بعد أن كنا تحدثنا فيالجزء الثالثمن سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز، عن الألحان العالمية التي غنتها فيروز، وعملها في السينما، وغنائها لبنان، والأعمال الغنائية التي جمعتها بإبنها زياد، وإبنتها ريما، والأفلام الوثائقية التي تم إعدادها عن سيرة فيروز، نتحدث في هذا الجزء الرابع والأخير، عن عمل فيروز مع شعراء العصر، والملحنين المبدعين، والتكريمات التي حصلت عليها فيروز، وكيف وصفها المبدعون، بالإضافة إلى الإنشقاق الذي حصل بين ورثة عاصي الرحباني وورثة منصور الرحباني.

فيروز وشعراء العصر

إنتقت فيروز أغنياتها بدقة عالية، فلم تقدم سوى الأغاني الراقية، لتمكنها من إبراز مخارج الحروف لديها، فغنت المعلقات في الشعر الجاهلي لـ عنترة بن شداد وقيس ابن الملوح، ومن ثم شعراء النهضة في المهجر، منهم جبران خليل جبران والأخطل الصغير، بالإضافة إلى العديد من الشعراء، نذكر منهم عبد الكريم الكرمى المعروف بأبي سلمى (ابنة بلادي)، سعيد عقل الكثير من القصائد الوطنية، نذكر منها "قصيدة لبنان"، والعاطفية منها "بحبك ما بعرف"، رفيق خوري (أرجعي يا ألف ليلة)، الياس أبو شبكة (أمطري)، قبلان مكرزل (ذا خيالي/انت يا مي زهرة)، رشيد نخلة (أهلا وسهلا)، بديع خيري (أهو دا اللي صار)، شفيق جلال (تعال كفاك دلال)، لسان الدين ابن الخطيب (جاءت معذبتي)، بدوي الجبل (خالقة)، أحمد عبد المجيد (خايف)، عبد الله غانم ، رشيد معلوف (ربي سألتك)، يونس القاضي (زوروني كل سنة مرة).

فيروز والملحنون

الأخوان رحباني، الياس الرحباني، حليم الرومي، محمد عبد الوهاب، سيد درويش، فيلمون وهبي، زكي ناصيف، نجيب حنكش، وزياد الرحباني وغيرهم.

فيلمون وهبي وألحان خاصة بصوت فيروز

كان شيخ الملحنين فيلمون وهبي محطة أساسية في حياة فيروز، فلم يقدم لها ألحاناً عادية، بل عمد إلى رسم اللحن بحسب طبقات صوتها، فقدم نفحات طربية من مقامات البيات والراست والنهود، والنوتات الموسيقية التي تنسكب في صوت فيروز، فكان "التزاوج الفني" هو العنوان الأنسب بينهما، خصوصاً وأن فيلمون كان من الأشخاص الذين عشقوا صوت فيروز.
من أهم الألحان التي قدمها فيلمون لفيروز : يا كرم العلالي (من مسرحية البعلبكية)/ إسوارة العروس/ بليل وشتي/ أسامينا/ جايبلي سلام / يا ريت منن/ لما عالباب / أنا خوفي من عتم الليل / عالطاحونة / كتبنا وما كتبنا/ يا مرسال المراسيل/ يا دارة دوري فينا/ طيري يا طيارة طيري/ صيّف يا صيف / على جسر اللوزية / يا رايح/ البواب/ ورقو الأصفر / فايق يا هوى / ليليه بترجع يا ليل / طلعلي البكي/ بكرم اللولو / على جسر اللوزية/. حتى أن هذه الألحان، ما زالت ليومنا هذا مرجعاً للعديد من الملحنين.

رومانسية زكي ناصيف

كانت لناصيف حصة كبيرة من أعمال فيروز، فالألحان المستوحاة من الطقوس البيزنطية، دفعت بفيروز لتتفرد بألحان ومكانة، لم تستطع أي فنانة في زمنها مجاراتها فيها، ناهيك عن الألحان الممزوجة بالرومانسية، والمليئة بالأحاسيس في مشاهدها الغنائية.
لحن زكي أعمالاً كثيرة نذكر منها : عا دروب الهوى / أهواك بلا أمل /سحرتنا الكلمات / من يوم ما تغربنا / أمي الحبيبة / بناديلك يا حبيبي / فوق هاتيك الربى / يا بني أمي / عا بالي يا قمر.

الياس الرحباني رسم الفرح في أنغام فيروز

شكل مشوار فيروز مع الياس الرحباني إضافة نوعية إلى الأغنيات التي قدمت في ذلك الوقت، لأن معظم ألحانه كانت مدخلاً للفرح والحياة، والإبتسامة التي تنبعث من القلب، وذلك السحر الجميل الذي يسطير على الكيان، وتعشقه الروح، وتتحرك المشاعر التي تصل بالإنسان إلى نشوة الفرح، بلحن يدخل القلب، ويزيد من نبضه، ويضبط إيقاعه على رقصة الحب الأزلي، بين صوت فيروز وألحان الياس الرحباني.
نذكر من هذه الأعمال : كان عنا طاحون / كان الزمان وكان (حنا السكران) / جينا الدار/ الأوضة المنسية / يا طير الوروار/ بكتب إسمك يا حبيبي / شادي/ طريق النحل. هذه الأعمال أخذتنا إلى عالم غنائي فرح، لما تتميز به من إيقاع، وتوزيع موسيقي ممزوج ما بين الشرقي والغربي.

فيروز صوت المحبة والوحدة الإنسانية

كان لرحيل عاصي الرحباني وقع سلبي على حياة فيروز، حيث دخلت العائلة الرحبانية في حالة من الإنشقاقات، ورفعت الدعاوى القضائية لمنع فيروز من أداء أغاني الأخوين رحباني وإستعمال مسرحياتهما، إلا في حال العودة إلى منصور الرحباني، وذلك تحت عنوان المحافظة على الإرث الفني والحقوق المادية، مع العلم أن منصور كان يتقاضى حقوقه المادية من جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى.
في العام 2008، مُنعت فيروز من عرض مسرحية (صح النوم) في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، ليعود ويتكرر الأمر في العام 2010، عندما منع ورثة منصور فيروز من الغناء، فشكّل الموضوع هزّة في العالم العربي بأسره، وإنطلقت مسيرة اعتصام سلمي من أمام المتحف الوطني اللبناني، شارك فيها عدد من النجوم، منهم نجوى كرم ونوال الزغبي، ومن القاهرة إلهام شاهين، إلى جانب إعلاميين ومثقفين من لبنان والوطن العربي.
أقدمت على تنظيم هذا الاعتصام جمعيات لبنانية، وارتدى المعتصمون القمصان الصفر تضامناً مع فيروز، لأنه لونها المفضل، كما نُظمت وقفة تضامن في مقر الصحافة المصرية بالقاهرة، شارك فيها فنانون ومثقفون وإعلاميون كبار، وأطلق الفنان تامر حسني أغنية تضامنية مع الحدث بعنوان (فيروز)، من كلماته وألحانه، وتوزيع موسيقي جلال فهمي، وخصصت إذاعة دمشق ساعة يومية تضامناً مع فيروز أسمتها (أندلسيات فيروز)، وكذلك إذاعة (شام إف. إم.) أطلقت حملة تضامنية مع فيروز، استضافت فيها شخصيات وقامات فنية وإعلامية. وعمت الاحتجاجات قطر والإمارات العربية المتحدة، وانطلقت من القدس وأستراليا جمعية (فيروزيون)، وانعقد لوبي من المثقفين والاعلاميين، الذي ناشد رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك ميشال سليمان، لمنع هذا الحكم الاعتباطي، وظهرت حملة فايسبوكية انطلقت من مدينة حيفا تضامناً مع فيروز. كان صوت راية محبة وسلام وحّد الأمة العربية بكل أطيافها، وأثبت أن فيروز مطربة خارج إطار الزمان والمكان.

فيروز والتكريمات

لم تنل مطربة في هذا العصر ما نالته السيدة فيروز من تكريمات وأوسمة من جهات رسمية وحكام ورؤساء دول .زارت القدس ورنمت في هذه المدينة احتفاء بزيارة بابا روما، وتسلمت مفتاح المدينة المصنوع من خشب الزيتون المقدس، وكذلك كرمتها مجلة (الشعلة)، وقلدها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق كميل شمعون أعلى وسام برتبة فارس، وتم في سوريا إصدار طوابع بريدية تذكارية تحمل صورتها، وقلّدها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق فؤاد شهاب وسام الأرز، وحصلت في الأردن من الملك الأردني السابق حسين، على ميدالية الكرامة، ووسام النهضة الأردني وهو من الدرجة الأولى، وقلدها الرئيس السوري السابق نور الدين الأتاسي وسام الإستحقاق من الدرجة الأولى، وقلّدها الرئيس اللبناني السابق سليمان فرنجية وسام الشرف، ومنحها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي جائزة التميز الفنية العالية، وكرمتها أكاديمية الفنون المصرية.

إذاعة لبنان تكرم فيروز

كانت لفيروز حصة الأسد في إذاعة لبنان، ورغم مرور العديد من عمالقة الطرب في الإذاعة، إلا أن فيروز كانت الإستثناء، حيث كرمتها الإذاعة من خلال تسمية ستوديو (6) باسمها، بمبادرة رسمية وخلال احتفال رسمي برعاية وزير الإعلام حينها رمزي جريح، وهذا الستوديو يتضمن ثلاثة ستوديوهات داخلية، ويعتبر من الأضخم في عالم الصوتيات في لبنان والعالم العربي، وتم فيه تسجيل أغنيات لكبار نجوم الغناء في العالم العربي.

التكريمات العالمية

الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران قلّد فيروز وسام قائد الفنون والآداب، وهو من أرفع الأوسمة في أوروبا، وكذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك قلدها وسام جوقة الشرف، والذي هو أيضاً من أرفع الأوسمة الأوروبية. وأثناء جولتها الأميركية، قدم لها حاكم مدينة لاس فيغاس مفتاح المدينة، كما اختارها الصليب الأحمر الدولي في احتفالية عيده الـ 50، سفيرة عن العرب، وسط الحكام ورؤساء دول العالم، وغنت في الاحتفالية (الأرض لكم)، ومنحتها الجامعة الأميركية الدكتوراه الفخرية، وأخيراً زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دارتها في الرابية، والذي قلّدها وسام جوقة الشرف برتبة كومندور، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا.

فيروز في عيون المبدعين

كان صوت فيروز مصدر إلهام للعمالقة والمبدعين، وميناء ترسو عند رصيفها آراؤهم وشهاداتهم، في هذا الصوت الخالد، والذي يبعث الحياة والأمل، ونذكر منهم :
حليم الرومي : فيروز صوت غير محدود بقدرته الفائقة لكل الألوان الغنائية، وسيتميز في المستقبل القريب بانه أقدر صوت على غناء الالحان الحديثة في العالم.
نزار قباني : قصيدتي بصوت فيروز اكتست حلة أخرى من الشعر.
محمود درويش : هي الاغنية التي تنسى دائماً أن تكبر، وهي التي تجعل الصحراء أصغر، والقمر أكبر.
أنسي الحاج : بعض الأصوات سفينة ..بعضها شاطئ ..بعضها منارة.. وصوت فيروز هو السفينة والشاطئ والمنارة ..هو الشعر والموسيقى والصوت.. والأكثر من الشعر والموسيقى والصوت، حتى الموسيقى تغار منه.
هلا المر : صوتها هو سكرة الله في مجد المحبة، وهو الصوت الذي يوقظ الحب في قلوبنا.
الصحافة البرازيلية : صوت هذه الفنانة هو ظاهرة طبيعية، وصوت فيروز تتمثل فيه أربع آلاف سنة من الحضارة.
محمد عبد الوهاب : سلطة الأغنية القصيرة في العالم العربي.. تطربني في ثلاث دقائق، وعندما تغني أقول : احنا بعدنا في الأرض مش في السما.
أم كلثوم : صوت فريد فعلاً، ومحبوب في مصر، كما لبنان والعالم العربي.
عبد الحليم حافظ : الصوت الأنثوي الذي يطربني في العالم العربي صوت فيروز.
تحية كاريوكا : صوت متفرد، وقيمة القمة في لبنان ومصر والعالم العربي.
رياض السنباطي : صوت جميل جداً، وحساس للغاية.
طلال حيدر: فيروز حبست نفسها والناس حبسوها في القداسة في الصوت، الذي رسم خارطة لبنان، ونسوا من هي ناطورة المفاتيح وعطر الليل.

سعيد عقل : الصوت الذي يعتز به شعب بأسره، ويعتبره مجداً له وعطية فيروز إنها سفيرة لبنان إلى النجوم.
آنا كورسك ( مغنية الاوبرا المجرية ): صوت فيروز هو أجمل صوت سمعته في حياتي، وهو نسيج الوحدة في الشرق والغرب.
بولس سلامة : فيروز أسطورة الواقع وآية العظمة في العجيب نعيم النفوس في قافية منحدرة من عالم شاسع، وحي مجهول، وأصداء مجهولة لا تنسب الى حقيقة، يسكت الكلام في رهبة حضورها وسمو صوتها، ويبقى فنها منارة مشعة بالخلود للأجيال المتلاحقة.

فيروز التي عملت مع الأخوين رحباني، ووقفت على أعظم المسارح، وغنت في معظم بلدان العالم، لا تختصر بكلمات، وكل ما كتب عنها هو غيض من فيض، فلا سطور تكفي، ولا كلمات تعطي حق الإنسانة والمطربة التي كانت حياتها ملكاً لوطنها وفنها وعائلتها ومحبيها.