عشية عيد الميلاد المجيد، وما يحمله هذا العيد من معاني، تفقد الأمنيات معانيها ومضامينها، أمام الوضع الكارثي، والنكبة التي حلت بشعب لبنان العظيم.


هذا البلد المقدس أرضاً، والمدنس سياسة، بات حقيقة في أمس الحاجة إلى الصلوات والأعاجيب، والإبتهالات السماوية في كل المناسبات الدينية، علّ طفل المغارة النائم على مزود التواضع، ينير عقول السياسيين بالمحبة والعطاء، وتعلية مصلحة البلد على جشعهم وطمعهم وصفقاتهم.
يسوع المتجسد على صورتنا ليرفعنا إلى رتبة القداسة، ننظر إليه بخجل، ونحن قد تخلينا عنه شعباً وسلطة، نستجديه الرحمة، والحب والتواضع، لإنقاذ هذا البلد من براثن الفساد وبؤره.
تزداد معاني هذا العيد المجيد، وتضع إنسانيتنا على المحك، في كل مرة أقابل فيها عائلة تشتهي لقمة العيش، تبلل كسرة خبزها عند المساء، بقليل من الماء والسكّر، علها تسد جوع معدة خاوية.
في كل مرة أبكي طفلاً حرم من أدنى مقومات العيش الكريم، من كهل تُرك في سبيل وحدته، يستجدي سلطة بائسة حقوق ضمان شيخوخته.
في كل مرة أصادف فيها مريضاً، يتسكع أمام المستشفى، منتظراً دوره في طابور الموت، لأنه مجبر على دفع مبلغ مسبق لإدخاله المستشفى.
في كل مرة أصادف فيها عائلة تشتهي تناول اللحوم، والدجاج والأسماك، التي لم تعد في متناول أكثر من 70 في المئة من اللبنانيين.
في كل مرة أنظر فيها إلى وطن الأرز، وأستشعر خطر البقاء فيه، بعدما بايعوه وطناً للجمال وللثقافة وللحضارة للانفتاح على كل العالم.
ولأن هذا الحدث أعاد للبشرية جمعاء، أمل البقاء، والرجاء والقيامة، ولأنه يعيد إلى أذهاننا صورة المغارة، ودفء المزود، والنجمة الساطعة في الظلمة، عندها ننظر إلى طفل المغارة، لا نريد طلبات، وأمنيات وأحلام، لقد انتزعوها منا، وجردونا منها، ولم يبقَ لنا إلا طلب البقاء... نعم نستجدي البقاء على قيد الحياة، أن ترأف بنا وتبلسم آلامنا التي إبتلينا فيها.
لن نفقد الأمل، وهذا ليس شعاراً، أو كلاماً فضفاضاً، فنحن أبناء الحياة، ولا تليق بنا إلا الحياة الكريمة، ونحن من علّم العالم الحياة، والتعلق بها حتى الرمق الأخير.
سأقول نعم، لقد ولد المسيح هللويا، هو أملنا الوحيد، ورجاؤنا وحبنا إلى الأبد.