بهيجة حافظ، وهي أول مؤلفة موسيقية في الفن العربي، لقبت بـ "رائدة السينما المصرية"، ولدت في الـ 4 من شهر آب/ أغسطس عام 1908، في حي محرم بك في مدينة الإسكندرية.
والدها كان إسماعيل باشا حافظ الذي كان ناظراً للخاصة السلطانية في عهد السلطان حسين كامل، وتولى إبن خالتها إسماعيل صدقي منصب رئيس وزراء مصر.
تلقت تعليمها في مدارس أجنبية هي مدرسة الفرنسيسكان الإيطالية و مدرسة الميردي دييه الفرنسية بالإسكندرية، وسافرت بعدها إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث حصلت على ديبلوم في التأليف الموسيقي عام 1930.
عادت إلى مصر وعملت في مجال الإخراج والتمثيل والتأليف الموسيقي والمونتاج وتصميم الأزياء السينمائية والكتابة، وكانت أول إمرأة تعمل في مجال التأليف الموسيقي، وتدخل فكرة الموسيقى التصويرية إلى الأفلام.

عائلتها وحياتها الشخصية

في لقاء نادر لها مع المذيعة جيلان حمزة، تحدثت بهيجة عن عائلتها وعلاقتها بالموسيقى، وقالت: "عائلتي من الأجداد كانوا بيحبون الفن والدي كان مؤلف وبيلحن وعواد وقانوجي درجة أولى والدتي كانت بتلعب بيانو وعود وإخواتي كانوا بيلعبوا مزيكا الصبيان والبنات كان والدي عامل بيتنا أوركسترا كان بيقولي قلدي فلان أو علان بدأت الموسيقى وأنا عندي 4 أعوام".
تزوجت بهيجة حافظ من رجل لا يحب الموسيقى، وبذلك لم يشاركها هوايتها، وطلبت منه الطلاق، وبعد طلاقها من زوجها ووفاة والدها، لم ترغب بهيجة في البقاء بالإسكندرية، فتركت بيت الأسرة بالإسكندرية وقررت الاستقرار بالقاهرة لتبدأ حقبة جديدة من حياتها.
وتحدثت في المقابلة عن حياتها الشخصية وقالت: "ثقافتي أغلبها إفرانجية، اتعلمت في مدرسة الفرنسيسكان، هناك اتعلمت كل حاجة، وفضلت هناك لغاية لما طلعوني من المدرسة، وأنا عندي 12 سنة ونصف، علشان أتجوز، كان لا يحب الموسيقى، عكس حياتي، مكنش بيشاركني هواياتي، لذلك طلبت منه الطلاق".

علاقتها بالموسيقى ومشوارها الفني

بدأت علاقتها بالموسيقى من سن مبكر للغاية، فبدأت تعزف على البيانو وهي في سن الرابعة، كما ألفت أول مقطوعة موسيقية في سن التاسعة، وأطلق على المقطوعة إسم "بهيجة"، بعد ذلك ألّفت مقطوعتين، الأولى اسمها "من وحي الشرق" والثانية "معلهشي".
وكان المايسترو الإيطالي جيوفاني بورجيزي صديق والدها ويتردد إلى منزلها بشكل دائم، فكان له أثر كبير على حياتها وتعلمت قواعد الموسيقى الغربية على يده.
حصلت على دبلوم الموسيقى من فرنسا، ثم درست الإخراج والمونتاج في برلين، وكانت أول مصرية تنضم لجمعية المؤلفين في باريس. ظهرت أول أسطوانة لها في الأسواق عام 1926، وفي عام 1937 كان لها السبق في إنشاء أول نقابة للمهن الموسيقية.
نشرت مجلة "المستقبل" صور لـ بهيجة على غلاف مجلتها وتحدثت عنها كأول سيدة مصرية تقتحم ميدان الموسيقى، وكتب تحت الصورة عبارة: "أول مؤلفة موسيقية مصرية".

لفتت الفتاة نظر المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن بطلة لفيلمه "زينب"، بعد أن رفض يوسف وهبي قيام أمينة رزق بالبطولة، فعرض الدور على بهيجة ورحبت بالعمل في السينما بالرغم من معارضة أسرتها الشديدة، لدرجة أن شقيقتها وقفت في السرادق حينها تتلقى العزاء فيها.
أبدعت بهيجة في هذا الفيلم بدور "زينب" كما بوضع موسيقى تصويرية للفيلم، مكونة من 12 مقطوعة موسيقية، ولأن هذا الدور يعتبر أول علاقتها بالتمثيل، فلم تكن بهيجة على دراية بكافة إمكانياته، خصوصاً بأن الدور ـ لكونه صامتاً ـ يحتاج بل يعتمد على التعبير بالحركة والإشارة والتحكم في ملامح الوجه وتقلصاته، وهذا ما دفع المخرج لجعلها تحتك أكثر بالممثلين الكبار حتى تتطور بسرعة.


قررت بهيجة بعدها إنشاء شركة اللإنتاج الخاصة بها، والتي تحمل عنوان "فنار فيلم"، وقامت بإنتاج فيلم "ليلى بنت الصحراء" و"الضحايا" كما أخرجت أفلام مثل: ليلى البدوية، و الضحايا وليلى بنت الصحراء الذي كان أول فيلم مصري ناطق يعرض في مهرجان برلين السينمائي الدولي وينال جائزة ذهبية.
رشح هذا الفيلم بعدها في مهرجان البندقية عام 1938، لكنه منع في آخر لحظة لصدور قرار بمنع عرضه داخلياً وخارجياً لما تضمنه من إساءة إلى تاريخ كسرى أنوشروان ملك الفرس وذلك بناء على شكوى واعتراض من الحكومة الإيرانية. وعلى الرغم من مكانة هذا الفيلم في تاريخ السينما المصرية إلا أنه كان السبب في إفلاس شركة "فنار فيلم" واضطرت بهيجة حافظ للتوقف عن الإنتاج لمدة تصل إلى عشر سنوات نظراً لما تكبدته من خسائر نتيجة منع عرضه ومصادرته.

​​​​​​​

​​​إعلان إفلاس شركة الإنتاج

بعد مضي 12 عام على إنتاجها فيلم "ليلى بنت الصحراء"، قررت الشركة المحاولة مجدداً من خلال فيلم "زهرة السوق" عام 1947، وهو من إخراج حسين فوزي وكتابة بهيجة حافظ، وقامت ببطولة الفيلم وأدت دورين هما "بهيجة" و"زهرة"، كما ألفت ولحنت عدة مقطوعات موسيقية في الفيلم الذي شارك في غنائها الفنان اللبناني وديع الصافي. وبالرغم من أن الفيلم قد ضم مجموعة من كبار النجوم والوجوه الجديدة، إلا أن الحظ في النجاح لم يحالفه، وكان سبباً في خسارة بهيجة حافظ وإشهار إفلاسها في ذلك الوقت. وكانت بالفعل صدمة كبيرة لها جعلتها تتوقف نهائياً عن الإنتاج السينمائي، لتكون نهاية مؤسفة لقصة كفاح رائدة من رائدات السينما المصرية، ولم تظهر مرة أخرى في السينما ألا في دور قصير من فيلم (القاهرة 30 ـ 1968)، وذلك عندما اختارها المخرج صلاح أبو سيف لتقوم بدور الأميرة السابقة شويكار.

وفاتها

أصيبت بهيجة حافظ بمرض خطير وظلت طريحة الفراش لسنوات طويلة وتعيش وحدها في القاهرة. وبعد يومين من وفاتها إكتشف جيرانها الأمر وتواصلوا مع شقيقتها سومة وابن شقيقها الللذين أتوا من الإسكندرية وقد شيّعت لمثواها الأخير دون أن يمشي في جنازتها أحدا من الفنانين. ودفنت في مدافن الأسرة في القاهرة، ولم يتم كتابة النعي في الصحف أو حتى إقامة العزاء ليلاً.