوات.
"كيف بتعبد عني وبعدك ساكن فيي كيف"، نعم إنها "كيف" أغنية الموسيقار ملحم بركات، وكل أغنيات مسرحيته "ومشيت بطريقي"، التي حملت توقيع البروفيسور الشاعر ميشال جحا، أما سلطان الطرب جورج وسوف فلا زلنا نغني معه منذ سنوات كثيرة "روحي يا نسمة عند الحبايب" لحن نور الملاح، أما ديو "مين حبيبي أنا" للفنانين وائل كفوري ونوال الزغبي، لحن جوزيف جحا، فمن منا لا يعرفه؟
وديع الصافي، سعاد محمد، نجاح سلام، زكي ناصيف، صباح، سامية كنعان، لطفي بوشناق، وليد توفيق، ميشلين خليفة، ماجدة الرومي، نبيل شعيل، غسان صليبا، مي بيلوني، ربيع الخولي، مها الريم، نجوى كرم، نانسي عجرم، رامي عياش.. اللائحة تطول بأسماء الفنانين، والتوقيع واحد، البروفيسور الشاعر ميشال جحا الذي كرمه نادي الشرق لحوار الحضارات، برئاسة الإعلامي الدكتور إيلي السرغاني، وبرعاية وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، في حفل كبير على مسرح قصر الأونيسكو في بيروت، بحضور عدد كبير من أهل الفكر والقلم والفن والإعلام والسياسة.
ولأن البروفيسور ميشال جحا هو قيمة أدبية كبيرة، اضطررنا إلى تقسيم تغطيتنا للحدث إلى قسمين، ننشر لكم اليوم القسم الأول منها.

قدمت الحفل الشاعرة والإعلامية إيناس مخايل، وألقى كلمة وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، المحامي زياد بيضون الذي مثّله في الحفل، وقال: "نلتقي اليوم بمناسبة تكريم كبير من لبنان، له في أعناقنا جميعاً كم كبير من الحب، الذي بثه فينا شعراً وغناءً وأدباً وتواضعاً، وهو القائل إنه قد أعطى كل إنسان حقه، ولم يبخس أحداً حقه، فأقل الواجب علينا أن نعطيه حقه المستحق بهذا التكريم وبهذا الحضور، الذي يُظهر تنوعه وحجمه، تنوع وكبر وتألق ميشال جحا".
وأضاف: "ماذا أقول في شاعرنا الكبير ميشال جحا؟ لقد وجدت أن أنسب قولٍ فيه، هو أنه الشاعر الإنسان، الشاعر المليء بالأخلاق، الشاعر العابر لكل الإختلافات والتناقضات، فمن قال يوماً بعشقه للإمام الحسين والإمام علي عليهما السلام، رغم كونه مسيحياً وليس مسلماً، هو إنسان مليء بالإنسانية وبفهم الحق ورفض الباطل".
وتابع: "شاعرنا الحبيب لك منا كل الحب والوفاء، ونحن نشعر بالتقصير أمام عظيم ما قدمتم لنا، وعسى أن يكون التكريم اليوم، عربون تقدير أردناه بحياتكم، لنكبر به ونكبر بحضورك بيننا. "أنت دهبنا اللي بيضلو دهب، وكل اللي بيشوفك بحبك"، لك ولعائلتك الصغيرة ولعائلتك الكبيرة كل الإحترام والتقدير".

وزير الإعلام زياد مكاري كانت له كلمة مصورة، تمنى خلالها لو كان حاضراً في هذا الحفل ليتعرف أكثر على الشاعر ميشال جحا، الذي ترجمت أشعاره إلى عدة لغات، بكلمات عامية أو بالفصحى تدخل إلى القلب والوجدان.
وأضاف: "الشاعر الذي غنى له الكبير ملحم بركات، رئيس تحرير مجلة "ألو بيروت"، والأهم والأعز إلى قلبه، ما قدم لإذاعة لبنان من برامج ثقافية، منها مع شاعر بصوته، شاعر يقرأ لشاعر وغيرهما".
وختم مكاري: "الحديث لا ينتهي عن الشاعر ميشال جحا، الذي مسيرته مليئة بالنجاحات الثقافية والشعرية والتعليمية، هذه مدرسة ميشال جحا، واللقاء القريب معه سيكون في بيروت عاصمة الإعلام العربي لعام 2023".

كما ألقى السفير التونسي بوراوي الإمام كلمة، لفت من خلالها إلى أهمية الدور الثقافي الذي تلعبه وزارة الثقافة، وخص بالذكر الوزير المرتضى وتكريمه للبروفيسور ميشال جحا، الذي خدم لبنان والعالم العربي بالكلمة. كما أشار الإمام إلى الدور الثقافي الذي يلعبه نادي الشرق لحوار الحضارات، ومشاركته في العديد من النشاطات الثقافية.
نائب رئيس نادي الشرق لحوار الحضارات المحامي عبد اللطيف سنو ألقى قصيدة، جاء فيها:
"يهيم الخيال يحار الجحا
فأدعوك ربي لكي أنجحَ
أمامك (ميشال) شتت حروفي وزل بياني
وشعري استحى
فشعرك (ميشال) رجع النسيم
وهمس المساء وبوح الضحى
أتيت ببحر أغاظ (الخليل)
فصب (الطويل) ببحر (الرحى)
إذا كان (شوقي) أمير القريض
فإن المليك المفدى (جحا)".

موقع "الفن" إلتقى المطربة مي بيلوني، التي قالت لنا: "غنيت من كلمات خالي قصيدة "أنا أهواه" لحن الأستاذ جوزيف عطا الله، وكذلك نشيد "ربوع بلادي عيون العطاء" لحن جوزيف عطا الله أيضاً، وهذا النشيد يُدرّس منذ سنين كثيرة في الكونسرفتوار الوطني، كما غنيت "دار الزمن" لحن العملاق الكبير الذي لا يتكرر فيلمون وهبي".
وعن ذكرياتها مع خالها، قالت: "عندما كنت صغيرة في السن، كنت أظن أن خالي ميشال هو والدي، فهو رباني، وهو عرابي في المعمودية، كنت أناديه "يا بيّ"، كان يشتري لي أجمل الثياب. والدي كان موجوداً طبعاً، ولكن في فصل الصيف، بعد إنتهاء المدرسة، كنت أتوجه إلى منزل جدي لأمي، وأعيش مع أخوالي وخالاتي، لذلك مكانة خالي ميشال في قلبي كبيرة جداً".
وأضافت: "خالي ميشال رافقني ورافق شقيقتَي ميشلين ومها في العديد من الأعمال، تجمعنا به ذكريات جميلة جداً، كان يعطينا نصائح كثيرة، منها حول لفظ الكلمات والحروف خلال الغناء".
وعما إذ كانت تحن للعودة إلى الوسط الفني، بعد إعتزالها منذ أكثر من 15 عاماً، قالت مي: "للأسف، الفن لم يعد مثلما كان في أيامنا، حين كنا نسمع الصوت الجميل والكلمة الحلوة وكذلك اللحن الجميل، أنا لا أعمم، لأنه لا زال هناك أصوات جميلة على الساحة الفنية، ولكن أصبح هناك أغنيات تشوّه سمعنا. يجب أن نعود إلى الأصالة، ليس بالضرورة من خلال أغنيات طربية، إذ يمكن للأغنية القصيرة أن تكون راقية".
وأضافت: "أنا غبت بسبب إنشغالي بعائلتي الصغيرة، زوجي وأولادنا، وقررت الإعتزال، ولكن لا أخفي عنك أني أحن كثيراً للعودة، وصوتي لا زال جميلاً مثل السابق، وربما أصبح أجمل، ونضج أكثر".
وختمت: "أتمنى أن تعود شقيقتي مها الريم إلى الساحة الفنية، لأن كثيرين يفتقدون صوتها وحضورها، كما أتمنى أن تطل شقيقتي الكبيرة ميشلين خليفة بعمل جديد، وأنا أفتخر بها كثيراً، خصوصاً عندما يشيد الناس بصوتها".

كما إلتقينا المطربة مها الريم التي قالت لنا: "خالي ميشال لطالما دعمني ورعاني فنياً، وهو فخر لعائلتنا، نحن نفتخر به لأنه شاعر كبير من لبنان. كانت لي قصيدة واحدة من خالي ميشال لحنها الأستاذ نور الملاح".
وأضافت: "خالي ميشال هو توأم روح والدتي إلهام سليم، التي كانت مطربة في إذاعة لبنان، وخالي كان شاعر الإذاعة، وعيت على الدنيا، وكنت أرى خالي في منزلنا برفقة كبار الملحنين، منهم توفيق الباشا وحليم الرومي والياس سابا، خالي حينها كان يسكن في بلدة أنفه في الشمال، وكان يحضر إلى إذاعة لبنان في الصنائع ليتابع عمله على برامجه وأغنياته في الإذاعة، وكان يزورنا في منزلنا في بيروت، كما أننا تربينا أيضاً في منزله، فبناته هنّ أخوات لنا".
وتابعت: "أدمعت عيناي اليوم في تكريمه، وشعرت أنه يعطى جزءاً بسيطاً من حقه، فهو شاعر كبير في لبنان والوطن العربي، ويليق به لقب "أمير الشعر اللبناني" ولقب "شاعر أنطاكيا وسائر المشرق".
وعما إذ كانت ستعود إلى الساحة الفنية بعد غيابها الطويل، قالت: "لا زلت أحب الغناء، وأنا مطالبة كثيراً بالعودة، وهناك جيل جديد لا يعرفني. الآن أصبح لدي الوقت لأهتم بنفسي وبفني من جديد، العودة إلى الساحة الفنية صعبة بعد الغياب، ولكني قررت العودة".
وعن الأغنيات التي سنترقبها منها مع عودتها، قالت: "هناك قصيدة بالفصحى كتبها خالي الدكتور ميشال جحا، منذ حوالى الـ 20 عاماً، ستكون أغنية جميلة جداً، وهناك أغنية وطنية أكثر من رائعة، من كلمات خالي ميشال أيضاً".