لطالما كان إسم الشاعر السوري نزار قباني مقرونبالمرأة وأنوثتها، ولم يكن إختيار لقب "شاعر المرأة" عنه إختياراً عبثياً.
كتب نزار قباني طوال حياته أشعار للمرأة، وبالرغم من أنه نكر أن تكون كل واحد من أشعاره لسيدة معينة، إلا أنه عاش خلال حياته قصص حب متعددة، لتبقى قصته مع زوجته بلقيس على رأس هذه القصص وأكثرها صدقاً، فكيف لشاعر عاشق للحرية وبالغ الجموح، أن يتناغم مع فكرة المؤسسة الزوجية، وأن يتكيف مع إيقاعها الرتيب ومستلزماتها المحبِطة؟
لنتعرف سوياً على قصة حب نزار قباني وزوجته الأخيرة بلقيس!

اللقاء الأول

بعد عشر سنوات من طلاقه زوجته الأولى، وأم ولديه زهراء، إلتقى الشاعر بسيدة عراقية تدعى بلقيس الراوي، لأول مرة في أمسية شعرية أقيمت في بغداد عام 1962، وأخذت إهتمامه بحضورها الباهر، فلم يتردد لحظة قبل البحث عن هويتها ومكان إقامتها، وتقدم لخطوبتها فور معرفته ببعض التفاصيل عن حياتها، إلا أن والدها رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً، متخوفاً من ما عرف عن الشاعر، وعن قصصه مع النساء وألاعيبه.
وإلتحق بعدها نزار بالسلك الديبلوماسي السوري في إسبانيا، لكنه لم يتمكن بالرغم من مرور أكثر من سبع سنوات على نسيان بلقيس، التي أحبها من النظرة الأولى.
كان يمكن للقصة أن تنتهي مع رفض الوالد، إلا أن الطرفين كانا بالغي العناد، وقادهما عنادهما، وتشبثهما ببعضهما إلى العودة لبعضهما، وبدأ يتبادلان رسائل الشغف والحب، في غفلة عن الأب، لسبع سنوات أخرى، حتى إذا دعي الشاعر للمشاركة في مهرجان المربد الشعري في العراق عام 1969، راح يروي على مسامع جمهور الذاهل فصولاً من قصته المؤثرة مع بلقيس.
وقد تناهى إلى مسامع الرئيس العراقي آنذاك أحمد حسن البكر، هوية السيد التي كان يتحدث عنها نزار قباني، وعرف بالقصة التي جمعتهما مع كل ما تحمله من دلالات وأبعاد قومية وسياسية بالغة، فأوفد إلى أبيها كلاً من وزير الشباب العراقي شفيق الكمالي، ووكيل وزارة الخارجية شاذل طاقة، وكلاهما شاعران مرموقان، ليخطباها باسمه الشخصي لنزار قباني، فلم يكن أمام الأب جميل الراوي إلا الموافقة على طلب الموفدين، وتمت مراسم الزفاف بسرعة فائقة.
وإختار الثنائي الإقامة في بيروت، لأنها المدينة التي تشبه قصائده، وتتسع رغم ظروفها الصعبة، لأفكاره الجريئة وتعلقه المرضي بالحرية.

زواج بلقيس ونزار قباني

على إمتداد 13 عاماً، عاش الشاعر المبدع وزوجته التي تصغره بـ 16 عاماً حياة مليئة بالقلق والدمار، تبعاً للاحداث التي كانت تعيشها البلاد.
تساؤلات عديدة طرحها الجمهور، محاولين معرفة السبب الحقيقي وراء تمكنهما من المحافظة على زواجهما، قبل وفاة بلقيس في إنفجار السفارة العراقية، ليؤكد كل من حولهما أن بلقيس تمكنت من كبت مشاعر الغيرة، التي لم تتمكن أن سيدة أخرى دخلت حياة نزار قباني أن تخفيها، خاصة مع رجل حوله هذا الكم من النساء.
بالرغم من جمالها وذكائها اللماح، فإن ما تمكنت من فعله بلقيس في الحقيقة هو السيطرة على مشاعر الغيرة، وليس عدم الشعور بها نهائياً، لهذا كتب فيها نزار قصيدة "أشهد أن لا إمرأة إلا أنت"، بالسنة العاشرة من زواجهما، فقال: "أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنتِ واحتملتْ حماقتي عشرة أعوام كما احتملت واصطبرت على جنوني مثلما اصطبرتِ".
بعد فترة من رحيلها، فاجأ الرئيس الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات نزار قباني حيتن أبلغه أن زوجته الراحلة تلقت تدريبات عسكرية في صفوف العسكر الفلسيطيني عام 1968 أي قبل عام واحد من زواجهما، وأنها وضعت نفسها مع بعض رفيقاتها العراقيات في تصرف الثورة الفلسطينية.