لسنا هنا في وارد تأجيج الإنتقادات أو الحملات التي تعرض لها فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي عرضته منصة "نتفليكس"، ونال النصيب الأوفر من الإنتقادات، إن من حيث مضمونه، وذلك بإتهامه بهدم قيم المجتمع العربي، من خلال ترويجه للمثلية والخيانة الزوجية، أو من حيث إنتقاد الأدوار، إذ نالت الممثلة المصرية منى زكي الحصة الأكبر من الإنتقادات، بحجة جرأة الدور الذي قدمته.


ولأننا واهمون بملائكية مجتمعنا الغارق في همومه السياسية والمعيشية، والتي إنعكست سلباً على تأزيم وضعه الإجتماعي النفسي، ولأننا نؤكد على صوابية الفيلم في معالجة كبتنا الإجتماعي وحياتنا الخفية القائمة على النفاق الإجتماعي، لا بد من قول كلمة حق في إبداع كل ممثل شارك في هذا العمل، ولو بعد مرور فترة على طرحه ومشاهدته.
بداية لا بد من التصفيق عالياً لدور الممثلة المصرية المتفوقة منى زكي، التي تدرّس في أدائها وحنكتها في تقمص الدور الجريء، لكنها ونظراً إلى رقيها، لم تنزلق إلى السطحية في التمثيل، وعرفت كيف تفرّق بين الجرأة والوقاحة. صحيح أن الدور الذي لعبته كان معقداً، ويحتاج إلى الكثير من المهارات في السلاسة والبساطة، لكنها تمكنت من التفوق على نفسها في هذا الدور، الذي نجده بمثابة علامة فارقة في مسيرتها الحافلة والمشرفة.
إلى الممثل ومقدم البرامج عادل كرم، هذا الاستثنائي في كل ما يقدمه، يثبت مجدداً قدرة وبراعة في الأداء التمثيلي. ومن خلال الدور الذي لعبه كرم في الفيلم، أظهر تحكماً واضحاً في لغة جسده، وتعابير وجهه التي شعت إبداعاً حمل الكثير من تناقضات الشخصية التي جسدها، في دلالة واضحة على إحترافه وقوته في تجسيد أصعب الأدوار المركبة، من دون تكلف ومبالغة. وهنا لا بد من الإشادة بقوة كرم، التي أعطت الدور والعمل ككل قيمة مضافة.
بالإنتقال إلى الممثلة والمخرجة نادين لبكي، فنحن بحاجة إلى الإسهاب في تفنيد إبداعها أمام الشاشة. فمع إحترامنا وتقديرنا لمخرج الفيلم وسام سميرة، الذي أبدع في هذا العمل، إلا أن عين نادين لبكي كمخرجة من خلف الكاميرا، وهي التي صنعت مجداً للسينما اللبنانية في المحافل الدولية، كانت صائبة، متمكنة وقادرة، وبكل بساطة، على أن تجعل من الدور حقيقة، تلامس فيها وبأدائها الواقع، وذلك من خلال تقمص للشخصية قل نظيره بين نجمات العالم العربي. فتجدها أكثر من طبيعية، سلسلة، إنسيابية في التعبير والأداء، متحكمة بنبرة صوتها ونظراتها وتعابير وجهها التي تروي خبرة كبيرة في مجالها.
بالانتقال إلى الممثلين جورج خباز وإياد نصار وديامان أبو عبود وفؤاد يمين، فقد أبدعوا في تجسيد شخصياتهم في الفيلم، مستثمرين خبراتهم وباعهم الطويل لتقديم أفضل ما لديهم في هذا العمل الإستثنائي، ليس فقط بجرأته، إنما بوضعه الإصبع على جرح أمراضنا النفسية، وكبتنا الإجتماعي، وحياة البعض المتخفية تحت أجنحة الفصام الحاصل.
إختيار موفق للممثلين، أثمر حالة من الإنسجام الساحر، تحولت معه مشهدية المكان الواحد ولعبة الهاتف الذكي، إلى حقيقة أثارت غضب حقيقتنا التي نرفض مواجهتها، لأننا متملقون لقيم باتت بعيدة عن جزء كبير من مجتمعاتنا.