هنري لوسيان مهندس وجامع تحف ومصمم وفنان ورسام، تجمعه بمدينة بيروت قصة حب، ويعتبرها مدينة لا تموت. أعجب ببيت تراثي في بيروت بعد مشاهدته من الداخل، وقرر أن يبني منزلاً مماثلاً في البترون. جمع هنري خلال 14 عاماً، التحف والقطع المعمارية من أكثر من 100 منزل تراثي في العاصمة، قبل أن تُهدم. تعلم الرسم بمفرده، وقرر أن ينفذ الرسوم في سقف المتحف الذي بناه. اشترى عناصر العمارة التراثية في بيروت، وإنطلق في تحقيق حلمه في مدينة البترون. وقدم للشباب فرصة التعرف على تراثهم الأصيل.

حياة جديدة

قال هنري لوسيان إنه ذهل عندما دخل للمرة الأولى الى أحد البيوت، ورآه من الداخل. وبدأ يجمع بقايا البيوت التراثية في العاصمة بيروت قبل هدمها، وقرر أن يمنحها حياة جديدة. كانت المفروشات والأبواب مصنوعة من خشب الأرز. إستغرقت أعمال بناء المتحف أربع سنوات، وإنجاز الرسومات ثماني سنوات.

بيروت​​​​​​​

قال هنري لوسيان: "أغرمت ببيروت، وبيروت أغرمت بي. والفارق بين بيروت وباريس والبندقية، أن باريس لا تتبدل، والبندقية كذلك الأمر، أما في بيروت، فالتطور يساهم في مضاعفة سحرها". تمكن هنري لوسيان من أن يكرّم الإرث الهندسي التراثي لمدينة بيروت، وتعريف أكبر عدد ممكن من اللبنانيين عليه. وأفضل شيء بالنسبة له، هو إعطاء حياة جديدة لأشياء ضائعة، منها تراث بيروت.

​​​​​​​متعدد المواهب

يقع متحف هنري لوسيان على تلة في البترون. الجدران مزخرفة، وبلاط أرضه من الرخام، وقناطره محفورة بدقة. تحول هنري من صناعة الأشغال اليدوية والحلي، التي كان يبيعها في محل تجاري في شارع الحمراء، إلى مشرف على البناء، يتدخل في التفاصيل، ويدلي برأيه الخاص.

بقايا ١٠٠ منزل​​​​​​​

متحف هنري لوسيان في البترون فريد من نوعه، فقد قرر المالك هنري لوسيان أن يجمع بقايا ١٠٠منزل تراثي في بيروت،​​​​​​​ ويبني بواسطتها متحفه. وكان يرحب بالضيوف قائلاً: "أهلاً بكم إلى سحر بيروت". يتميز المتحف بالقناطر الثلاثية التي تميزت بها بيوت بيروت العريقة، والتي تستلقي على أعمدة ضخمة، وهناك النوافذ الملونة، والبلاط الرخامي والرسومات في السقف.

مقتنيات تاريخية

في متحف هنري لوسيان مقتنيات تاريخية، منها حوض إستحمام لرئيس الوزراء الراحل تقي الدين الصلح، وقناطر زجاجية ملونة،​​​​​​​ عليها نجمة داوود من الحي اليهودي السابق في وادي أبو جميل. سكن هنري لوسيان في الطابق العلوي من المتحف، والطابق الأرضي مخصص للزوار.

مساعدة زوجته​​​​​​​

عن المفروشات التي تزين البيت، من طاولات خشبية ورخامية ومقاعد وأسرّة وصناديق عتيقة وشراشف ​​​​​​​مطرزة وغيرها، قال هنري لوسيان: "في كل مرة كان يتم الاتصال بي من قبل العمال أبو علي وأبو سمير وأبو طارق، كنت أصل إلى المكان لألتقط الصور، قبل عملية الهدم. وساهمت زوجتي ريتا بتطريز الأغطية والوسادات، وأصبحت لمساتها موجودة في أرجاء المنزل".

المتحف رسالة

اعتبر هنري لوسيان أن ما أنجزه هو رسالة، وعندما أنجز المتحف، لم يزره سوى عدد محدود من الزوار. لم يكترثوا بما أنجز. ولاحظ أن هناك لمسة مفقودة، وهي الرسومات في السقوف. فتعلم الرسم بنفسه، ونفذ الرسوم مستعيناً بكتب المنازل اللبنانية. كان حريصاً على الدقة في التفاصيل التاريخية، فشرح للزوار كل تفصيل في المتحف، وقال إنه يضم ٧٧ نافذة مقوسة، بينما البيت المثالي يضم أقل من عشرين، وهو رفع العدد لأنه يحب القناطر كثيراً.

لوحات معلقة​​​​​​​

علق هنري لوسيان على حائط كبير في الباحة الخارجية للمتحف، كل اللوحات المعدنية للبيوت التي هدمت، والتي كتب عليها العنوان والشارع. وقال إنه لا يلوم أهالي بيروت على تهديم منازلهم، فهو يحترم رغبتهم في التجديد. عُرضت داخل المتحف صور بيروت القديمة قبل الحرب اللبنانية. وقال لوسيان إن "زيتونة باي" ووسط البلد وساحة الشهداء لم تعد معروفة، وكأنها تنتمي إلى مدينة أخرى.