شكل قصر "عائشة فهمي" للمصريين عبر العصور تحفة فنية نادرة لإطلالته الساحرة وجاذبية مبانيه، وبالشعور الذي يعطيه لك بإمكانية السفر عبر الزمن.
ولكن كثيرون لا يعرفون القصة الدرامية لهذا القصر الذي أصبح الآن واحد من أروع الفنادق في القاهرة، والمأساة التي شهدها أصحابه، والتي تحولت بعد ذلك لأول فيلم ناطق في مصر، ويحمل عنوان "أولاد الذوات".

قصة علي بك فهمي

لقب بأمير الشباب، لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره حين أصبح من أثرى الأثرياء في مصر، وذلك بعد أن توفي والده علي باشا فهمي، وترك له ولشقيقاته الأربعة أموال هائلة.
عاش علي فهمي حياة البذخ والدلال، وكان يرتاد الملاهي الليلية وينفق أمواله على النساء، وأصبحت أخباره على لسان الجميع، مما جعل زواجه من إحدى بنات العائلات الأرستقراطية صعباً.
قرر علي مع تقدمه في العمر أن يبني قصر يعيش فيه، وأنفق عليه اموالاً هائلة ليبدو كتحفة فنية، وجلب له أثاثا باهظ الثمن من أوروبا، ليتعرف أثناء رحلاته هذه على مدام مارغريت، الإمرأة ذات السمعة السيئة والتي تكبره بحوالي العشر سنوات، ويقع في حبها ويقرر أن يتزوجها.
وتزوج الثنائي مدنياً فى السادس والعشرين من كانون الأول 1922 أشهرت مارغريت إسلامها فى العام التالي وتسمت باسم والدته منيرة، أنفق الأمير على محبوبته ببذخ ووفقاً لجريدة "الأهرام" أنفق في السنوات الأربع التي سبقت مقتله حوالي المليون جنيه.

نهاية زواجهما بمقتل علي

في كتابه عن علي بك فهمي، قال الكاتب صلاح عيسى: "كان لا بد بعد أن تسقط أقنعة اللهفة والحب والشوق، أن تكشف الحقيقة عن نفسها. كانت مارغريت نموذجاً للمرأة المجربة ذات التجارب المتنوعة، تعرف هدفها بسهولة وتسعى إليه، ومن المؤكد أنها رغم سيرتها الشائنة في باريس لم تكن قد فكرت بعد في أن تخون البرنس علي كامل فهمي الذي سد عليها كل الذرائع بثروته، ولكنه كان شديد الغيرة عليها".

وتابع: "بعد الزواج نتيجة إختلاف الثقافات والحضارات تصاعدت الخلافات بينهما وأصبحت الهوة كبيرة بين الزوجين، وحدث ذلك الصراع بين السيدة الفرنسية التى ترغب في الرقص والسهر بعد إنتقالها إلى الحياة في مصر حيث الحرملك الذي وضعها فيه زوجها فلم تكن قادرة على الخروج بكامل حريتها كما كانت تفعل في السابق، فازدادت المشاكل بينهما التي كانت تصل إلى ضرب علي فهمي لمارغريت أمام الخدم، ثم يعود مره أخرى ليعتذر لها، واستمرت الأحوال هكذا بينهما".
بعد أشهر قليلة على زواجهما عام 1923، وأثناء رحلة قاما بها إلى لندن، حصل خلاف بينهما، وأثناء الشجار قامت مارغريت بإطلاق النار على زوجها، وقتلته بثلاث رصاصات.

تبرئة القاتلة

حصلت مدام مارغريت على البراءة، وجرت المحاكمة في لندن، وبفضل محاميها الذي حصل منها على مبالغ ضخمة، وتمكنها من إستعطاف الصحف الغربية والفرنسية، تمكنت القاتلة من التحول إلى ضحية زوجها، الرجل الشرقي الهمجي كباقي الشرقيين وكان هذا سبباً كافياً للمحكمة لإصداء حكم ببراءتها، وسعت بعدها للحصول على ميراثها من ثروة ضحيتها لكنها فشلت فى هذا.

القصر ملكاً لـ عائشة فهمي

أصبح القصر بعد ذلك ملكاً لشقيقة علي، عائشة فهمي وزوجها الفنان المصري يوسف بك وهبي، وعاشا فيه حتى قرر يوسف تنفيذ فيلم قصته مستلهمة من القصة التي وقعت فيه، وسمي الفيلم "أولاد الذوات"، وكان أول فيلم مصري ناطق عام 1932، وأثار الفيلم إستياء الأوروبيين في مصر وفي أوروبا فقد دافع فيه عن الشرقيين وأظهر المرأة الأوروبية فى صورة أغضبتهم، فهاجمته الصحف الأوروبية وطالبت بمنع عرضه، وكان الفيلم سبباً فى طلاق يوسف وعائشة.
صدر قرار جمهوري عام 1958 بنزع ملكية القصر وضمه لممتلكات الدولة.

فيلم "أولاد الذوات"

صور الفيلم بين مصر وباريس، وتم عرضه للمرة الأولى عام 1932، شارك فيه نجوم السينما والفن المصري آنذاك، مثل: يوسف وهبي، ودولت أبيض، وأمينة رزق، كما شاركت أم كلثوم بالغناء فيه وحمل الفيلم رسالة من يوسف وهبي إلى الغرب مفادها أن الشرقيين ليسوا وحوش بل النقيض هو الصحيح، فالكثيرات من السيدات الأجنبيات تتطمع في أموال الشباب المصريين، ولا تحترمن الكرامة والشرف ولا الأخلاق.