لفظ إسم دمشق على بعدِ آلاف الكيلومترات منها في مساء 25 نيسان/أبريل عام 2016، حين أوصى عائلته بأن يُدفن في العاصمة السورية، تعويضاً لروحه عن الأيام التي أمضاها في لوس أنجلوس الأميركية، لتلقي العلاج من المرض الذي أتعبه وعاجله بالموت، قبل أن يلقي نظرة الوداع الأخيرة على مدينته.


المخرج السوريخلدون المالح، الذي ينتمي إلى عائلة دمشقية عريقة، ترك خلال 78 عاماً من عمرهِ آثراً مهماً في مسيرة التلفزيون والسينما والمسرح في سوريا، على الرغم من أنه لم يكتسب شهرة النجوم، الذين جسدوا أعماله منهم دريد لحام ونهاد قلعي، إلا أن الذاكرة التاريخية لبدايات التلفزيون السوري تحتفظ بإسمه، كواحد من المؤسسين الأوائل للمؤسسة السورية الوليدة مطلع الستينيات.

أروع الأعمال مع دريد لحام ونهاد قلعي
بدأخلدون المالحبطلاً لكل عمل له من وراء الستار، وكان لا يحب الظهور إلا نادراً، رجل عملي وفنان حقيقي، ترك مشروعاً، فأينما إتجهت تجد بصماته، لطيف، له شبكة واسعة في الإعلام العربي، بسيط، وفي الوقت ذاته عبقري.
أطلق مسيرة برامج المنوعات في التلفزيون السوري مع الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، وأدى نجاح التجربة إلى إنتاج مسلسل "مقالب غوار" الشهير، الذي أخرجه وإستمر مع الثنائي الكوميدي ليخرج لهما أعمالاً شهيرة، منها "حمام الهنا" و"صح النوم" في التلفزيون، و"ملح وسكر" و"وادي المسك" في السينما .
لم يعجز عن خوض غمار تجربة الإخراج المسرحي، بل نجح في إخراج أهم الأعمال المسرحية في تاريخ المسرح السوري، منها "ضيعة تشرين" و"كاسك يا وطن" و"غربة"، عن نصوص الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط.
توّج المالح مسيرته بإخراج مسلسل "الجمل" عام 1999 الذي حظي بنسبة مشاهدة عالية عربياً ونال جائزة الدراما في مهرجان القاهرة في ذلك العام ليعتكف بعدها عن العمل الفني حتى نهاية حياته مع التغييرات التي طرأت على نوعية الدراما و التلفزيون في فترة صعود الفضائيات العربية.

مساهماته
ساهم خلدون المالح في تأسيس التلفزيون السوري عام 1960، وكان من ضمن اللجنة التي قررت تعيين نهاد قلعي موظفاً فيه، وفي الفترة نفسها قدّم المخرج القادم حديثاً من إيطاليا، حيث نال دبلوم الإخراج، برنامجا تلفزيونياً بعنوان "الإجازة السعيدة"، برز من خلاله عدد من الوجوه من المسرح الجامعي، ومن بينهم دريد لحام، ليقرر لاحقاً جمع الممثلين في عمل واحد.
وما يميزه أيضاً هو تأسيس أول ستديو خاص به في دمشق، وتسجيله للعديد من الأعمال درامية وغنائية ليتجه من خلالها أيضاً إلى عالم الإعلانات الجادة، منها المادة الإعلانية لـ"يا نصيب دمشق"، وأهم تجربة له هي سلسلة "افتح يا سمسم" من الناحية الإخراجية والإنتاجية، التي غزت بها القنوات التلفزيونية العربية، لكونها عملاً توجيهياً وتربوياً وإنسانياً.

في منتصف العقد الماضي، عاد خلدون المالح إلى أحاديث الصحافة مع إفتتاح معرضه الفني في دمشق، وإستأنف علاقته الممتدة مع التشكيل منذ أكثر من ثلاثين عاماً باحثاً عن الجمال، على حد تعبيره حينها.
ويحوي أرشيف التلفزيون السوري بساعات طويلة مسجلة باسم خلدون المالح، من لقاءاته مع عمالقة الفن، منهم محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وعبد الحليم حافظ، إضافة إلى إخراجه روائع المسلسلات والأفلام السورية في فترة البدايات، والتي لا تزال تحتفظ برونقها بعد كل هذه السنوات.
لم يكن مخرجاً فحسب، بل كان منتجاً لمعظم تلك الأعمال الرائدة عبر شركة الإنتاج التي أسسها وتولى إدارتها لفترة طويلة من الزمن، كأول شركة إنتاج سورية خاصة، إضافة إلى عمله الطويل في مجال الإعلام والتقديم الإذاعي والتلفزيوني، وتأسيسه أيضاً لفن الدوبلاج السوري في ستينيات القرن الماضي، وله محاولات جادة في مجال الفن التشكيلي أيضاً.

معلومات قد لا تعرفونها عن خلدون المالح
عضو في مجلس الشعب عام 1977.
عضو في نقابة الفنانين السوريين منذ عام 1968.
يحتفظ إبنه مختار المالح بأرشيف والده الغني في دمشق، ويحاول إعادة إحياء شركته الخاصة.