ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها الكاتبتان والممثلتان والمنتجتان مروة خليل ووفاء حلاوي إلى مشكلة أو قضية اجتماعية بطريقة مرحة. سبق وعرضتا معاً في مسرحيتهما "زنود الست"، قصة امرأة متزوجة، تعاني من مشاكل مع زوجها في حياتها. هذه المرة اختارت مروة ووفاء موضوع الطلاق، للإضاءة على عدم المساواة، التي تعاني منها المرأة اللبنانية، بسبب نظام الأحوال الشخصية الديني السائد في لبنان، والذي تحكمه القوانين الطائفية. انضمت إلى الممثلتين في هذا العمل الممثلة سيرينا الشامي، لتجسد البطلات الثلاث مشاكل شخصية "أمل"، ونواحي مختلفة من شخصية المرأة، التي تعاني إثر طلاقها لتجد لنفسها مكاناً في المجتمع.
المسرحية بدأ عرضها في 10 آذار/ مارس الماضي، وتستمر العروض لغاية 27 آذار في مسرح مونو الأشرفية.

سبق عرض المسرحية ورشة عمل تقنية في 8 آذار/مارس في مسرح مونو، بحضور السفيرة الكندية مع فريق "مفروكة"، استكمالاً للمسرحية، لكي لا يكون التطرق إلى موضوع الطلاق فقط بطريقة سلسة عبر الكوميديا، بل ليأخذ الموضوع الأهمية والجدية اللازمتين. ورشة العمل تخللتها مداخلات من خبراء، منهم وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود، وجمعية "كفى" التي تترأسها السيدة زويا روحانا، وفريق "مفروكة" الذي أوصل موضوع الطلاق وموضوع الأحوال الشخصية بصورة فنية، والمطلوب استكمال النشاط عبر المرشحين الجدد للانتخابات.

مروة خليل ووفاء حلاوي : ليست المرة الأولى التي تكتبان فيها مسرحية، تتوجهان من خلالها إلى النساء ومشاكلهن، لماذا اخترتما موضوع المرأة المطلقة لمسرحيتكما الجديدة؟

مروة خليل: أردت في البداية أن أكتب مسرحية عن الأزواج، وعندما بدأت أغوص في التفاصيل، بدأت أسمع الكثير عن الطلاق. صديقتي كانت تعاني من مشاكل في طلاقها، وكنت أستمع إليها، وإلى ما يحصل معها في المحكمة، من ناحية إجحاف القوانين في حقوق المرأة. هذا الأمر أثّر بي كثيراً، فإخترت موضوع المرأة المطلقة الذي لم يعالج بعد. وجدت الفكرة مهمة، لأنها لا تعالج فقط المشاكل النفسية التي تمر بها المرأة، إنما تتطرق أيضاً إلى المشاكل الإجتماعية، من ناحية النظام الطائفي، الذي يفرض قوانين لا تتماشى مع حقوق وحرية الأفراد. الطلاق في لبنان يحصل في المحاكم الروحية التابعة للطوائف. نظام الأحوال الشخصية الطائفي يحول دون حصول المرأة على حقوقها بالكامل. المرأة المطلقة تعاني من عدة مشاكل، تبدأ بالمشاكل النفسية، وصولاً إلى الاجتماعية والسياسية.
أحب أن أعالج المواضيع المتعلقة بالمرأة، لأن هناك إهمالاً في حق المرأة في لبنان، رغم أن الانطباع المأخوذ عن المجتمع اللبناني أنه مجتمع منفتح، ولكن هذا ليس صحيحاً. حتى في أفلامي، منها Are you glad I’m here أتطرق إلى العنف الموجه ضد المرأة ، وفيلم "يلا عقبالكن" يعالج أمور الزواج. إنه أمر طبيعي وعفوي بالنسبة لي أن أتطرق إلى شؤون المرأة.

وفاء حلاوي: مروة وأنا كتبنا سابقاً مسرحية "زنود الست" التي تعالج موضوع المرأة المتزوجة في المجتمع اللبناني، والتي تخبر جارتها عن حياتها الزوجية المثالية، ثم نكتشف مشاكلها، وكيف هي أسيرة الزواج، نتيجة التطلعات حول الزواج في المجتمع. موضوع المرأة مهم في لبنان، ليس هناك من مساواة بين الرجل والمرأة في بلدنا. أول ما لفت نظري عندما وصلت إلى لبنان، وكان عمري حينها 14 عاماً، هو نظرة المجتمع الذي يعامل المرأة وينظر إليها بشكل مختلف، فقط لأنها امرأة.

وفاء حلاوي : هل تدعين إلى نظام أحوال شخصية علماني؟ وهل من السهل تطبيقه في لبنان؟

أدعو إلى نظام أحوال شخصية علماني، ولكن ليس من السهل تطبيقه. أدعو إلى العلمانية في عدة مجالات. نحن نسلط الضوء على هذا الموضوع من خلال فننا، لحث المشاهدين على التفكير بهذه الأمور، وإعطائهم الأمل بغد أفضل، ربما نرى فيه المساواة بين المرأة والرجل.


وفاء حلاوي : هل برأيك المجتمع اللبناني ينظر إلى المرأة المطلقة نفس النظرة التي كانت سائدة منذ 30 عاماً؟

لم يكن الطلاق رائجاً منذ 30 عاماً مثل اليوم، النظرة تغيرت، ولكن بعض الأمور ما زالت على حالها، وبعض الناس لا يتقبلون هذا الأمر. هناك بعض التطور، ولكن يبقى الكثير للعمل عليه، مثلاً أعرف إمرأة مطلقة بعمر الستين عاماً، وهي ذات أحوال مادية ميسورة، كانت تحاول إقتناء شقة للسكن، ولكنها لم تستطع الحصول على الشقة، عندما عرف أصحاب الملك أنها إمرأة مطلقة. هذا مثل بسيط عن إمرأة مطلقة لم يتم التعامل معها كمواطنة متساوية مع غيرها من المواطنين، وذلك فقط لأنها مطلقة. نحن نخاف من ما لا نفهمه، عندما نتفهم المرأة المطلقة، سوف نتقبل هذا الأمر أكثر. نحن نحاول من خلال عملنا المسرحي، أن نجعل مشاهدي مسرحنا يتأملون في حياة المرأة المطلقة، ويفكرون بما يحصل من حولهم من أمور، ويتفاعلون مع المرأة المطلقة، ومع مشاعرها، ومع الصعوبات التي تمر بها، ربما هذا الأمر قد يؤدي إلى التغيير.

مروة خليل : كيف على المرأة أن تعمل على نفسها لكي تتخطى نظرة المجتمع إليها؟

مسرحية "مفروكة" تدور حول شخصية "أمل"، التي تحاول أن تجد مكانها في المجتمع، للأسف المرأة في المجتمع اللبناني تعيش فقط على خانة والدها، أو خانة زوجها، فهي عندما تتزوج تشطب من إخراج القيد العائلي، وتصبح على خانة زوجها، وتنتمي إلى غير سجل، تتبع زوجها، وتنتمي الى بلدته. المرأة كفرد ليس لها كيان، يجب أن نبدأ بتغيير قوانين الأحوال الشخصية.

وفاء حلاوي : هل تعيش النساء المطلقات المنتميات إلى الطبقات الميسورة نفس تحديات المرأة المطلقة ذات الإمكانات المحدودة؟

الإمكانات المادية تلعب دوراً أساسياً في الطلاق، تكلمنا مع عدد من النساء المطلقات من عدة طبقات، وبحسب المقابلات التي قمنا بها، الإمكانات المادية والمعارف تسمح بالطلاق وتسهّله. نساء كثيرات لا يستطعنَ أن يطلقنَ لإفتقادهنّ للإمكانات المادية، لأنهنّ لا يستطعنَ أن يلبينَ حاجاتهنّ وحاجات أولادهنّ. أغلب القوانين في لبنان تحرم الأولاد من أمهاتهم في عمر معين، ما يظهر ذكورية مجتمعنا. الإمكانات المادية دورها أساسي، والكثير من النساء لا يقبلنَ على الطلاق بسبب ضعف إمكاناتهن المادية.

سيرينا الشامي : لماذا برأيك كثرت نسبة الطلاق في لبنان؟

أعتقد لأن المجتمع تغير، وبدأ الناس يتكلمون، وبدأت المرأة تتكلم عن الأمور الجوهرية التي تضايقها، وأصبحت تدرك حقوقها. لا أعتقد أن الخلافات كثرت، إنما الناس يتكلمون أكثر. المرأة لم تعد تقبل بالحياة التي تأسرها، وأصبحت تبادر وتطلب هي الطلاق. أصبح الناس يرفضون الخلافات، ويتكلمون عنها، ويلجأون إلى الطلاق إن لم يجدوا الحل لخلافاتهم.

سيرينا الشامي: هل هذا أول عمل لكِ مع مروة خليل ووفاء حلاوي، ماذا تخبرينا عن هذا التعامل؟

هذه المرة الأولى التي أعمل فيها مع مروة ووفاء، أنا معجبة بهما كممثلتين، أحببت موضوع المسرحية، وشعرت أن النص واسع، وقابل لتبادل الأفكار. أدخلنا الفكاهة في التمرينات واللحظات المؤثرة، تطورت الأمور مع الإرتجال في التمرينات، وكانت سلسة، وبنينا المسرحية معاً تحت إدارة المخرج والإنسان الرائع رياض شيرازي.

مروة خليل : أنتنَّ ثلاث ممثلات على خشبة المسرح، لماذا تجسد كل واحدة منكنَّ ناحية من شخصية "أمل"، وهذا أمر غير مألوف؟

تجسيد ثلاث ممثلات لدور "أمل" جاء لإبراز الأبعاد المتعددة لشخصية "أمل" بشكل أفضل، "أمل" القوية، "أمل" الضعيفة، "أمل" خفيفة الظل التي تسخر من نفسها، هذا الأمر يساعد في إبراز تناقضات الشخصية، ويتماشى مع الأسلوب الإخراجي للمسرحية، المستوحى من الكاتب والمخرج المسرحي برتولت بريشت، الذي كان يقدم التسلية والمرح مع قضية مهمة، وحكمة يكتسبها المشاهد. كل إنسان يمر بعدة مراحل، أحياناً يكون قوياً، وأحياناً أخرى يكون ضعيفاً أردنا أن نعرض هذه التحولات في الشخصية، بصورة جديدة ومدهشة، من خلال إعتماد ثلاث ممثلات لتجسيد شخصية واحدة.

وفاء حلاوي : لماذا لا يتم عرض المسرحيات التي تقدمينها مع مروة لأكثر من ثلاثة أسابيع؟

أحببت هذا السؤال، مسرحيتنا محجوزة بالكامل لثلاثة أسابيع، ومددنا لأسبوع، ونفكر في إعادة عرض المسرحية في بيروت وخارجها، وذلك لأهمية إيصال الموضوع لأكبر جمهور في لبنان، كما نفكر في عرض المسرحية خارج لبنان، وتقديمها في أكثر من بلد.