مع بداية الموسم الرمضاني المنصرم، ومنذ عرض حلقاته الأولى، أثار مسلسل "النار بالنار" جدلاً واسعاً بين من تابعه، وأحياناً نتيجة أصدائه بين من لم يتابعه حتى.


لم يدرِ كاتب المسلسل أنّ النار التي أشعلها سيُخمدها مخرج العمل محمد عبد العزيز، وصولاً إلى إشعاله النار التي تشعره بالدفء، والنور والرضا.
"النار بالنار" هو عمل درامي في إطار الدراما المشتركة السورية اللبنانية، أراد كاتبه رامي كوسا، تقديم العلاقة المعقدة بين السوريين واللبنانيين، أو بين لبنان وسوريا، والتي أصابها ما أصابها جراء التدخل العسكري والأمني للنظام السوري في لبنان خلال الحرب اللبنانية.


انتهت الحرب العسكرية وبدأت الحرب الفنية، فقد أراد كوسا منذ البداية، أن تكون شخصيات عمله نموذجية، تعكس كل منها وجهة نظر مسبقة ومحددة، وتعبّر عن شريحة من شرائح المجتمع اللبناني، الذي بات المكون السوري جزءاً لا يتجزء منه، كما وأراد أن يقدم من خلال المسلسل، مرحلة العنصرية والكراهية التحريضية التي عاشها السوري في تغريبه القسري، وتحديداً إلى لبنان، بحسب وجهة نظره.
السؤال الذي يطل علينا من الأفق حتى قبل الفجر، لماذا لم يتحدث الكاتب عن مأساة الشعب اللبناني بسبب النزوح السوري؟ فلو كُتب على اللافتة "كلنا متعاطفون مع النازحين السوريين، ونقدّر حجم مأساتهم، لكن من ذا الذي يقدّر حجم مأساة اللبناني وكمية الضرر اللاحق به من الوجود السوري؟، لكان أفضل بكثير مما كُتب، أقلها كان تعاطف الشعب العربي كله مع شعبين شقيقين، لا حول لهما ولا قوة.
"النار بالنار" لم يكن مسلسلاً للتسلية خلال السهرات الرمضانية، بل عكس واقعاً مريراً وآمالاً متواصلة، فمن خلال هذه القصة أثبت "عزيز" و"مريم" أن الحب يأتي بعد الكره.

ولعل المشهد التمثيلي لخلع الحجاب تسهيلاً للحصول على جواز سفر، هو أكثر ما أثار اعتراض المشاهد المسلم، وحتى غير المسلم، وقد أبدى الكاتب براءته من كتابة هذا المشهد، ولكننا بتشريح تصريحه حول إنشغاله أثناء كتابة المسلسل وإباحته للمخرج أن يكتب ما يحلو له في هذا المشهد، نصل إلى رأي يُفيد أن مشهد خلع الحجاب المولود في فترة إنشغال الكاتب، ولكن هذا المشهد حُسب عليه.
كالعملة المعدنية كان المسلسل، ذا وجهين، إذ تاه الهدف بين التشجيع على ظلم اللاجئ أو التشجيع على مؤازرته، إذ طوال الحلقات المتتالية، تأرجحت هذه العملة المعدنية كثيراً، تارة تسقط على وجه، وتارة على الوجه الآخر، حتى برز رأي يقول، أكانت الإضاءة على هذه العنصرية الممارَسة ضد اللاجئ السوري استجلاباً لتعاطف المشاهد أكثر؟ أم إيهاماً للمشاهد أنه أرفع درجة من أولئك المقهورين؟

نهاية المطاف، ما بين لاجئين سوريين مرتاحين على أوضاعهم، ولاجئين سوريين آخرين يعانون من أوضاع صعبة، يثبت الواقع دوماً أن دور قهر الدول لم ينتهِ بعد، وأن المسلسلات يمكن أن تقول كلمتها وتحرك الشارع، وأن ثمة فناً فوق كل فن، وأن الإبداع بات من دون حدود، فمن الآن نقول، سلام على الدولة المقهورة التالية، وعلى الشعب المنكوب الآتي، وعلى الفن الذي سيتلقف الفرصة ربما أسرع من هذه المرة، على أمل أن تكون رسالته أوضح، فصوت البيانو جميل لا شك، ولكن التمعن في لوحة ملامسه لا تجلب سوى إزاغة البصر بين لون أسود لا يُحزن دوماً، ولون أبيض لا يُفرح دوماً.