علي شري هو مخرج لبناني وفنان تشكيلي، حاصل على بكالوريوس في تصميم الجرافيك من الجامعة الأميركية في بيروت، وعلى ماجستير في الفنون المسرحية من أكاديمية المسرح والرقص في أمستردام، وحاصل كذلك على زمالة روبرت إي فولتون من جامعة هارفارد في عام 2016. شارك ضمن عروض المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ44، وفي الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك من خلال فيلم "السد".
بصمة علي شري واضحة جداً في الفيلم، الذي تناول قضية السد في السودان، والأوضاع الإقتصادية والسياسية، متحدثاً عن الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير عام 2019، وتضمن الفيلم العديد من الرموز، وصوراً سينمائية ذات أبعاد، وتدور أحداثه حول شخصية "ماهر"، الذي يعمل في معمل الطوب بجوار السد، وهو شخص هادئ قليل الكلام، يستيقظ صباحاً كرفاقه ليتوجه إلى المعمل، ويستمع إلى مستجدات الثورة على الراديو، إنما المفاجئ هو أن لماهر آمالاً كبيرة، ومشروعاً آخر، فبعد أن ينتهي من العمل، يهرب إلى مكان بعيد عن العالم، ويستمر في تشييد بناء غامض مصنوع من الطين.


الحياة في الفيلم ترتكز على العمل المتواصل والتعب، وفي بدايته يكشف ماهر خوفه من المياه، إذ غالباً ما يغرق الناس بسبب الأمواج، وهذا ما حصل لزميله في العمل، أما المرأة الوحيدة التي تظهر في الفيلم، فهي الممرضة التي كانت تعالج الجرح على ظهر ماهر، والذي يرمز إلى الوجع الذي يمر به البلد. للكلب الذي رافق ماهر دور مهم في الفيلم، وكذلك البناء الغامض، الذي تحدث إلى ماهر، وهو الذي يجسد حلمه.
إنهمرت الأمطار، ووقف ماهر يراقب حلمه يذوب أمام عينيه، غير قادر على تحريك ساكن، ولكن هذا المشهد كان كفيلاً بإظهار كل ما شعر به من تعب وحزن.
وترك المخرج للمشاهد أن يتخيل نهاية الفيلم، الذي إنتهى بقفز ماهر في المياه.
مشهد غليان إبريق الشاي في بداية الفيلم، يرمز إلى مشاعر المواطنين، التي تتجسد في المظاهرة التي طالبوا فيها بالحرية، وذلك من خلال مشهد تدفق مياه النيل من الأنابيب الكبيرة.
فيلم السد هو إنتاج مشترك بين السودان، وقطر، وألمانيا، وصربيا، ولبنان وفرنسا، وجسد دور البطولة فيه الممثل ماهر الخير، الذي نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي.

موقع "الفن" حضر العرض الأول لفيلم "السد"، وكانت لنا هذه المقابلة مع المخرج علي شري.

أطلعنا على كواليس الفيلم.

بدأت بالعمل على هذا الفيلم في عام 2017، وكانت المرة الأولى التي أزور فيها السودان، وكنت مهتماً بموضوع بناء السد على نهر النيل، والذي يسمى بـ"السد المروي"، وتوجهت لزيارة منطقة السد، وهناك تعرفت على عمال يعملون في الطوب، إلى جانب السد على النيل، وبعد هذه الزيارة قررت كتابة فيلم عنهم.

بعد البدء في تصوير الفيلم، إندلعت ثورة السودان، وأجبرتم على التوقف عن العمل، لتعودوا خلال انتشار فيروس كورونا. ما مدى تأثير الثورة على مسار النص؟

بدأنا في التصوير عام 2019، وكانت حينها بداية الثورة في الخرطوم، وخلال وجودنا هناك، تم إعتقال البشير، فأجبرنا على توقيف التصوير وترك البلد، وعدنا في عام 2020، إنما بدأ انتشار فيروس كورونا، لنستكمل عملنا في 2021، فخلال ذلك الوقت أضفت قصة الثورة إلى الفيلم، فأصبحت الأحداث تدور خلال الثورة، تماماً كما في الواقع.


بماذا تنصح المشاهد عند مشاهدته الفيلم؟

على المشاهد أن ينسى نفسه مع الفيلم، الذي هو تجربة حسية، يشعر بها في الصوت وجمال الصورة، وعليه أن يشعر بالفيلم بجسده قبل عقله. قصة ماهر في الفيلم ترمز لمعنى الثورة، وقدرتنا على التغيير، وعلى خلق واقع جديد غير الواقع الظالم كديكتاتورية عمر البشير. الفيلم هو عن قدرة الخيال على تغيير الواقع السياسي.


ما الذي اكتسبته من طاقم عمل الفيلم؟

هذا أول فيلم طويل لي، أول فيلم روائي، فكنت أتعلم من طاقم العمل الذي عملت معه، وكانت لديهم خبرة أكبر من خبرتي، وقررت أن أعمل مع ممثلين غير محترفين، فكل فرد من الطاقم قام بأداء عمله الحقيقي، فالعمال هم عمال في الواقع، الممرضة هي ممرضة في الواقع، فكان من المهم لي أن أعمل على الواقع، فيكون الفيلم مزروعاً في الواقع، وفي الوقت نفسه قصة خيالية. تعلمت من أفراد العمل الذين لم يقفوا يوماً أمام الكاميرا، كيف يمكن أن أستخرج منهم الأحاسيس، لتوصيل الفكرة التي أريدها.


فيلم "السد" إنتاج مشترك ساهمت فيه بلدان عديدة، كيف تم الإتفاق على فكرة واحدة في ظل إختلاف ثقافات البلدان؟

الفيلم إنتاج فرنسي، لبناني، صربي، قطري وألماني، كنا نتبع التمويل، ورغم أن الفيلم تم تصويره في السودان، وأحداثه تدور خلال ثورة السودان، إنما هناك فكرة مشتركة في العالم كله، فالعمل يتحدث عن تاريخ الإنسانية وعلاقتنا بالطين، وهي مادة الخلق، إذ إن آدم خلق من طين، وجلجامش فيها مخلوقات من طين، قصة الفيلم أكبر من الحدث المحلي، وهذا ما سهل إهتمام البلدان بالمساهمة فيه.

هل ستعمل على فيلم تتطرق فيه إلى قضية لبنانية؟

هذا الفيلم هو جزء من ثلاثية، أول فيلم صورته في لبنان عام 2013، وتناولت مواضيع هزات الأرضية والفوالق التي تمر في لبنان، وهو للأسف ما نعيشه الآن، إنما بعد إنفجار 4 آب، أصبح من الصعب أن أصور في لبنان، فالجرح كبير، وأشعر أنه أسهل لي العمل خارج لبنان، لأعود وأصور لاحقاً هنا، فالفاجعة هنا كبيرة جداً.

أطلعنا على أعمالك المستقبلية.

أعمل حالياً على فيلم قصير، سأنتهي منه في شهر تشرين الأول/أكتوبر.

ألا تريد العمل على فيلم طويل مرة أخرى؟

أنا أستغل الأفلام القصيرة كتحضير لفيلم طويل، فالفيلم الطويل يحتاج إلى وقت أطول.