من الواضح أن الصراع على البقاء تحت الأضواء، هو من أبرز الهموم التي تشغل عدد كبير من المشاهير، خصوصاً في الوطن العربي، لكن هناك فئة من الفنانين، لا تعيش هذا الهاجس، ربما لأن القدر كتب لها أن تسكن ذاكرة الناس وتتجدد، رغم كل التغييرات التي تسللت إلى الساحة الفنية العربية، ومن هؤلاء الفنان المصري هاني شاكر، الذي بقي في مكانه المتقدم والبارز على الساحة الفنية، ولم تسلبه السنوات تألقه، ولم تخفِت موجات العصر الإيقاعية رونقه وحضوره بين الجمهور، وكأن هذا الفنان زرع الفن النقي وحصد ثمار الثقة، حتى بعد أن تحول إلى نقيب الموسيقيين في مصر، ودارت من حوله أزمة من يقدم الأغنية الشعبية، حافظ الفنان على رصانته وصلابته طوال عهده في النقابة، إلى أن إستقال من منصبه، وعاد إلى عالم الحفلات والمهرجانات، وهو بذلك يحصن نجوميته بمحبة الملايين داخل الجمهورية العربية المصرية وخارجها.


هاني شاكر الخارج من قاموس المألوف في الساحة الفنية العربية، عرف كيف يضيف إلى مسيرته الغنائية ما يليق به وبها، وبثقة الناس فيه وبفنه، لأن النجومية ليست ظهوراً على خشبة المسرح وحسب، إنما هي تأسيس لقواعد تعبر عن الذات، وتخاطب الآخرين بلغة أنيقة ومقنعة، قادرة على الاستمرارية في جميع الفصول الفنية، لذا بقي صوت هذا الفنان من الأصوات التي يلجأ إليها البعض، للهروب من موجات فرضت عليهم دفع تكاليف أدوية مكافحة الصداع، بعد أن غابت الحنجرة، وبات الإيقاع هو نجم بعض المناسبات المنسوبة إلى العصر، بطريقة لا يمكن لأحد أن يفسرها، فلا فن يحرك العاطفة، أو الفرح أو حتى الحزن.
وفاء هاني شاكر للبنان، تجسد في زياراته الأخيرة للعاصمة بيروت، التي غنى فيها، رغم كل الأزمات والصعاب، وحالة القلق من الوضع اللبناني، واللافت كان الحضور الكثيف في المناسبات، التي التقى خلالها شاكر مع عشاق فنه، في ظل هروب البعض من الغناء في بلدهم، لان البدل المالي (ما بيوفّي).
ربما من الجميل أن نمتحن القريب قبل الغريب في المحن، والأفعال تغني عن الأقوال، والوطنيات تترجم في مساندة شعب لبنان، وليس بإطلاق الشعارات الرنانة، وهناك في المقابل فنانون لبنانيون ما زالوا يحيون الأمسيات الفنية بأجور عادية، وذلك حتى لا يغيب الفرح عن بلد إعتاد على النهوض من تحت الركام.
النجومية تليق بـ هاني شاكر، واستمراريته ليست صدفة، بل هي قدر، وحسن تدبير ورؤية ثاقبة نحو المستقبل.