هو عملاق الأغنية اللبنانية الطربية والشرقية، مع العلم أنه لم يتابع دروساً أكاديمية، إلا أنه كان يعيش الكلمة والحالة بعمقهما. هو سهل ممتنع، وقادر على أن يكون شعبياً من جهة، وكلاسيكياً مع بعد عالمي من جهة أخرى. أحب الوحدة، ليس لأنه انطوائياً، بل لأنه أراد أن ينفرد ليخصص الوقت لفنه وللتلحين كالناسك المتصوف.
كان يتغنى بأن معهده الموسيقي هو صوت المطرب الراحل وديع الصافي، وتميز بإحساس مرهف في تجسيد الكلمة بصوته.
بهذه الكلمات وصف التينور غبريال عبد النور المطرب والملحن والشاعر الراحل إيلي شويري الذي رحل في 3 أيار/مايو الماضي، وهو الذي عرفه منذ أن كان عمره عشرين عاماً، وكانت علاقتهما ثلاثية الأبعاد: علاقة رعوية، فهما ينتميان إلى نفس الكنيسة الأرثوذكسية مار جرجس الرميل، وعلاقة الأب بإبنه، وعلاقة فنية مهنية.
وننشر لكم اليوم الجزء الأول من لقائنا مع التينور غبريال عبد النور، والذي يتحدث فيه عن الملحن والشاعر والفنان الراحل إيلي شويري.

كيف تصف اللقاء الأول معه؟

تعرفت على إيلي شويري في العشرين من عمري، وشعرت بالخوف والرهبة حين إلتقيته، قال لي: "أنا لا أدرّب على الغناء، لكني أريد أن أسمعك، وكانت النتيجة أنه إعتبرني إستثناءً، وكانت فرحة كبيرة لي، أن أراقبه يلحن أيضاً. كان يعمل بالفطرة، وقادراً على أن يلحن جملاً موسيقية فريدة بنغماتها وهويتها. كان يسجل الأغنية مقطعاً مقطعاً، ويعزف كل مقطع فوراً، على آلة الكيبورد مع الإيقاع، ويغنيه كي لا ينساه، ويعود ليلحن الجملة الثانية، وحين يتيقن منها يسجلها فوراً، ويرسلها إلى الموزع الموسيقي. كان حريصاً على إتمام العمل بالكامل، ويلاحق كل التفاصيل. دخل مرة إلى الستوديو، وكنت أسجل أغنية "أجيالنا"، كلمات الشاعر الراحل الياس أبي رعد، وأصبحت لاحقاً نشيداً لكلية البشارة الأرثوذكسية، حيث كانت حفيدات شويري يتابعنَ دراستهنَ، فإرتبكت وضاع مني صوتي، مع العلم أنه بمثابة والدي، فشجعني على متابعة الغناء.


أطلعنا أكثر كباحث موسيقي، على قدرات إيلي شويري؟

هو عملاق الأغنية اللبنانية الطربية والشرقية، مع العلم أنه لم يتابع دروساً أكاديمية، وكان يعتبر أن صوت وديع الصافي هو الكونسرفتوار. تميز إيلي شويري بتلحين الأناشيد، وبإضافة المقامات الشرقية على معظمها، وأبرزها: "بكتب إسمك يا بلادي" على مقام الراست، "تعلى وتتعمر يا دار" على مقام البياتي ...


كيف تكونت خصائص غنائه وتلحينه؟

تأثر إيلي شويري بصلاة الأذان الغنية بالمقامات الشرقية، وبما أنه إبن الكنيسة الأرثوذكسية، فقد تلقن منها أيضاً المقامات الشرقية، التي إنعكست عليه وعلى فنه. وأذكر أنه رنم عدة مرات في الجمعة العظيمة "اليوم علق على خشبة"، في في كنسية مار جرجس الأرثوذكسية في الرميل. علاقته بأنغام الكنيسة كانت وطيدة، وساهمت بتكوين شخصيته وعمقه الشرقي.
ألحان إيلي شويري مرتبطة بجذور الشرق، وقد تكون خليطاً من كل المخزون الذي كان متأثراً به، كأعمال عبد الوهاب وفريد الأطرش وسيد درويش ووديع الصافي وزكي ناصيف والأخوين رحباني بشكل خاص، فأنتجت شخصية فريدة، وأثبتت أنها ركيزة أساسية للأغنية اللبنانية، سواء من ناحية الأغاني العاطفية أو الأناشيد. وحين نذكر الطرب اللبناني، لا بد أن نذكر إيلي شويري وألحانه الطربية، على سبيل المثال "يللي بجمالك ما لقيت" لـ صابر الرباعي، "مين إلنا غيرك" لماجدة الرومي، كلمات توفيق بركات، و"ما زال العمر حرامي" و"كل يغني على ليلاه"، و"سيد الكلام عيني" لـ سمية بعلبكي.

ماذا عن تعاونك معه في ألبوم جبران خليل جبران؟

كان تحدياً بالنسبة للفنان إيلي شويري، أن يلحن نصوص جبران النثرية، والدخول إلى شخصيته العالمية، وإلى صوتي العالمي، مع المحافظة على روحية ألحانه الشرقية. لحّن إيلي شويري بروحية شرقية، مع الحفاظ على البعد العالمي لجبران خليل جبران اللبناني، ولصوتي المصقول آنذاك على الغناء الأوبرالي، فأعطى صوتي مداه الكبير، ونوّع كعادته بإيقاعاته ونغماته المنبثقة من روح الشرق، فأنتجنا عملاً نخبوياً، أثنى عليه الصحفيون بشكل استثنائي، منهم مي منسى وسحر طه وكلود أبو شقرا وغسان حجار، وقالوا إن شويري نجح بالتحدي، ولم تكن الخلطة هجينة. في تلك الفترة، كنت أتدرب معه على الغناء الشرقي، وهذا ما ساعدني على تكوين شخصيتي الفنية الجامعة بين روح الشرق وتقنية الغرب. وقال لي: "تستطيع الإنطلاق الآن في عالم الغناء بشخصية موسيقية فريدة خاصة بك، تجمع النغمات الشرقية مع الغناء الأوبرالي وعلم الموسيقى الغربية".


كيف بدأت علاقته مع الموسيقى؟

سافر إيلي شويري إلى الكويت، بعد تعرضه لحادث، وإلتحق بالإذاعة الكويتية بعد نجاحه بإمتحان الدخول. تعّرف على المطرب الكويتي عوض الدوخي، الذي أعجب بصوته بعد سماعه يغني مع الكورال. وكان شويري يمضي وقتاً طويلاً في الإذاعة، وهناك أمسك بالعود للمرة الأولى، ورأى البيانو للمرة الأولى. بعد وصول فرقة الأنوار إلى الكويت، يرافقها المطربان وديع الصافي وسعاد الهاشم، أقاموا حفلات حضرها شويري، ولما زارت الفرقة مبنى الإذاعة، شعر شويري بالفخر لأنه لبناني مثلهم، ودفعه الحنين للعودة إلى لبنان.

ماذا عن علاقته بالأخوين رحباني؟

الأعوام التي أمضاها إيلي شويري مع الأخوين رحباني، كانت كافية بأن تلقنه كل شي. فقد أمضى معهما وقتاً طويلاً، وهو يراقبهما يكتبان ويلحنان، وكان يحفظ أدواره وأدوار الفنانين والممثلين الآخرين، وكان يساعدهم على حفظ أدوارهم. كان الأخوان رحباني، بحسب قوله، يأخذان برأيه في بعض الأحيان. كان والده يملك صوتاً جميلاً، وكذلك عمه وعمته، وسمع منهم أعمال الكبار، من بينهم عبد الوهاب وسيد درويش وأم كلثوم. تعرف على الأخوين رحباني بعد عودته من الكويت، وإكتسب منهما خبرة مسرحية وموسيقية كبيرة، إلى أن انفصل عنهما بسبب حاجته إلى الإكتفاء مادياً، بعد أن أصبح ملحناً ومغنياً، وكان دوماً ممتناً لهما. قيمة إيلي شويري كملحن بدأت بعد هذه الحقبة، وعُرف كممثل موهوب وبارع.