من الصناعات اللبنانية التقليدية، صناعة ماء الورد وصناعة ماء الزهر، وقد أصبحتا جزءاً من عادات سكان القرى، والتي توارثوها، وحافظوا عليها، وهي تعتبر مكوناً أساسياً في صناعة الحلويات العربية، عدا عن فوائدها الصحية. تميزت بهذه الصناعة العريقة بلدتا القلمون ومغدوشة، حيث تكثر بساتين البرتقال المسمى "بو صفير"، وفي بلدان عربية أخرى يسمى "النارنج" أو "الزفير"، وهو نوع من أنواع الليمون الذي يمتاز بطعم مر. يتم التصنيع في المنازل وفق طريقة تحضير تقليدية، وهي تشكل مصدر دخل جيد للعديد من العائلات الريفية.

طريقة التحضير

يبدأ موسم قطاف أزهار الليمون في الثلث الأول من شهر آذار/ مارس، ويستمر حتى نهاية شهر أبريل/نيسان. بعد القطاف، ينقل الزهر إلى المنازل أو المشاغل الصغيرة في البلدة، ثم يغربل وينقى من الورق والعيدان، ويغسل من الغبار، ويفرش على القماش تفادياً للإهتراء والذبول. ولا يحفظ الزهر بعد قطافه لأكثر من يوم أو يومين، لذا من الأفضل المباشرة بتقطيره.

التقطير

تعتمد طريقة التصنيع على مبدأ التقطير بالبخار، حيث يتم وضع الزهر مع الماء البارد في وعاء كبير من الألومنيوم أو النحاس معد خصيصاً لعملية التقطير، يطلق عليه إسم الكركة، حيث يسخن مزيج الزهر والماء، بواسطة الحطب أو الغاز، وتكون الكركة موصولة بأنبوب يمر منه البخار إلى وعاء للتبريد بالماء المكثف، ليصبح بعدها سائلاً مرة ثانية، ويخرج منه الماء المقطر عبر أنبوب إلى وعاء الإستقبال. ويجب أن تكون النار قوية حتى غليان المزيج، ثم يجري تخفيفها شيئاً فشيئاً، لتستقر على نار هادئة تطيل زمن تكاثف البخار، وتؤمن تصاعده بنكهة جيدة ورائحة ذكية.

المقادير

يوضع مقابل كل 5 كيلوغرامات من الزهر 5 لترات من الماء، ويستخرج من المزيج 5 زجاجات من ماء الزهر، سعة كل منها 500 ملليتر. وبحسب الطريقة التقليدية، توضع زجاجات ماء الزهر تحت حرارة الشمس لمدة أربعين يوماً لتعقيمها، ومنحها لون أسمر ونكهة أقوى. وتختلف المقادير بحسب حجم سعة الكركة، إلا أنه يجب أن يكون عدد كيلوغرامات الزهر مساوياً لعدد لترات المياه. كما يجب التركيز على أهمية إستبدال الماء في وعاء التبريد العلوي كلما سخن، لأنه يلعب الدور الأساسي في تحويل بخار غليان مزيج الماء والزهر إلى ماء الزهر.

فوائد ماء الزهر

ماء الزهر له فوائد عديدة، فهو مكون أساسي في صناعة الحلويات الشرقية، ومنكّه لمياه الشرب، ومهدئ للأعصاب، ومنه تصنع القهوة البيضاء مع الماء المغلي والسكر، لتقدم ساخنة كشراب مفيد في معالجة التخمة، وآلام تشنجات البطن. كما أن إستخدام ماء الزهر على بشرة الوجه، يساهم في تنقيتها وترطيبها، ويمنع ظهور البثور.

ماء الورد

مع حلول شهر أبريل /نيسان، تبدأ رحلة البحث عن أجود أنواع الورد البلدي، الذي يمتاز بعطره ونكهته، وطلب الكمية المطلوبة مسبقاً كي تكون طازجة في الموعد المحدد. تتطلب صناعة ماء الورد جهداً جسدياً، والتحلي بالصبر، بإنتظار الحصول على النتيجة المرغوبة.

طريقة التحضير

بعد إراحة الورد ليوم واحد، يوضع في طنجرة نحاسية، ويُغمر بالماء بمقدار يوازي كمية الورود، إذ يوضع لكل خمسة كيلوغرامات من الورد، ثلاث ألَفيات، وهي تسمية للعبوات الزجاجية التي يتم تقطير الماء فيها، أي حوالى 15 ليتراً من الماء. تحضّر الكركة، أي آلة التقطير، فوق الطنجرة النحاسية، ويتم تطيينها من الأسفل، من خلال وضع العجينة التي أعدت سابقاً من الطحين والرماد، وتغلق بإحكام من مكان تسريب الماء، وتوضع فوق النار الهادئة جداً، ويغمر الماء فوق منطقة التبريد التي تتركز في أعلى الكركة.

التقطير

بعد حوالى الساعة ونصف الساعة، تبدأ عملية التقطير التي تستمر سبع ساعات، وخلال هذه العملية، تقوم ربة المنزل من وقت إلى آخر، بتبديل الماء من منطقة التسخين، لإنجاح عملية التبخر والتقطير، والحؤول دون إحتراق الورد المضغوط داخل الكركة. تستمر عملية التقطير إلى حين إمتلاء الأَلَفية. بعد الإنتهاء تُطفأ النار، وتُترك الكركة جانباً لتبرُد. تُغلق العبوة بإحكام على ثلاث طبقات: قطعة قماش، غطاء بلاستيكي، وشريط لاصق. ينصح بتخزين ماء الورد في مكان مُغلق، وعدم إستخدامه مباشرة، لذلك يُترك لحوالى الشهر ليتخمر.

فوائد ماء الورد

إلى جانب النكهة اللذيذة في الحلويات، يتمتع ماء الورد بفوائد عديدة للعلاجات الطبيعية في المنزل، فهو يُستخدم لمعالجة إحمرار العين، كما يُستعمل لتنقية البشرة والوجه، ويساعد على التخلص من البثور. وهو مكون أساسي في الخلطات والكريمات المرطبة للوجه والجسم.