بعد أن نشرنا الجزء الثاني من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز، الذي تحدثنا خلاله عن عمل فيروز على خشبة مسرح الأخوين رحباني، وعملها في مهرجانات بعلبك الدولية، وغنائها أجمل القصائد باللهجة اللبنانية، وباللغة العربية الفصحى، لقراءة الجزء الثاني إضغطهنا، ننشر لكم اليوم الجزء الثالث من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز.
في الجزء الثالث من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز، نتحدث عن الألحان العالمية التي غنتها فيروز، وعملها في السينما، وغنائها لبنان، والأعمال الغنائية التي جمعتها بإبنها زياد، وإبنتها ريما، والأفلام الوثائقية التي تم إعدادها عن سيرة فيروز.

الإقتباس الفيروزي في الغناء

إقتبس الأخوان رحباني خلال مسيرتهما الفنية، ألحاناً غربية معروفة، وقاما بتوزيع موسيقي جديد لها، بعد أن نسجا لها كلاماً مميزاً، وكذلك فعلت ريما الرحباني في الألبوم الأخير للسيدة فيروز، الذي ترجمت فيه خمس أغانٍ معروفة عالمياً. كان صوت فيروز وحده القادر على إضفاء حالة من الخصوصية على هذه الأعمال المقتبسة، وطبعها بالنمط الفيروزي والأداء الساحر، إضافة إلى تقديمها الترانيم البيزنطية والسريانية والغربية.
الأعمال المقتبسة من الغرب التي قدمتها فيروز، مميزة وفريدة من نوعها، نذكر منها (يا أنا يا أنا) المستوحاة من السيمفونية 10 لـ (موزارت)، وأيضاً أغنية (لبيروت) للمؤلف الكفيف خواكين رودريغو (Joaquin Rodrigo)، والتي نظم كلماتها باللغة العربية الشاعر جوزيف حرب. ومن أرشيف الأغاني الفيروزية المقتبسة، نتوقف عند أغنية (كانوا يا حبيبي)، وهي للمؤلف ليف كنيبر (Lev Knipper)، وأدتها بلون عاطفي، بعد أن كانت الأغنية تحمل في الأصل روح النشيد العسكري، وأيضاً أغنية (ليلة عيد) المعروفة في الكريسماس، هي من الألحان التراثية العالمية (Jingle Bells)، للمؤلف الموسيقي (James Lord Pierpont)، كما تعاونت مع إبنها زياد في أغنية (بذكر بالخريف) التي كتب زياد كلماتها للغة العربية، وهي مقتبسة من الموسيقي جوزيف كزما، ومعروفة عالمياً بـ (Les Feuilles Mortes)، ومع ريما مؤخراً ثمة أغان مقتبسة، منها أغنية (شو بخاف) للملحن البرازيلي لويز بونفا، و(حكايات كتيرة ) للفنان فرانك سيناترا، و(يمكن) للفنان جون لينون.

فيروز والسينما

دخلت السيدة فيروز عالم السينما بإحتراف مع الأخوين رحباني بثلاثة أفلام فقط، حيث لعبت في (العام 1965) شخصية "ريما" في "بياع الخواتم"، حين صارت الكذبة براجح حقيقة، وصار موسم العزّاب عيد الحب، ثم لعبت شخصية "عدلة" في فيلم (سفر برلك)، الصبية المنتسبة للثوار، والمناضلة لإجلاء الاحتلال العثماني عن بلدها، منتظرة أن يعود إليها حبيبها "عبدو" بعد الجلاء. لعبت أيضاً شخصية "نجمة" في فيلم (بنت الحارس)، الصبية التي أصرت على إسترداد حق والدها من أعضاء المجلس البلدي.
ظهرت السيدة فيروز أيضاً في حكايات تلفزيونية غنائية، نذكر منها "الإسوارة" عام 1963، و"دفاتر الليل" عام 1971.


حوارات غنائية لـ فيروز

تكاد أن تكون السيدة فيروز المطربة الوحيدة التي أغنت المكتبة الغنائية بباقة من "الاسكاتشات" الغنائية التي تمحورت حول أفكار ومواضيع اجتماعية، وهذا النوع من الغناء كان مستحدثاً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، من تلك "الاسكتشات" الغنائية، نذكر "الناطور"، "مسرح الضيعة"، "رابوق"، "عصفورتي"، "كاسر مزراب العين"، "عودة الصنوبر"، "ورد وشبابيك"، "غربال"، الحصاد"، "زرياب"، "حكايات الربيع"، "إشاعة حب"، وغيرها الكثير من الإسكتشات المسرحية.

فيروز والوطن

تغلغل حب الوطن في كيان وضمير وقلب فيروز، كما في صوتها، لذلك رفضت الهجرة، رغم الحروب والأزمات التي مرّ بها لبنان، وتمسكت بالبقاء في هذا الوطن، الذي أحبته وكرمته، وإلتزمت غناءه، ففيروز تعذبت كباقي اللبنانيين، بإنقطاع الكهرباء، والبنزين، وعدم توفر المواد الأولية، وعاشت تحت وطأة الحرب ورصاصها، رغم الفرص العديدة التي تلقتها للمغادرة.
فيروز من أوائل الفنانات اللواتي غنين الوطن، قدمت مسرحية "عودة العسكر" التي تحكي عن شهيد الجيش اللبناني، والعديد من الأغنيات الوطنية، منها "لبنان يا أخضر حلو، "لبنان الأخضر"، "ع إسمك غنيت"، "في قهوة عالمفرق"، بيقولوا زغيّر بلدي"، "بيي راح مع العسكر"، "هلّي عالريح"، "احكيلي احكيلي"، "قصيدة لبنان"...، وفي فترة الحرب، انتظر الناس ما ستقدمه فيروز من أعمال غنائية، فغنت "بحبك يا لبنان"، لتعطي أملاً للشعب اللبناني، "رح نبقى سوا"، "لبيروت"، "إسوارة العروس"...

فيروز مع زياد الرحباني بعد وفاة عاصي

قالت فيروز عن عاصي :"لمن مرض عاصي بلشت حس باشياء كثيرة مش كلها بقدر قولها ..بلشت حس بالخوف أكتر ..الخوف عليي وعلى حالي وشغلنا ..غيابو تعبني وحسسني بكل الاشيا اللي كان حاملها عني، وكل ما بغني بمطرح اكيد بيكون موجود لو هوي غايب ..ما في رجل إلو دمعة بجمال دمعة عاصي ..حبيت صورو.. ومطارحو دخلت عليي وما عاد فيني اطلع منها ..".
وختمت :"زيارتو ع الدني كانت قصيرة ..بس زرع جمال وترك لنا جمال كتير وفلّ".
بعد وفاة عاصي الرحباني، انطلقت فيروز بمسيرة فنية حديثة، فغنت من ألحان زياد، الذي لطالما وصفته بـ"العبقري"، وشَرَّقت الجاز في "ربع نوطة"، وقدمت العديد من الألبومات من كلمات وتوزيع موسيقي وألحان زياد الرحباني، هي "معرفتي فيك"، "كيفك إنت"، "حبيتك تنسيت النوم"، و"كان غير شكل" و "إيه في أمل".

لم يكتفِ زياد الرحباني بالأعمال التي قدمها كاملة من حيث الكتابة والتلحين والتوزيع الموسيقي، فإختار العديد من الأغاني من الأخوين رحباني، ونشرها ضمن ألبوم "إلى عاصي"، وإعتبرها تكريماً لوالده.
كما لحن زياد أغاني للعديد من الشعراء وقدمتها فيروز، منهم جوزيف حرب وطلال حيدر.

فيروز وريما الرحباني

قدمت أغاني عديدة بألحان عالمية باشراف ريما، وكليبات، منها ترانيم عيد الفصح المجيد، ووزعتها على القنوات التلفزيونية، وعادت ورنمت Ave Maria.

وثائقيات فيروزية

تم إنتاج ثلاثة أفلام وثائقية عن حياة وسيرة السيدة فيروز الفنية، فالقناة الفرنسية أنتجت وثائقياً بعنوان "جارة القمر"، وقناة الجزيرة فيلماً، وقناة الجديد فيلماً بعنوان "السيدة فيروز".

ترقبوا الجزء الرابع والأخير من سيرة السيدة فيروز.