لم يكن أداء الممثل السوري تيم حسن بشخصية "عاصي الزند"، وطاقم عمل مسلسل "الزند" عادياً، وليس من السهل تجاهل هذا العمل، أو عدم كتابة مقالات تتحدث عن إمكانات الممثلين العالية في إتقان اللهجة الساحلية، وإستفادتهم من جميع أدواتهم التمثيلية لتجسيد أدوارهم بأفضل ما يرام.


من الطبيعي جداً قراءة كل الإشادات والتقديرات التي قرأناها من الناقدين والجمهور، ولكن حان الوقت للتعمق أكثر بنص المؤلف السوري عمر أبو سعدة، والقصة التي كتبها لتسرد ما حدث مع أحد الثوار السوريين أيام الحكم العثماني وسيطرة الإقطاعيين، لتكون وبطريقة أو بأخرى، صالحة لوقتنا هذا، ولزمن قبل هذا الزمن بكثير.
حكى المسلسل قصة طفل صغير يحمل إسم "عاصي الزند"، والذي رأى والده يُقتل أمام عينيه على يد الإقطاعيين والعثمانيين، الأمر الذي حوله إلى ثائر، تدرب في صفوف الجيش العثماني، ليعود وينتقم من قاتلي والده، ويسترجع كل ما أخذ منه ومن عائلته من ثروة وأراضي.
لم نجد في هذه القصة تجدداً من حيث التركيبة المعروفة: "إقطاعي، فلاح وقائد عسكري أو قادة عسكريون"، ليمثلوا فكرة التدخل الأجنبي، والظلم الذي يمارسه أهل البلد الواحد ضد بعضهم البعض، ويسلط الضوء على جرح عميق في نفوس الشعب، عنوانه "المظالم الطبقية وتوظيفاتها"، إلا أنها إختلفت هذه المرة من حيث تصويرها، فهم لم يفرقوا بين الإقطاعي والثورجي من حيث اللهجة والكلمات المعتمدة، أو من حيث الهوية أو ما يلجأون إليه عادة: "الدين والطوائف"، بل أظهروهم متشابهين، تأكيداً على فكرة أهل البلد الواحد.
عوامل عديدة كونت شخصية "عاصي الزند"، فهو يجمع الثأر والقهر والعطف والحب والمقاومة والتفاوض وتمسكه بأرضه، لنجده مثّل بشكل أساسي الشعوب التي حاولت القيام بثورات، وحملت ما حملته من ظلم وقهر ودماء، والتي لم تتحوّل في أي مرة إلى نضالات حقيقية، قادرة على التخلص من الظلم، وبناء دولة حقيقية والتمسك بالأرض.
تبدأ القصة مع الوالد، الذي يحاول أن يضمن أن تكون أراضيه بإسم إبنه، ولا يتمكن والد نورس باشا، والذي جسد دوره الممثل السوري أنس طيارة، من الإستيلاء، ويرسل الباشا الكبير أحد رجاله، واسمه إدريس إلى بيت والد عاصي من أجل الحصول على "الطابو (أي الورقة الرسمية التي تثبت إمتلاك الارض) ليستولي على الأرض، وبسبب مقاومته له قام إدريس بقتل والد عاصي، الذي يرى في حدث بعبينه ويصر على الإنتقام.
بعد مرور سنوات عديدة يعود عاصي لينتقم من قاتلي والده وليسترجع أرضه وكرامته، ومن أجل الوقوف إلى جانب شقيقته، وتتتالى الأحداث وتتشعب بين وقوعه في الحب والقتال مع رجال السلطنة العثمانية، وسرقة البنك المركزي .. ليظهر "عاصي" كشخصية قادرة على التعامل مع الجو الإقطاعي والتغلب عليه وإستعادة الأراضي التي أخذت منه ومن الناس، كما النجاح في قصة حبه وحياته الشخصية، ليعتبر الجمهور أن الثوار يتابعون قضيتهم رغم كل الظروف.
إضافة إلى قدرة النص والاحداث على التماشي مع كل زمن، ووقت، فإننا أيضاً لا ننسى عنصر التشويق القوي جداً في القصة، ومشاهد القتال المثيرة لحماسة الجمهور، ونذكر منها مشهد "قتال النهر"، الذي شبهه رواد مواقع التواصل الإجتماعي وبعض النقاد الصحافيين، بمشهد القتال في فيلم "عصابات نيويورك" لـ مارتن سكورسيزي.
كما توقف البعض من الجمهور، عند مشهد سرقة البنك والذي إعتبر البعض أنه متشابه من حيث الفكرة مع قصة المسلسل الإسباني الشهير La Casa De Pappel، وهي قصة تم عرضها بعدة أفلام منها فيلم "عقدة ستكهولم"، ومشهد قدمه الممثل المصري عادل إمام في أحد أفلامه، حيث قام الممثلين في "الزند" أيضاً بتبديل ملابسهم بملابس موظفي البنك، وخرجوا بعد انتهاء السرقة مرتديين الطرابيش كأن شيئاً لم يكن، حتى نرى عنصر الإثارة واضح بشكل كبير، وقادر على أسر الجمهور ودفعهم لمتابعة العمل.
عوامل ذكرت وأخرى كثيرة لم تذكر، من أداء الممثلين الرائع، وأسلوب الإخراج المميز والتي تستحق التحدث عنها بشكل موسع، ولكن حاولنا في هذا المقال التركيز على القصة فقط، وعلى الفكرة الأهم التي حاول الكاتب تسليط الضوء عليها في القصة وهي الحفاظ على الأرض، وضعت المسلسل في مقدمة الأعمال الناجحة للموسم الرمضاني الحالي، بإنتظار أعمال قادرة على أسر المشاهد أكثر وأكثر.
نذكر أن مسلسل "الزند" من إخراج سامر البرقاوي وكتابة عمر أبو سعدة، وبطولة تيم حسن ونانسي خوري وفايز قزق وجرجس جبارة ودانا مارديني ورهان القصار وفيلدا سمور وباسل حيدر ونهال الخطيب وأنس طيارة، ومجموعة من الممثلين وإنتاج شركة الصبّاح ويعرض على منصة شاهد.