هي القصيدة الممزوجة بالفرح واليأس، ولذلك نجد أن كلماتها ليست كالكلمات، بل إنها جواهر نادرة، تشع إبداعاً وألقاً.
تكتب بحبر دمها، وتملأ الأوراق بأحساسيس متضاربة، ولكنها أحاسيس رائعة، لأنها تُرجمت بكل صدق.
هي عز وفخر للكلمة والقلم، تحمل لبنان في قلبها وعقلها، وتناضل في كتاباتها، لترى بصيص نور، ينتشلنا من قعر بحر الهموم والمصائب، الذي غرق فيه وطننا لبنان، وغرقنا كلنا معه.
إنها سيدة الكلمة الرصينة والهادفة، الأديبة والكاتبة مار تريز فرّا، التي في رصيدها "لبنان حِكم وعِبر" الصادر عام 2014، "همسات عابرة سبيل" 2015، "محطات من قطار الزمن" 2017، "تغريدات الصبا" 2019 عن زحلة وأحيائها وكنائسها، "منجل الحصاد" 2020 عن فيروس كورونا، و"بيروت يا عشقي" عن إنفجار مرفأ بيروت.
وها هي صاحبة الفكر النيّر، قد وقعت ديوانيها الجديدين "زمن بلا أيام" و"نحت على النجوم" في "بيت الطبيب"، بحضور نخبة من أهل الفكر والإعلام، وعشاق الكلمة الصادقة النابعة من القلب.
في "زمن بلا أيام"، تعاتب الأديبة والكاتبة ماري تريز فرّا الأيام، التي نزعت عنا الأحلام، وتحكي فرّا عن الوقت العصيب الذي نعيشه في لبنان، من دون قانون أو إيمان.
أما في "نحت على النجوم"، فتختصر الأديبة رحلتها في الحياة، وتجاربها، وتعاتب الصديق الذي خان العشرة، وتوجه له ألف رسالة.
نقرأ ونقرأ في كل من الديوانين، ولا نشبع من ثقافتها، فهي رائدة من بلدي لبنان.


موقع "الفن" كان حاضراً في حفل التوقيع، وكان لنا الحوار الآتي مع الأديبة والكاتبة ماري تريز فرّا.

"زمن بلا أيام"


كيف إخترتِ هذا العنوان الغريب واللافت "زمن بلا أيام؟

نحن نعيش أياماً من دون أن نعدها، وهي تمر أمامنا من دون أن نشعر بها، القهر والذل يرافقانا، على أبواب المصارف، وأمام محطات الوقود، وكذلك بالنسبة للكهرباء، ولكل شيء، لا أحد يسأل عنا، لا من السياسيين، ولا من الذين فُرضوا علينا فرضاً كمسؤولين، فأحببت أن أجسد أفكاري على الورق، وأغمسها بريشة الدم، وأكتب. "زمن بلا أيام" صدر منذ ثلاثة أشهر، جمعت فيه كل ما مر على لبنان بين عامي 2020 و 2022، من مآسٍ وقهر، وثقت فيه الأحداث يوماً بيوم، ضمن قالب شعري.

هناك حالة من اليأس للنهوض بلبنان قريباً، بحسب الأجواء المسيطرة في البلد، لكن هل يُعقل أن ييأس الكاتب؟

أحياناً كثيرة عندما تسوّد الدنيا كثيراً في وجه الكتاب، يكتب هذا السواد، يجب أن تأتيه هزة فرح، ليغير كتاباته.

أي قانون يحكمنا اليوم؟

قانون التسلط، والقانون الذي يذل الإنسان، وقانون من يحب ذاته من دون أن يحب لبنان، لم يقل أحد لبيروت: "لا تبكي، سأمسح دموعكِ، سأعطيكِ من راتبي الشهري، أو من فائدة أموالي، لكي تبقي شامخة بكرامتك"، هؤلاء من يحكمونا، والذين ذلونا. وصلنا إلى العدم، هاجر الأطباء، والممرضات، ومعظم المصارف أقفلت وأفلست، فرغت الفنادق من النزلاء، يأتي المغتربون ليسقوا أهلهم نقطة من المياه، ولكن هذا لا يكفي، فما يكفي هو النقطة الثانية، التي تجعلك تخرج من العتمة التي أنت فيها.

ماذا علينا أن نفعل كمواطنين لبنانيين مقيمين في بلدنا؟

علينا أن نصلي، نحن نصلي، ولا بد أن تستجيب أبواب السماء، التي هي حالياً، وللأسف، منشغلة في أماكن أخرى.

"نحت على النجوم"

هل من أحد يستطيع أن ينحت على النجوم؟

عندما تكون مرارة الإنسان كبيرة جداً في الحياة، ينظر إلى السماء، إلى النجوم، ربما يأتي الفرج من الله.

تخاطبين في كتابك الحبيب، وتخاطبين بالأكثر الصديق، هل هو شخص واحد تصفينه مرة بـ"الحبيب" ومرة أخرى بـ"الصديق"؟

هو نفس الشخص، هو صديق، ولكني إستعملت كلمة حبيب في بداية الكتاب، لأن لدينا في لبنان عبارة التحبب "يا حبيبي".

هذا الكتاب يحمل رسائل منك إلى الذين غدروا بك، كم عددهم؟

أنا لا أحب الكذب، والصديق الذي أقصده في الكتاب، كذبه أكثر من أفعاله، وما نفع الإنسان من دون أفعال، هو صديق واحد لا أكثر.

لماذا تتنقلين في هذا الديوان بين المجتمع والصديق؟

لأننا لا نستطيع الهروب من الواقع المرير جداً الذي نعيشه.

كم هي نسبة الخيال ونسبة الواقع في شعرك؟

الخيال أكثر من الواقع، وأنا أنسج الخيال كله على لمحة من الواقع، الشعر دائماً يكتب بالمطلق، ولكن تأتيه قصة أو خبرية، تلمع في رأسه، يكتب على أساسها، ويصنع منها ديوان.

تمزجين في كتاباتك بين اللهجة العامية واللغة العربية الفصحى، ما سر تميزك هذا؟

حين تأتي الفكرة بالفصحى أكتبها بالفصحى، وحين تأتي بالعامية أكتبها بالعامية.

أي منهما يولد إبداع الكاتب والشاعر بالأكثر، الألم أم الفرح الكبير؟

الفرح الكبير تنتج عنه أشياء جميلة جداً وكثيرة، والألم يجعل الكاتب يغمس ريشته بالدم، ويسطر وجعه على الورق. الألم يعطي إبداعاً أكثر من الذي يعطيه الفرح، لأن الجرح ينزف، والقلب أيضاً، فتغمس ريشتك في حبر دمك، وتكتب.