خرج الموضوع من إطار الأصول الدرامية، ومن سجن النقد، والملاحظات والتعليقات.

أصبح العمل بحدّ ذاته، حدثاً لا يمكن البحث في أكثر من سرّ النجاح الكبير. منذ بدأ عرض الحلقة الأولى للجزء الرابع من مسلسل "الهيبة – الردّ" من إنتاج شركة صباح أخوان، وبطولة تيم حسن وعادل كرم ومنى واصف وإخراج سامر البرقاوي، بدأ التعليق، وصار الكلّ ينافس الكلّ في البحث عن الأخطاء.

استنتج البعض فوراً، أن الجزء الرابع يعني تكراراً ومللاً ومضغ الأحداث، لاجتراح معجزة النجاح وإقبال الجمهور على مشاهدة ما أصبح لزوم ما لا يلزم. وسائل التواصل الإجتماعي، سمحت لكل الناس بأن تبدي رأيها. لكن الرأي غالباً كان عاطفياً، فإما من يتضامن مع بطلته التي لم يعد لها مكان في الجزء الجديد، وإما متضامن مع بطل المسلسل ويريد أن يعبّر بحماس أعمى عن إعجابه وأمنياته بالنجاح. وإما جزء خطير وهو الأسوأ، الذين اتخذوا من الحسابات الوهمية، منابر للتعبير عن غيظهم من النجاح للمنتج المنافس، أم من المحطة التي لا تعرض ما تنتجه شركتهم. ويكفي أن تجلس مع منتج منافس، حتى تسمع بل تقرأ على ورقة يحملها في جيبه، عن الثغرات والهفوات والأخطاء التي سجّلها أو سجّلوها له بعناية على ورقة صغيرة، كي لا ينساها.

​​​​​​​كان الإيقاع في الحلقات الأولى بطيئاً، وكان السيناريو في الحلقات الأولى فيه بعض الشطط، وربما هذا لأن مسألة ورشة كتابة النص ليست مألوفة في الدراما العربية واللبنانية. وقلنا في حينه، كان على "المايسترو" الذي أشرف على هذه الورشة، أن يكون أكثر عناية ودقّة في ربط وشبك الأحداث والمشاهد والمواقف. وكان على المخرج والكاتب الرئيس، أن يعرض النص على شخص خبير، من خارج كل العمل، ليدوّن ملاحظات المشاهد. كل هذا لاحظناه في بعض الأماكن، وهو أمر يكاد يكون مألوفاً وطبيعياً في كل الدراما. ولن يشفع لأحد أن يبرّر التشتّت الذي تعرّض له تصوير المسلسل بسبب جائحة الكورونا، وتعطيل التصوير مرّة، ووقف التصوير مرات، ومتابعة التصوير في ظروف لم يكن ممكناً التحكّم بها مثل تغيّر الطقس، وشكل أماكن التصوير بين الصيف والربيع والشتاء. ولم تكن سهلة العودة للتصوير مع ممثلين كانوا في الحجر الصحي، وتعرّضوا لأسوأ الظروف النفسية والصحية، ومنهم من زاد وزنه، ومنهم من فقد وزنه، ومنهم من أصابته الجائحة.

​​​​​​​الأزمة الإقتصادية، وأزمة السيولة النقدية لدفع الأجور والتكاليف والمصاريف الإنتاجية الملحّة، لم تكن أزمة بسيطة أو عابرة. كل هذه الظروف، أنتجت عملاً بأقلّ السلبيات الممكنة. وهذا بحدّ ذاته يُعتبر إنجازاً ليس سهلاً، بل بطولة لا يحققها إلا المحترفون في عالم الإنتاج الدرامي.
في النصف الثاني من حلقات المسلسل، بدأت الأحداث تتسارع، واشتدّت أعصاب المشاهدين، وسقط النقد في الحيرة، هل سنشدّد على كل خطوة وكل كلمة وكل مشهد؟ أم نستسلم للتشويق والإقبال الجماهيري العربي في كل الوطن العربي، وبلاد الإغتراب العربي؟ لقد اعترف المنافسون قبل المؤيدين، بأن نسبة المشاهدة التي حققها "الهيبة – الردّ" تخطّت النسب العادية، وحوّلت العيون كلها الى حيث الشاشات التي تعرضه. على منصّة "شاهد"، يقول المسؤول إن نسب الإشتراكات زادت بنسب تخطت الضعف.

ليس سهلاً أن تتحدّث عن مسلسل كاد أن يسقط بفعل الظروف الصحية العالمية، والظروف الإقتصادية المحلّية، والظروف الإنتاجية المختلفة، وأنقذه المشاهدون، عندما قالوا كلمتهم.
بكلّ بساطة، وبأقلّ القليل من "الفزلكات" نجح "الهيبة" الرابع، وسيستمر في جزء خامس، ولا أجد مبرّراً للمنزعجين من الأجزاء، وهم يتابعون مسلسلات تركية فيها مئات الحلقات، أغلبها مطّ وتطويل غير مبرّر بالأحداث، حتى تكاد تصبح يوميات سطحية الأحداث، وعندما تقول الجزء الخامس من مسلسل حقق أعلى نسبة مشاهدة في العقدين الأخيرين في عالم التلفزيون، تسمعهم، هذا كثير. خمسة أجزاء يعني مئة وخمسون حلقة، بينما في مسلسل تركي واحد، هناك مئات الحلقات.
لقد ثبت بالوجه الشرعي، أننا في لبنان الأكثر قدرة على التكيّف مع أصعب الظروف. وأثبتت هذه الدراما، أن في لبنان إمكانات وإمكانيات لا حدود لها مهما كانت الصعوبات. نحن ننتج في ظلّ، مقاطعة إقتصادية عالمية، وأزمة سيولة نقدية هائلة، واحتجاز المصارف لكل أموال الشركات والمؤسسات والمواطنين، وأوبئة أقعدت الكرة الأرضية في البيوت، وإنفجار هو الأضخم في تاريخ البشرية منذ أكثر من نصف قرن، دمر نصف بيروت، وعطّل كل لبنان. ولم يعطّل إنتاج مسلسل.

كل هذا يجعلك تشدّ على أيدي المنتج العنيد، وعلى أيدي الممثلين والعاملين في هذا العمل، على صمودهم وتحدّيهم لكل الصعوبات والأزمات، ليقدّموا عملهم بكل ضمير وثقة وإصرار.
لم تعد الأسماء الوهمية والحسابات الوهمية على مواقع التواصل تؤدّي الى قياس حقيقي لرأي الناس، سواء كانت إيجابية أو سلبية. لأنها كلها تُدار بشكل مشبوه ومريب، ولا يُعوّل عليها.
يبقى الجمهور هو الذي يبصم على نجاح، وهو الذي لا حديث له في كل مكان، إلا عن مسلسل تلفزيوني وأبطاله، رغم أزماته الكثيرة والصعبة، يبصم للعمل، ناجح بالعشرة، وهنا ينتهي الكلام.