زينة دكاش، ممثلة ومؤلفة ومُعالجة بالدراما، ومخرجة مسرح وأفلام وثائقية لبنانية شهيرة، كما رسمت الضحكة على وجوه اللبنانيين، فهي عرفت بشخصياتها الكوميدية التي جسدتها، ومن أهمها شخصية "إيزو" التي جسدتها في برنامج "بس مات وطن".
حصلت دكاش على شهادة ماجستير في إختصاص علم النفس السريري، وشهادة في الدراسات العليا في العلاج بالدراما، من جامعة كنساس، في الولايات المتحدة الأميركية، وأسست مؤسسة "كاثارسيس"، وهي المركز اللبناني للعلاج بالدراما، وإهتمت بالقضايا الإجتماعية، خصوصاً بالسجون، فهي تواجدت إلى جانب السجناء لسنوات عديدة، مطبقة كل ما تعلمته، كما نقلت شغفها في التمثيل إلى السجون، فغالباً ما تُؤدي جلسات العلاج بالدراما إلى عمل فني، منها فيلم "12 لبناني غاضب" الذي صدر عام 2009، ومسرحية "جوهر في مهب الريح" عام 2016، والتي قدّمها عدد من سجناء سجن روميه، وهي وسيلة للمُناصرة، ولتعديل وإستحداث القوانين، وتغيير السياسات والممارسات بحقهم، وبالتالي تُمَكِّنُهم من إيصال رسالتهم إلى المجتمع وصانعي القرار، فبعد مناضلة سجناء رومية، والمطالبة بتفعيل قانون 463 المعني بتخفيض العقوبة لحسني السلوك، الذي أعلن عام 2002، ولكنه لم يطبق إلا في عام 2009 بعد مناصرة سجناء رومية من خلال مسرحية "12 لبناني غاضب".


وفي عام 2016، تقدمت دكاش للبرلمان اللبناني بمشروع تعديل لقانون المرضى النفسيين مرتكبي الجرائم، إذ ينص قانون العقوبات اللبناني، الصادر عام 1943، على حبس المخالفين "المجانين" إلى حين ظهور دليل على "الشفاء"، ومع ذلك فإن المرض العقلي يتم التحكم فيه ولا يتم علاجه أبداً، ويتلقى الجناة عملياً عقوبة بالسجن مدى الحياة، وبدون أي رعاية نفسية أو طبية. وإتخذت الخطوات نفسها، أي عملت مع السجناء للمرة الثانية، على مسرحية تحت عنوان "السجناء الزرق"، لحمل هذه الرسالة.


وقررت زينة مؤخراً العودة للترويج للفيلم الوثائقي "السجناء الزرق"، ويتابع الفيلم سجناء في سجن رومية، قاموا بإخراج مسرحية داخل السجن عن زملائهم الذين يعانون من أمراض نفسية تحت عنوان "من كل عقلي". ودعت نقابة النفسانيين مجموعة من المعالجين لحضور الفيلم الوثائقي، بحضور زينة دكاش، وتلى العرض حلقة حوارية حول واقع الأشخاص الذين يعانون من الإضطرابات نفسية، كما تواجد سجينان سابقان كانا قد ظهرا في أعمال زينة في السجن، وتحدثا عن حياتهما، بعد أن قضيا سنين طويلة في السجن، أحدهما كان قد تزوج من حبيبته التي إنتظرته طيلة فترة عقوبته، وأنجبا طفلاً كان حاضراً معهما في الجلسة.


موقع "الفن" كانت له هذه المقابلة مع زينة دكاش.


"السجناء الزرق" ليس بفيلم جديد، إنما تروجين له من جديد، ما السبب؟

إنتهيت من الفيلم الوثائقي "السجناء الزرق" عام 2021، تم تصويره في أعوام 2015 – 2016 – 2017، وبدأ المونتاج عام 2018 وإستمر حتى عام 2020، وهنا بدأ إنتشار فيروس كورونا، توقفنا عن العمل، وكانت الإفتتاحية في أيلول 2021 في مهرجان الجونة السينمائي، وبدأ عرضه في مهرجانات في العالم، ومؤخراً حصلنا على دعم من "Beirut DC Impact Fund"، لنشر التوعية عن المرضى النفسيين في السجون، في المدارس والجامعات بين لبنان والأردن.

بدأت رحلتكِ مع السجون في سجن رومية، وقمتِ بأعمال مع السجينات في سجن بعبدا، إنما دائماً ما تعودين إلى سجن رومية، ما الذي يميزه عن باقي السجون؟

ما يميز سجن رومية هو تواجد قاعة يمكنني أن أعمل بها، فالعمل يتطلب حركة ويحتاج مساحة، وهو ليس عملاً ليس فردياً، بل مع مجموعة قد تصل إلى 30 أو 40 شخص، وهذه المساحة غير متوفرة في باقي السجون.
يوجد في لبنان 25 سجناً، وإذا أردنا التحدث عن سجن غير رومية، فمثلاً في سجن بعبدا كنا نجلس على السطح، وهو مكان مخصص لنزهة السجينات، وأيضاً مكان لنشر غسيلهن، ولوضع البعض من أغراضهن، منها الكتب، كنا نعمل بمكان ضيق للغاية، فصعب البقاء بهذه السجون في ظل غياب المساحة، أما في رومية فالمساحة موجودة، وحوّلنا قاعة إلى مسرح.


وصلت رسالتكِ إلى المعنيين، وأنجزتِ ما لم يستطع أن ينجزه غيركِ، وبجهودكِ تم تخفيض العقوبة المتعلقة بحسن السلوك، وهي قانون رقم ٤٦٣، واليوم تحاولين تعديل القانون المتعلق بالمرضى النفسيين مرتكبي الجرائم، ألا تشعرين باليأس أثناء محاولاتكِ العديدة، وأنتِ على العلم بأن التغيير صعب جداً؟

بدأت العمل في السجون عام 2008، مروراً ببداية انتشار فيروس كورونا، وفي ظل الأوضاع المأساوية التي يمر بها البلد، أصبح العمل صعباً جداً، في بلد ينعدم فيه وجود دولة تسمعكِ، ورغم أن العمل سابقاً كان صعباً، ولكن كان لدي أمل، أما اليوم فالأمل شبه مستحيل.
لا زلت أذهب إلى السجون، إنما أقل نسبياً، والآن أعمل على مشروع في سجن القبة في طرابلس، والوضع مزرٍ هناك، هو كان بمثابة حبس تأديبي. السجون لم تكن يوماً على لائحة صانعي القرار، ومع الأوضاع الآن "إلى الوراء سر"، ويواجه أهالي السجناء مشكلة زيارتهم مع غلاء البنزين، فطبعاً من الصعب التغيير اليوم، إذ نحن في حالة ركود، ودعوة إلى تغيير شامل في البلد.

تعملين حالياً على فيلم يتحدث عن حقبة محددة من عقوبة الإعدام، هل يمكن أن تكشفي لنا تفاصيل الفيلم؟

أكتب حالياً سيناريو لفيلم خيالي، لكنه يرتكز على أحداث فعلية جرت في البلد. ففي التسعينيات، وبعد الحرب اللبنانية، صدر قانون نحن نسميه "القاتل يقتل"، إنما هو قانون 302/94، نادى بإلغاء الأسباب التخفيفية بجرائم القتل عمداً، ويكون حكمه الإعدام، ونفذ 17 حكماً بالإعدام ما بين عامي 1994 و2004، فنحن نضيء على شخص حكم عليه حينها بالإعدام، وهو فرد من نسج الخيال، إنما قصته شبيهة بقصص العديد من الأشخاص الذين لاقوا المصير نفسه.
الآن أصيغ كتابة الفيلم، ويساعدني العديد من السجناء السابقين وكذلك قضاة، ومن المتوقع أن يصدر الفيلم على منصة "Netflix". حين ترين كل ما حدث خلال تلك الحقبة، داخل وخارج السجن، فهذا سيساعدك على فهم ما الذي أوصلنا إلى هنا، وحين تتعمقين في الأمر، تلاحظين أن لا شيء تغير.


ما نسبة وعي المجتمع اللبناني حول الأمراض النفسية وكيفية التعامل معها؟

من المؤكد أننا الآن أفضل من السابق، ففي بداية مسيرتي كمعالجة نفسية، أي منذ 15 عاماً، كنا في مكان مختلف تماماً، واليوم لا يخجل الناس من كل الطبقات وفي كل المناطق، من الإعتراف بتعبهم النفسي، ويتشجعون على طلب مساعدة. الناس أصبحوا يتعاطفون مع أنفسهم أكثر، ولا يخجولن من زيارة معالج نفسي.

هل تفكرين في نقل خبراتك لتثقيف وتوعية المجتمع في عدة مواضيع متعلقة بالصحة النفسية، من خلال أعمال تلفزيونية؟

كانت لي تجربة في الستاند أب كوميدي، وأحب أن أستمر فيها، إن كان في المسرح أو التلفزيون، وأنا أرى أنه يمكنها نشر التوعية أيضاً، وقد تكون من إحدى مشاريعي القادمة.