تعتبر قلعة بعلبك من روائع العالم القديم، ومن أكثر الآثار الرومانية عظمة، ومن أهم المعالم السياحية في لبنان، وهي تقع في مدينة بعلبك شرق نهر الليطاني في وادي محافظة البقاع، وتبعد عن العاصمة بيروت حوالى ٨٠ كلم. أنشأها الفينيقيون في أوائل العام 2000 قبل الميلاد، وبنوا فيها أول هيكل لعبادة إله الشمس "بعل". إحتلها الإغريق عام 331 قبل الميلاد، وبدلوا إسمها إلى "هيليوبوليس" أو "مدينة الشمس"، إلى أن سيطر عليها الرومان في القرن السادس قبل الميلاد. وفي الفترة الواقعة ما بين القرن السابع عشر والقرن التاسع عشر، ظهرت العديد من اللوحات التي رُسمت فيها مدينة بعلبك، وكانت لها شهرة واسعة في أوروبا. تتألف القلعة من ثلاثة صروح رئيسية، هي معبد "جوبيتر" الكبير، معبد "باخوس" وهو أصغر حجماً، ومعبد مستدير "فينوس".


معبد جوبيتر

يعتبر معبد جوبيتر من أشهر المعالم الأثرية في قلعة بعلبك. يبلغ إرتفاع أعمدته الستة 22م. عند مدخل المعبد، يوجد الرواق الخارجي، شكله مستطيل، ويبلغ طوله 50م، وعرضه 11 م، ويصل إرتفاعه إلى ثمانية أمتار. على جانبه ساحتان تملؤهما النقوش والتماثيل، بينهما صف مكون من 12 عامود من الغرانيت المصري، في مواجهته سلم طويل يصل طوله إلى 50 متراً، يؤدي إلى البهو المسدس، وهو عبارة عن ساحة مكشوفة، تقوم على 30 عامود من الغرانيت، حيث كان كهنة معابد الفراعنة يقيمون حفلات الرقص، قبل أن تنهار الساحة بفعل الزلازل.
عند عبور البهو المسدس، والذي يتصل مباشرة بالبهو الكبير المربع الشكل، تظهر جوانبه المفتوحة من كل الإتجاهات، والتي تحتوي على بقايا قواعد أعمدة، بينما يوجد عامود كامل في الجهة الشمالية الغربية من القاعة.

معبد باخوس

رغم أن معبد باخوس أصغر حجماً من معبد جوبيتر، إلا إنه الأكثر حفاظاً على ملامحه الأولى التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، ويتميز ببوابة عملاقة، يبلغ إرتفاعها 13 م، ويصل عرضها إلى 6 أمتار، ويأخذ هذا المعبد الشكل المستطيل، حيث يبلغ طوله 69 متراً، وعرضه 36 متراً، تحيط بجدرانه أعمدة متصلة ببعضها البعض من خلال تيجان مزخرفة، يبلغ عددها 8 في الجبهة، و15 على الجانبين. أما في الجهة الجنوبية الشرقية للمعبد، فيوجد برج تحول في العصر المملوكي إلى قلعة يقيم فيها الوالي.

معبد فينوس

إلى الجنوب الشرقي من القلعة، يوجد هيكل صغير مستدير مميز، والتصاميم الرومانية للمعابد، كانت عادة تتبع الشكل المستطيل، إلا أن معبد فينوس، الذي يقع داخل الحرم القدسي للهيكل، بني في القرن الثالث الميلادي، ويحيط به صفان من الأعمدة، ويتكون المعبد من مذبح مستدير، وتأخذ الشرفة والدرج حوالى نصف طول المبنى.
أما الباحة الداخلية الدائرية، فيوجد فيها منصة مستطيلة من الأمام وهلالية من الخلف، تليها منصة مزخرفة بتجاويف، كل تجويف يقع بين عامودين، في حين تأخذ الشرفة الخلفية للمعبد الشكل المستطيل، أما السقف، فهو يرتكز على الأعمدة التي تنحدر بشكل مستمر مع كل تجويف. أنشئ هذا المعبد خصيصاً لتكريم الآلهة التي تمثل مدينة بعلبك، إلا أنه تحول في العهد البيزنطي إلى كنيسة للقديسة بربارة.

أقدم ما بناه البشر

أظهرت الرسوم المحفورة على جدران المعابد القديمة، أن مدينة بعلبك كانت مليئة بالبشر منذ ٩ آلاف عام، حتى أن المؤرخ اللبناني إسطفانوس الثاني بطرس الدويهي، بطريرك الكنيسة المارونية في القرن السابع عشر، قال إن قلعة بعلبك هي أقدم ما بناه البشر في العالم، حيث أنشأها الفينيقيون في أوائل القرن الـ20 قبل الميلاد، وكان أول هيكل في المدينة لإله الشمس "بعل"، الذي يختفي وراء أعمدة معبد جوبيتر الرومانية، كما عثر في المدينة على مغارة للطحين، تؤكد أن المنطقة كانت مأهولة بالبشر منذ آلاف السنين، وتتألف المغارة من مغارات متداخلة، تدل على الحياة الإجتماعية الكاملة.
عام 47 قبل الميلاد، إستعمر الرومان مدينة بعلبك في عهد يوليوس قيصر، وإستمر التوسع في بناء الهياكل الرومانية من عام 64 ق.م. حتى عام
305م، أي ما يزيد على 300 عام. توالى عليها العديد من أباطرة الرومان، ليتركوا خلفهم تلك الآثار الضخمة، حتى أن بعض المؤرخين يستبعدون أنها من بناء البشر.


هدية يوليوس قيصر لإبنته

بعلبك القديمة ضمن السور الذي يحيط بها، هي مدينة غنية بالآثار والفسيفساء، والسبب يعود إلى توالي الحضارات عليها، وذلك لموقعها الحيوي في طريق القوافل، ولكثرة المياه والينابيع فيها، وخصوبة أرضها. كانت بعلبك في المرحلة الرومانية مستعمرة، وكان سكانها يتمتعون بحقوق السكان في روما، وعليهم نفس الواجبات، وأعطي لهم الحق في بناء المعابد، وقد أهدى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر المدينة لإبنته جوليا دومنا.


مهرجان بعلبك الدولي

مهرجان بعلبك الدولي هو حدث ثقافي يقام سنوياً منذ العام 1955، حيث تحتضن القلعة في أرجائها أعمالاً فنية مختلفة منها الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والمسرحيات والرقص. بدأت فكرة المهرجانات الفنية في قلعة بعلبك مع الإنتداب الفرنسي، وبعد استقلال لبنان، أقيم أول مهرجان على أدراج بعلبك في منتصف خمسينيات القرن الماضي.