لا يستخدم العصا في إطار قيادة الأوركسترا على المسرح فقط، بل نشعر بأن هذه العصا السحرية لها هدف آخر لديه، فكأنه يستخدمها لينثر روعة وطننا لبنان حول العالم، هذا الوطن الذي يصر أهله الأوفياء، على إبراز وجهه الجميل، رغم أنف من يريد أن يظهره قبيحاً، ومن أوفى من المايسترو الدكتور لبنان بعلبكي لوطنه في هذه المهمة، التي تحتاج إلى فنان واثق بموهبة فنية نادرة، ومتسلح بالعلم والثقافة، ومؤمن بقدرته على الإبداع.


وقد أطل بعلبكي يوم أول من أمس سفيراً مُشرفاً لبلده على المسرح في مدينة إسكوبية، عاصمة مقدونيا الشمالية، حيث قدم حفلاً مع الأوركسترا الفلهارمونية المقدونية، وكان قد دعا الفنان اللبناني مارسيل خليفة، ليحيي الحفل، فلبى خليفة الدعوة بكل شغف.

الجزء الأول من الحفل انطلق بمقطوعة "تهاليل الشرق" مع الأوركسترا والكورال، وكانت مدته 45 دقيقة، من الموسيقى التي تحبس الأنفاس.
أما في الجزء الثاني من الحفل، فقدم الفنان مارسيل خليفة أغنيتين مع الأوركسترا، هما "يا نسيم الريح" و"سلام عليكي"، وقدم منفرداً، عزفاً على العود وأغنية "ريتا".



تعطش كبير للفن الأصيل الممزوج بأنامل لبنانية، كان ملحوظاً، وذلك منذ طرح تذاكر الحفل، حيث نفذت كامل التذاكر في غضون يومين فقط من طرحها، مع الإشارة إلى أن أغلب الحضور كانوا من أهل مقدونيا.
وكان إستقبال الأوركسترا الفلهارمونية المقدونية رائعاً، ووصف بعلبكي العمل مع هذه الأوركسترا في تصريح لموقع "الفن" :"أعضاء الأوركسترا عزفوا بشغف وحب الموسيقى التي قدمناها".
وتابع متحدثاً عما لمسه في الحفل من حب للبنان، وقال :"الكثير من الأشخاص في مقدونيا سألونا عن الوضع في لبنان، وهم يتابعون أخبار بلدنا، اكتشفنا إلى أي مدى هناك حب وتعاطف تجاه وطننا من قِبلهم، ولا تغيب عنهم النوستالجيا تجاه لبنان، حيث يتذكرونه بحقباته الذهبية. كل الناس يدركون إلى أي مدى هناك فنانون لبنانيون رائدون حول العالم، وإلى أي مدى لبنان فيه الثقافة والرقي والنشاط الفني، حتى أن بعض عناصر الأوركسترا الذين كانت لهم زيارات إلى لبنان، حدثونا عن محبتهم لوطننا، ومديرة الأوركسترا السابقة التي عادت اليوم إلى العزف بين صفوف الأوركسترا، أخبرتنا أنها قضت أياماً جميلة جداً وتاريخية في لبنان في زيارتيها له".



مجموعة من الصور ننشرها لكم من الحفل في مقدونيا، لكن سنتوقف عند صورة معانقة بعلبكي وخليفة، فهي ليست معانقة عابرة، بل معانقة بين قامتين فنيتين يفيضان فناً وإبداعاً وحباً للوطن على مسارح العالم.
اندماج فني جميل يجمع بعلبكي وخليفة، وهما اللذان اجتمعا سابقاً في العديد من الحفلات الرائعة، من بينها حفل افتتاح مهرجانات بعلبك الدولية عام 2019 الذي حمل عنوان "تصبحون على وطن".
كل من بعلبكي وخليفة يدرك قيمة الآخر الفنية، فالإشادات متبادلة دائماً بين الطرفين، والراحة في العمل سوياً، هي ملكة تعاونهما، فكل منهما يترك للآخر مساحة للإبداع في ملعبه.



وحفل مقدونيا لن يكون الأخير الذي يجمعهما، فقد قال بعلبكي لموقع "الفن" :"لدي حفل مع الفنان مارسيل خليفة في لاهاي، تحديداً في شهر أيار/مايو من العام الحالي، كما أنني اتفقت مع خليفة، وبدأت التحضير لحفل كبير في بيروت، على غرار حفلي مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية الذي قدمته العام الماضي في متحف سرسق، وهذا الحفل سيكون بمثابة رسالة إصرار وتمسك بالفن الذي نقدمه، وتضامن مع لبنان الذي يمر بمراحل صعبة".
وهنا لا بد من التوقف عند الحفل الذي أقيم في متحف سرسق العام الماضي، والذي أعاد إحياء قصر سرسق الذي دُمر جزء منه بسبب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس عام 2020، فلا يوجد أهم من الفن، في التأثير على إعادة النبض، إلى شريان كاد أن يموت.

نعود في سطورنا إلى ما قبل حفل بعلبكي وخليفة بأيام قليلة، حيث قاد بعلبكي الأوركسترا في حفل الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، بالمملكة العربية السعودية داخل قاعة مرايا بمدينة العلا، ضمن فعاليات مهرجان شتاء طنطورة، وهناك كان نور آخر ومشرق لإضاءة وجه لبنان في الخارج، في ظل أيامه التي يملؤها الظلام.
وهذا الحفل أيضاً لن يكون الأخير لبعلبكي مع الفنانة ماجدة الرومي، فقد قال لنا بعلبكي إنه سيجمعهما حفل ثانٍ في المملكة العربية السعودية.
وعن برنامج حفلاته المقبلة على الصعيد العالمي، قال بعلبكي :"أحضر لثلاث حفلات في رومانيا، تحديداً في مدينتي كلوج وبوخاريست، ورغم أن برنامج هذه الحفلات سيكون كلاسيكياً، إلا أنني أستضيف العازف اللبناني العالمي عبد الرحمن الباشا ليعزف على البيانو، وليمثل لبنان، وسنقدم مقطوعة الإفتتاحية بعنوان "Esquisses" للمؤلف اللبناني جورج باز".
وأضاف بعلبكي :"أصر منذ زمن، على أن تكون في حفلاتي الكلاسيكية، مقطوعات موسيقية لمؤلفين لبنانيين، وهذه المرة لدي إصرار أكبر على القيام بذلك، لأقوم بواجبي وأقدم رسالتي للمحافظة على نشر الفن والثقافة والرقي اللبنانيين".

أمنية سنختم بها سطورنا السابقة، وهي أن نحظى بشخص يقود وطننا، ليعيده موحداً ومتناغماً ومزدهراً ومشرقاً، بكل أجزائه المتنوعة والمختلفة تماماً، كما يقود المايسترو الدكتور لبنان بعلبكي أوركسترا مختلفة الآلات والعازفين، ليخرج منها لوحة فنية متناغمة.