فارس إسكندر، شاعر وملحن لبناني، شق طريقه بنجاح كبير، من خلال أعماله الفنية التي يتوجه من خلالها إلى جميع فئات الناس العمرية والمجتمعية، لأنه يتطرق إلى المواضيع الآنية.
فنه لا يخلو، في بعض الأحيان، من نقد للأوضاع المعيشية الصعبة في لبنان، وللمسؤولين عن ما وصلت إليه الأمور في البلد.
موقع "الفن" كان له هذا اللقاء مع الشاعر والملحن فارس إسكندر، والذي تطرقنا خلاله إلى العديد من الموضيع الفنية، وكشف لنا إسكندر بعض الكواليس.


محمد إسكندر وفارس كرم هما من أبرز الفنانين الذين تميزوا في أداء اللون الشعبي، من تميز غيرهما من الفنانين بأداء هذا اللون؟

عدا عن محمد إسكندر وفارس كرم، إذا أردنا أن نتحدث عن اللون الشعبي اللبناني الصرف، فهناك عاصي الحلاني، ملحم زين، علي حليحل، نجوى كرم، وغيرهم من الفنانين الذين تركوا بصمتهم في اللون الشعبي اللبناني، وفي الرعيل الذي سبقهم، هناك طوني حنا وسمير يزبك. كثيرة هي الأسماء التي أسست لهذا اللون، الذي إستمر بهمة فارس كرم ومحمد إسكندر.

وبالنسبة للأغنيات التي تنتقد بعض الظواهر الإجتماعية؟

في السابق، كان هوارة الفنان الراحل آلان مرعب التي سخر فيها من الوضع الإجتماعي، وبعض أغاني الفنانة نجوى كرم السابقة كانت فيها فكاهة، لكن يمكننا القول إن محمد إسكندر وفارس كرم يقدمان ما يمكن تسميه بـ"الأفشة". أخذت والدي أبو فارس إلى أغنيات فيها مواضيع إجتماعية، منها أغنية "جمهورية قلبي" وأغنية "غرفة عمليات"، تناولنا المواضيع بطريقة شعبية، وتركت صدى كبيراً.

هناك مقولة إن الفن مرآة تعكس قضايا المجتمع، وهذا ما أراه في أغانيك، هل تعتبر أن لديك رسالة توعية المجتمع؟ وهل ترى أن المجتمع ممكن أن يتأثر بكلمات أغنية؟

أعتبر نفسي شاعر الشارع اللبناني والشارع العربي، أهتم للواقع في شعري، ولست شاعراً خيالياً. في لبنان والعالم العربي الناس مثاليون، يعمدون إلى إخفاء أمور كثيرة تعتبر معيبة، مدعين المثالية. لدينا هذا التوجه لإخفاء طبيعتنا وإنسانيتنا وغرائزنا، ولا نتكلم عنها، في حين أنها موجودة ومستفحلة، الناس تعودوا على الكبت وإخفاء الأمور. عندما ألفت "ع بالي حبيبي" للفنانة إليسا، وتضمنت عبارة "جيب منك إنت طفلك إنت"، كان وقتها من المحرمات تناول هكذا موضوع في أغنية، وأن تقول إمرأة إنها تريد أن تنجب من حبيبها.
عند طرح أغنية تتضمن رسالة إجتماعية، أول رد فعل من الناس يكون إني أتفلسف عليهم، ولكن عندما تحقق الأغنية نجاحاً، لا شك أنها تأخذ أبعاداً كثيرة، وذلك مثلما حدث معي في أغنية "جمهورية قلبي"، حين إنتقد البعض أنني أدعو الفتيات إلى عدم العمل، بينما أنا ببساطة، أضأت على أمر موجود في اللاوعي عند الناس، وهو عندما يأتي الرجل ويقول لها: "لا أريدكِ أن تعملي، أريدكِ أميرة"، وهذا اليوم نوع من الحلم، لأن الثنائي لا يتمكن من تلبية حاجاته اليومية إذا كانت المرأة لا تعمل. هذه الأغنية تحرك أنوثة الفتاة عبر القول لها: "أنا الذي أحميكِ، أنا أريدكِ أن تكوني محصّنة ضد المخاطر. هذه الأمور أصبحت خيالية اليوم، لكن من الجميل أن نتطرق إليها.

كيف تستطيع أن تواكب الأحداث وتجسدها بسرعة في الكلمات والألحان والأغاني؟

هذا جزء من الموهبة، عندما يعطيك الرب موهبة يكملها بسرعة البديهة، وأن تسمع ما يقوله الناس، وتأخذ جملاً من كلامهم، مثلاً عندما يخبرني أحدهم عن قصته مع حبيبته، قد يخلق في فكري أغنية أو حالة إجتماعية حصلت أمامي، أو يحدث موقف معين تركب الحبكة من خلاله، أو ترند معين، أو أي أمر تسبب بأزمة في المجتمع. أنا لا أغض النظر عن هذه الأمور، لأني واقعي كثيراً. أنا لا أعيش دور الفنان أو الشاعر الذي يعيش في صومعة، أنا موجود على الأرض، وأختلط بالناس بشكل طبيعي ويومي، وإحتكاكي بهم يمكنني من تأليف أغنية، حتى لو كنت موجوداً بين 20 شخص.

حدثت سابقاً مشاكل كثيرة في مصر بسبب أغاني المهرجانات، إلى أي حد تشبه أغنياتك أغاني المهرجانات؟

مجتمعنا يختلف عن المجتمع المصري الذي هو مجتمع مكتظ ويشهد إزدحاماً في عدة نواحي، فهناك كثيرون يعيشون تحت خط الفقر، ويسكنون في عشوائيات. طريقة حياتهم تختلف عن طريقة حياتنا، فهم في مصر حوالى 110 مليون نسمة، وهناك تغيير سريع جداً في نوعية الأغاني لديهم. الأجيال المصرية إنتقلت بسرعة هائلة من أم كلثوم، إلى عبد الحليم حافظ، إلى عدوية، إلى هاني شاكر وعمرو دياب. النمط الغنائي في مصر يتأثر بالحالة السياسية،فهم مروا بفترات طويلة من الإزدهار والحضارة والفقر والثورات. اللبنانيون يفكرون بطريقة مغايرة، لدينا إنتماءات وتحيز سياسي كبير، والكثير من المغتربين. المهرجانات في مصر تتناول شريحة من المجتمع، تعيش في الحضيض، لذلك فنانو المهرجانات في مصر لا يعتبرون أن كلمات أغنياتهم فيها إسفاف، لأنهم يعيشون في تلك البيئة، الأيام ظلمتهم، ولم يستطيعوا أن يكملوا تعليمهم. مصطلحاتهم لا يمكن أن تأتي في بالنا، فهم يغنون الشارع العشوائي المصري الذي له ثقافته الخاصة. نقيب الموسيقيين المصريين الأسبق هاني شاكر فنان كبير، ويعرف ما معنى الرسالة الفنية، وأغاني المهرجانات تتصدر إلى الخارج، على أساس أنها فن مصري، وهذا سبب إعتراض شاكر على فناني المهرجانات.

​​​​​​​ما الأصعب بالنسبة إليك، تناولك مواضيع من الحياة اليومية أم مواضيع رومانسية؟

المواضيع الحياتية هي الأصعب، لأنها تتطلب حبكة ذكية، الموضوع في متناول اليد، لكن عليك تقديمه بطريقة يستطيع من خلالها أن يفهمه الصغير والكبير، وأن تكون قريبة من القلب وعلى الإذن، وتعلق في ذهن المستمعين. أنت تختصر مواضيع ثقيلة في بضع دقائق تقدمها بكل تفاصيلها. هناك مواضيع كُتبت عنها كتب وأطروحات، وتقدمها أنت في ثلاث دقائق مع موسيقى. عليك أن تقدم عملاً يستطيع أن يفهمه كل الناس، وتكون مصطلحاته ملكاً للناس، من سائق التاكسي، إلى تلميذ المدرسة، والمسن، وليس فقط المثقفين. المواضيع الرومانسية يطغى عليها طابع المبالغة، وهي تتطلب تعابير مجازية تحرك المشاعر، وهذا نوع من التعبير الكاذب نوعاً ما، بحسب مبدأ "أجمل الشعر أكذبه" لتستطيع أن تبهر الأشخاص، الذين يعيشون حالة حب، ويعتبرون أن الأغنية قالت ما لا يعرفون أن يقولوه.

​​تميزت بمقاطع الفيديو التي تغني فيها لكثير من أسماء الإناث والذكور.

الأسماء لا تنتهي، وهناك دائماً طلبات، لكني خففت هذا الموضوع، لأنه أصبح هناك من يقلدني في ذلك، ولا أريد أن أدخل في منافسة مع أشخاص لا علاقة لهم لا بالشعر ولا بالفن.

​​​​​​​دافعت عن الفنان فارس كرم في قضيته مع الفنانة ميريام فارس، ما هي المستجدات لديك كونك صديق فارس كرم؟

أنا أتابع الفنانة ميريام فارس ومحاميها، وهما يحاولان حل الأمر بسرعة، أقول ليتنا سلمناهما ملف المرفأ والثلاث مائة قتيل الذين سقطوا في هذه الكارثة. موضوع وسائل التواصل الإجتماعي يتحول كله إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، ومن ثم إلى محكمة المطبوعات. لا يتعرض فيه الشخص لا إلى السجن ولا إلى التوقيف. فارس كرم قبل ميريام فارس في الفن، ولديه تاريخه وجمهوره، وهي تستغل الموضوع إعلامياً، للحفاظ على ماء وجهها. أنا أعتقد أنها مخطئة، لأنها تسببت بمشكل طويل عريض، بدلاً من أن تشكل مع فارس كرم يداً واحدة، ويكونا مع بعضهما البعض على الحلوة والمرة.

ما هي أعمالك الجديدة المرتقبة؟

أحضر أعمالاً مع فنانين كبار، وكذلك مع مواهب جديدة. أنا في نشاط دائم، وأغلب الطلبات اليوم هي على الأغاني الشعبية، والمواضيع المهضومة، فالناس بعد أزمة إنتشار فيروس كورونا، يريدون أن يفرحوا ويرقصوا، لأنهم تعبوا من الكآبة.