عام 1850، وصل شابان فرنسيان إلى محافظة الأقصر في مصر، بحثاً عن فتاة عرفت بجمالها ورشاقتها ووصل صيتها إلى العالم أجمع، وهناك ظهرت وأكد أحدهم أنها : "كشبح، وقفت والشمس خلفها والسماء الزرقاء الصافية ببنطالها الوردي وحجابها البنفسجي الشفاف. كانت طويلة ومليئة بالشباب والحيوية، تفوح منها رائحة زيت الترابنتين الجميلة، فيما حمل ذراعها الأيمن بطوله وشماً باللون الأزرق".
هذه الفتاة لم تكون سوى "كاوتشوك هانم"، راقصة التعري الأشهر في تاريخ مصر، وهذان الشابان لم يكونا سوى الكاتبان الفرنسيان غوستاف فلوبير وماكسيم دو كامب.

من هي كاوتشوك هانم؟

كاوتش هانم، يعني إسمها بالتركية "الأميرة الصغيرة" أو "سيدة الرقص"، وكانت تقضي وقت نفيها في مدينة "إسنا" بأمر من الوالي محمد علي باشا آنذاك. وبحسب فلوبير، في كتابه A Life by Geoffrey Wall، فهي لم تكن تقدم أي أعمال محرمة، بل كانت ملهمة للغرب أكثر من أي شيء آخر، بفضل ليلة خلدها الكاتب.
وقال: "كانت كياناً طويلاً ورائعاً أبيض من النساء العرب، جلدها ناعم، عيناها سوداء وكبيرتان جداً، حاجباها سوداء أيضاً، أنفها ضيق، عريضة الكفيين، ترتدي طربوك كبير، مزين في أعلاه بالذهب، وفي وسط الذهب قطعة حجر خضراء. شعرها الأسود المجعد الذي كان أثقل من أن يتم تسريحه انقسم بين الجانبين ليتم تجميعه مجدداً في الخلف، أما على رقبتها، علقت عقد ثلاثي مصنوع من قطع كبيرة من الذهب غير المنقوش".

قصة كاوتشوك هانم

وصل الكاتبان إلى المنزل، وبادرت كاوتشوك بتعطير أيديهما بماء الزهر، وقادت الطريق بهما إلى منزل غلب عليه اللون الأبيض، وفيها أريكتين ونافذتين فقط. وطرحت على الثنائي سؤال: "هل تريدان أن تمتعا أنفسكما؟"، قبل أن تصل الفرقة الموسيقية المكونة من شخصين فقط رجل بعصابة سوداء على إحدى عيناه وطفل صغير، حملا رباباتهما وبدءا في العزف، وبدأت كاوتشوك في الرقص.
وبدأ فلوبير بالوصف: "كان رقصها عنيف كالركل، ترفع نفسها على قدم ثم تريحها وترفع الأخرى، كان رائعاً، الحركات تقوم بها بخفة، شاهدت تلك الرقصة مصورة على فازات يونانية قديمة"، متابعًا وصفه للحظات رقصها: "أمسكت كاتشوك بطربوش لديها، وهي تلعب به، حركة فاتنة، تضع الطربوش على حجرها، مسنود على فخذها الأيسر، وتهبط بكوعها الأيسر بينما ترفع فخذها إلى أعلى، وتفتح أصابعها لتلمس على الطربوش، وتحرك يدها اليمني لتتناسب مع إيقاع الموسيقى، ثم تميل برأسها إلى الخلف، يأخذ وجهها ملامح ونظرات جادة، ويميل وسطها إلى الخلف بعض الشيء".

رقصة النحلة

اشتهرت كاوتشوك في تلك الفترة برقصتها الشهيرة التي عرفت برقصة النحلة، وعادوا جميعهم إلى منزلها برفقة نساء أخريات، وتم تعصيب أعين الصبي بشال أسود، وتعصيب الرجل الكبير بجزء من عمامته الزرقاء.
بدأت كاوتشوك بالرقص لكنها لم تكن بكامل حماسها، تعرّت قطعة بعد أخرى، فتقوم فكرة الرقصة على تصوير نحلة تدخل داخل ملابسها، لتبدأ بالتخلي عن قطعة بعد أخرى،
فيما تحتفظ في الأخير بشال فقط تمثل أنها تحاول تغطي به نفسها، قبل أن تلقي به هو الآخر وتنتهي الرقصة.
ومع انتهاء رقصتها ارتدت ملابسها قبل أن ترفع العصابات من على أعين العازفين، وأكمل الكاتب: "لم تعبأ كاوتشوك كثيراً بأننا عدنا لننام تلك الليلة في منزلها، رغم أن اللصوص يأتون في بعض الأوقات حين يسمعون عن وجود أجانب في المكان. ذهب الحراس ليناموا في غرفة بين المطبخ وغرفة المتعة. خادمتها، التي ستقضي الليلة في نفس الغرفة مع الحراس، كانت عبدة عباسية اسمها زينب، بجرح دائري على ذراعيها، يبدو كعلامة".

معلومات عن كاوتشوك هانم

إختلفت الروايات التي تحدثت عن جنسية كاوتشوك، حيث أكد البعض أنها مصرية، بينما أكد البعض الآخر أنها تنحدر من أصول شامية، كما نسب البعض الآخر أصلها إلى تركيا.
إهتم الكتاب الأجانب بتلك الفترة بشكل كبير بحياة كاتشوك هانم، ومنهم الكاتبة ويندي بونافينتورا، التي قالت بإحدى كتبها أن حبيبة فلوبير الصحفية الفرنسية لويز كوليه، سافرت إلى القاهرة لمقابلة كاوتشوك ووصفتها بالـ مومياء الحية.
لم يعرف بأي سنة ولدت كاوتشوك ولكن يرجح أنها كانت تبلغ من العمر الـ 27 عاماً عندما قابلت الكاتب الفرنسي حوالي عام 1850، وأنها ولدت عام 1823.
تقول بعض الكتب أن صيت كاتشوك ونجاحها إستمر إلى ما بعد عام 1950، حيث أصبحت أسطورة بحسب الكاتب الروسي أدريفيسكي، الذي تكلم عنها بعد 34 عاماً من لقائها مع فلوبير، حيث كان يحضر حفل راقص في قرية بقرب أسيوط، يحضره أيضاً المحافظ، الذي أشار إلى أفضل الراقصات قائلًا: "كاوتشوك هانم".
ومع كل تلك التكهنات والتحليلات تبقى كاوتشوك هانم لغزاً حير كثير من المؤرخين والكتاب، عن سر شخصية صاحبة رقصة "النحلة"، التي جعلتها تخلد في الأدب العالمي إلى الأبد.