من يتابع مسلسل "دفعة بيروت" يدرك أن كل حلقة منه هي كأنها فيلم سينمائي عنوانه التميّز والإعتناء بأدقّ التفاصيل.


الإنتاج لشركة إيغل فيلمز جمال سنان، من كتابة هبة مشاري حمادة، وإخراج علي العلي، ومن بطولة مجموعة من أهم الممثلين اللبنانيين والعرب، الذين جسدوا المعنى الحقيقي للدراما المشتركة، التي تجمع ممثلين من مختلف البلدان، في الأمكنة والأزمنة والأدوار والظروف المناسبة.

يلقي المسلسل الضوء على أنواع اضطراب الوسواس القهري OCD في المجتمع اللبناني خلال فترة السبعينيات، حين كان العرب يعتبرون جامعات لبنان من أهم الوجهات للدراسة والتخصّص.
وسواس قهري مفرط يطال جميع الأصعدة في الدين والطائفية أولاً، ومن ثمّ العادات والتقاليد والخوف والترتيب والنظافة، كما يلقي الضوء على نوع جديد من الوسواس تجاه الأرقام، إذ يجد أحدهم كل شيء يسير من حوله أرقاماً، والهوس في الحسابات وحلّ المسائل.
وتتمسك إحدى الشخصيات في "دفعة بيروت" بتعاليم الديانة الإسلامية ومحرماتها، الى درجة يفسر فيها أن الفنّ كان يشكل وسواساً لدى بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، حتى أنه يعتقد أن الفنانة المصرية الراحلة أم كلثوم أفسدت الأمة العربية بأغانيها، ونعتها بخادمة للصهاينة، وهذا ما جعلنا نستغرب الأمر، ولا نتبنى هذا الرأي أبداً.
ويعتبر أيضاً أن الدين الإسلامي يعارض الفن والتصوير الفوتوغرافي والرسم حين يجسد المرأة من دون حجاب أو بصور عارية، بالإضافة الى الموسيقى المثيرة.
ويطال الوسواس القهري تطوّر الشِّعر من الجاهلية الى العصر الحديث، وكيفية تناوله للمرأة من جهة، ومن جهة أخرى يظهر إمتعاض المرأة العصرية من طريقة تناولها في الأشعار الجاهلية، وحرصها في السبعينيات على التمسك بشرفها وحقوقها، في زمن كانت فيه للكرامة قيمة جوهرية وخطاً أحمر عريضاً.

كما أضاء العمل على الجماعات الإسلامية الخطيرة التي تتسلّل بيننا، وتعمل في الكواليس لتنفيذ مشروعها والتأثير في الأمة العربية.
لا نريد أن نكشف محتوى العمل بأكمله، لكننا نستمتع بأدق التفاصيل، رغم مدة الحلقات الطويلة، فبين الصورة والإخراج والديكورات المصممة خصيصاً للعودة الى تلك الحقبة، وبين الممثلين المتنوعين، تحفة فنية درامية نتمنى أن تتكرّر.
من ناحية أخرى، شعرنا في مكان أننا نتعلّم اللهجات العربية المتنوعة، بين التونسية والعراقية والكويتية والمصرية والبحرينية والسورية، وننفتح على الشعوب الأخرى، ولكنه في مكان ما، ضاع المعنى في بعض الحوارات والتعابير التي تعذر علينا الوصول الى معناها، وبالتالي فهمها، وكان ينبغي توضيحها في حوارات الممثلين، أو ترجمتها في أسفل الشاشة.
مسلسل "دفعة بيروت" أعطى المعنى الحقيقي للدراما المشتركة، وجسّد الوسواس القهري بجميع أشكاله في حقبة السبعينيات، والتي لا نزال نعاني من ترسباتها في 2020.