"بوسطة"، "تحت القصف"، "ميراث"، "إسمعي"، أفلام من تأليف وإخراج فيليب عرقتنجي، الحائز العديد من الجوائز والتقديرات عن أعماله السينمائية. قرر عرقتنجي أن يعتلي خشبة المسرح للمرة الاولى، وذلك في مسرحية "صار وقت الحكي"، المستمر عرضها في مسرح مونو، وذلك في تجربة تجمع إلى جانب الأداء المسرحي المباشر، الصور ومقاطع الفيديو في رحلة عبر الذاكرة.

عبر "صار وقت الحكي" يفتح عرقتنجي جوارير ذاكرته، مسترجعاً ذكريات من الطفولة، تمتد بعدها إلى سنين حياته بأكملها، ويتعرف المشاهد على سيرة عرقتنجي الذاتية، من خلال أحداث شخصية في حياته، لكنها مرتبطة بأحداث رافقت التاريخ الحديث للوطن.
إنتقل عرقتنجي من خلف الكاميرا المحببة إلى قلبه، إلى خشبة المسرح، ليخبرنا عن مسيرته، وترتكز ذاكرته على مقاطع الفيديو والصور والأغاني والأصوات، في تجربة غنية وفريدة، تظهر حبه للكاميرا والتصوير.
تبدأ المسرحية في مرحلة الطفولة، حيث ترحل مربية فيليب الصغير، ما يسبب له صدمة عاطفية، تعقد لديه عملية النطق، ونكتشف أنه كان مصاباً بالديسلكسيا، وهي الصعوبة في تعلم القراءة، والتي تصيب طلاباً يكون مستوى ذكائهم عادياً أو حتى في بعض الأحيان فوق العادي، ويبدعون في مجالات عديدة. بعدها نعبر إلى المرحلة المدرسية، التي تبدأ فيها فترة الحرب والمخاطر التي تتضمنها، ثم مرحلة المراهقة والتعرف إلى الجنس الآخر. لا يتردد فيليب في التعبير عن حبه لبيروت، المدينة التي نشأ فيها، وذلك عبر عرض صور للمدينة ما قبل الحرب، وخلالها وبعدها.


المسرحية التي أخرجتها لينا أبيض، لا تخلو من حس الفكاهة، كما يتطرق عرقتنجي إلى رحلته في صناعة الأفلام، حيث يروي مغامرته مع فيلم "بوسطة". يقول فيليب: "لأن قصتي هي قصتك، سمحت لنفسي بمشاركتها"، ويدعونا إلى التعمق في أنفسنا، والتحدث مع بعضنا البعض، وفي بعض الأحيان يصوّب سهامه على حالة عدم الاستقرار التي رافقته منذ الطفولة، والتي لم يخرج منها بعد، مثل جميع اللبنانيين.
يعبر عرقتنجي عن نفسه، يخبر مغامراته في لبنان وخارجه، والتربية التي تلقاها من والديه، ذكريات مرحة وأخرى حزينة. يحاول عبر الذاكرة أن يفهم نفسه، هو الإنسان المثقف، المتمسك بهويته التعددية، وبحبه للغات التي يقاربها بحسه الفكاهي في المسرحية، ويعاون عرقتنجي على خشبة المسرح، مساعدة الإنتاج ميليندا ديلالوي ومصمم الصوت والملحن جوزيف حداد.

موقع "الفن" حضر العرض الخاص للمسرحية، وكان لنا حوار مع فيليب عرقتنجي، ووجهنا سوالاً إلى لينا أبيض.

فيليب عرقتنجي

حضرتك مخرج سينمائي، وعملت في هذه المسرحية تحت إدارة المخرجة لينا أبيض، كيف استطعت أن تكبت المخرج في داخلك؟

لم أكبت المخرج في داخلي، بل بقي ولا زال، وهو الذي نفذ الأفلام القصيرة داخل المسرحية، وقد رغبت بالتعبير بطريقة مختلفة على خشبة المسرح، إذ إنتقلت من مكان إلى آخر.

هذه المسرحية هي الأولى لك، وهناك إقبال كبير عليها، هل تفكر في أن تقدم أعمالاً مسرحية أخرى وتصبح ممثلاً مسرحياً؟

لا أعرف إن كنت أمثل في هذه المسرحية أو ألعب دوري، أكيد هناك تمثيل، لأن هذا الدور الذي هو أنا، أعطيته طاقة مختلفة عن ما لو كنت أتحدث ببساطة عن نفسي. أما عن تقديم أعمال مسرحية أخرى، فلمَ لا؟ هذا المجال جديد، وأنا أحب التجديد.

ما رأيك بالسينما اللبنانية حالياً؟ وهل لديك مشاريع سينمائية جديدة؟

كتبت الكثير من السيناريوهات في هذه الفترة، لدي مشروعان أبحث عن تمويل لهما، وطالما أن السينما اللبنانية ليست مدعومة من وزارة تساعدها في التمويل، ستبقى عرجاء.

في نهاية المسرحية نراك بمحادثة هاتفية مع لينا أبيض، تخبرها خلالها عن لقاء عنيف جمعك مع أحد مقاتلي الحرب، الذي أخبرك عن ممارسته القتل والعنف، هل فعلاً دفنت نتائج هذا اللقاء من خلال المسرحية، أم أنك قد تحوّل كلام المقاتل إلى عمل فني؟

هناك نوع من التنفيس في هذه المسرحية، لأني صعدت على خشبة المسرح، وتكلمت عن هذا الماضي الذي نحمل آثاره في أجسادنا، ولا ننجح جميعنا في التخلص من الماضي بسهولة. هذه المسرحية سمحت لي بالتخلص من رواسب اللقاءات الماضية، والإنطلاق نحو أمر جديد.

شعرنا ونحن نشاهد المسرحية أن هناك روحاً سينمائية، هل تقصدت ذلك؟

إن أردت أن أكون حقيقياً مع نفسي، لن أستطيع أن أتجاوز الصورة، أنا أعبّر بالصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية، أخبر قصتي بعدة طرق على الخشبة، إنما أيضاً بالصورة والصوت. أنا أتكلم ثلاث لغات، بالإضافة إلى لغة الصوت والصورة، ولغة شفهية هي لغة المسرح.

لينا أبيض

حضرتكِ مخرجة لعدة مسرحيات، وحائزة عدة تقديرات عن أعمالك، كيف كان تعاملكِ في إدارة المخرج فيليب عرقتنجي على المسرح؟

كنا منفتحين على فكرة العمل معاً، وأنا أحب أن أعمل مع كل من يريد أن يقدم عملاً مسرحياً، حتى لو لم يكن في الأساس ممثلاً مسرحياً. عملنا لمدة سنتين، وعملنا على النص لمدة تسعة أشهر، حيث كان يخبرني قصصاً، وكنا نعيد صياغتها، ونفكر بتسلسل القصص والفيديوهات والموسيقى. مجاله هو مجال السينما، وأدخل الشاشة إلى المسرحية، كان العمل صعباً لأن فيليب ليس ممثلاً، بل هو يدير ممثلين، وكذلك كانت الصعوبة في القواعد والقوانين في المسرح، والتي تختلف جداً عن السينما، لكنه غاص في هذه الصعوبات، ونجح في هذا التحدي، كما أن عملنا معاً ممتع، لأن فيليب وأنا نتحدث باللغة الفرنسية، ونحب أن نغوص ونتقن العمل، ونحن مخضرمان بعملنا، وفيليب مستعد لأن يضع الوقت والمجهود اللازمين للخروج بعمل متقن.